
هل تسعى الدولة حقا وصدقا لإصلاح أوضاع مؤسسات التعليم العالي ؟
بصيغة أخرى , هل ترغب الدولة في ذلك فعلا ؟ وهل تعي كيفية الإصلاح ؟
هل قرأ المتحكمون فى أمور التعليم في مصر , نصوص دستور 2014 وما قبله من دساتير , والتي أكدت جميعها على استقلالية الجامعات ” مؤسسات التعليم العالي ” ؟
هل قرأ هؤلاء تحديدا ما قضت به المادة 21 من دستور 2014 , بشأن إستقلالية الجامعات , و ما قضت به المادة الأولى من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 ,
تحرير مؤسسات التعليم العالي يعني بالضرورة إلغاء أو تقليص دور وهيمنة وزارة التعليم العالي , فرغم مرور عشرات السنين على نشأتها , لم نعرف لها دورا سوى ترسيخ البيروقراطية ومنح الدولة مُدخلا للهيمنة على الجامعات والتدخل في شئونها , من خلال رئاسة وزير التعليم العالي للمجلس الأعلى للجامعات وترشيحات قيادات الجامعات.
الطريق للإصلاح عموما معلوم للكافة , ومحدد بدقة للخاصة , بداية إصلاح أوضاع الجامعات بمصر ,تحرير رقبتها من هيمنة وزارة التعليم العالي , تلك الوزارة غامضة الدور والتي أجزم أن استيعاب قياداتها لدورها ووظيفتها لا يتجاوز فهم وإدراك رجل الشارع العادي لوجود وأهمية تلك الوزارة , .
قيل أنك إن أردت قتل فكرة, فشكلّ لجنة وإجعلها مسئولة عن التنفيذ , كذا بعض الوزارات في مصر ومنذ فترة هي وبالا على حركة سير بعض المرافق العامة وتطورها , وذات تأثيرا سلبيا على أداءها ومن بين تلك الوزارات , ما يُطلق عليها ” عفوا للفظ ” وزارة التعليم العالي , فلا ندري ما الدور التي تلعبه تلك الوزارة في التعليم العالي , وما أحدثته فعلا وقولا من تأثير إيجابي على حركة التعليم العالي بمصر , والشواهد خير دليل على قوة مخرجات التعليم العالي في ظل وجود تلك الوزارة .
هي للأسف وزارة على الورق , فعليا لا تُتنتج شيئا , ولا تملك حق التدخل في شئون الجامعات , تلعب دور الوسيط بين الدولة ومؤسسات التعليم العالي , كما تملك وقياداتها مهارة وضع العراقيل والمطبات القانونية البيروقراطية لتأخير العمل وتعطيله , ويقتصر دورها على بعض الجوانب الإدارية وبخاصة التدخل لتعيين القيادات الإدارية من غير أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وهو تعيين قاصر بمعنى أنها تتقيد بما تنتهي إليه لجان تعيين القيادات الموجودة بالجامعات , ويصبح دور الوزير والوزارة هو التصديق دون الحق في رفض التوصية بوضع أشبه بمن ينجز بعض الأعمال المصلحية ,ويتبقى أن يبحث عن الموظف المسئول عن ختم أوراقه الرسمية..
من يحوز الختم الرسمي , يحق له في بعض الحالات , التأني في قراءة ما يُختم وربما يتلكأ في وضع الختم على الورق ,لكن يظل دوره مجرد حامل للختم , يصدّق على ما إنتهى إليه الآخرون من قرارات !!
السؤال في النهاية , لماذا تُبقى الدولة على وزارة كل دورها أن تصّدق على معطيات وقرارات إدارية إنتهت لها قيادات الجامعات ,(بعض تلك التوصيات قد تكون دون المنطق , التخفي وراء الوزارة يعني ضياع المحتوى والمسئولية) لعل السؤال يبحث عن إجابة شافية نظن أننا نعلمها ولا نملك التصريح بها فعلا !
الخلاصة أن الاستقلالية غير متحققة على أرض الواقع وهي مجرد حبر على ورق و نص جيد ضمن متون الدساتير المختلفة, نتشدق به أمام الغادي والرائح ليس إلاّ .
المثير للدهشة أن الصورة غائمة تماما بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس فلم نسمع لهم صوتا كما لم نرى رأيا رسمياً لهم حول وضعية واستقلالية الجامعات التي يعملون بها ويبدو أن الموضوع لا يعنيهم وكأن أجلّ طموح لديهم هو الوصول لكرسي الوزارة .
لا جدال أن تطور الجامعات المصرية وخروجها من عنق الزجاجة رهن بإعادة النظر كلية في منظومة التعليم العالي , وفي فك الاشتباك بين الجامعات وأجهزة الدولة المختلفة وصولا لصيغة تحقق استقلال حقيقي للجامعات وفي نفس الوقت أيضا تضمن وصول القيادات المؤهلة علميا وعمليا في مجال الإدارة .
ربما تُدرك الدولة أن تحقق الاستقلالية فجأة قد يتسبب في مشكلة أكبر وأخطر نتيجة غياب القيادات المؤهلة علميا وعمليا لإدارة مثل تلك المرافق الحيوية . لذا تبقي على الوضع كما هو رأفة ورحمة بهذه المؤسسات .