عماد أبواليزيد يكتب : متى يفضح الله تعالى الإنسان ؟
الحمد لله الذي يغفر بالتوبةِ الكفر الصريح ويسترُ بفضله العيب القبيح وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كريمٌ حَيِيٌّ ستِّيْر يُحبُّ السّتْرَ ويرضاه ويكره التعرِّي ويبغض أصحابه
فالحمد لله الذي جمَّل ظاهرنا وستر قبيح أفعالنا
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أشدُّ حياءً من العذراء في خِدْرها وأجْملُ مِن الحسناءِ في يوم عُرْسها صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبِه والتابعين وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين وبعد ..
الستر نعمة من نِعم الله تعالى على عباده والستر على الناس مطلب شرعي، وخلق اسلامي نبيل، وعلى المسلم أن يكون محبا للستر على الاخرين، لكي يستره الله تعالى في الدنيا والآخرة، فما من أحد إلا وله ذنوبه وأخطاؤه ومعايبه.
ولكن حينما يتمادى العبد في معصية الله تعالى، فإن الله يفضحه من حيث لا يدري ، خاصة وأن الغفلة تأخذ الإنسان في بعض الأوقات إلى ما هو أبعد من المعصية ، حيث تتطور المعصية إلى رياء، ويتفاخر بها العبد بعدما شعر أن الله لم يهتك سره، وأحس بالأمن من أن ينال العقاب، وتناسى أن الله عز وجل يمهل ولا يهمل، فوقتها تأتيه الفضيحة ويهتك الله عز وجل ستره، من حيث لم يحتسب.
قال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه: " من عمِلَ عملًا ألبسه الله رداءه إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرٌّ، سيظهر هذا العمل رغم أنفه على فلتات لسانه وكلامه، ومصداق ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾
وقال الإمام ابن القيم:
للعبد ستران ستر بينه وبين ربه، وآخر بينه وبين الخلق، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله، هتك الله له ستره بينه وبين الخلق
فمن أخطر الأشياء على المؤمن الإصرار على المعصية ظنا منه أنه في أمان من عقاب الله، بعدما أصبحت المعصية وكأنها سهلة في سلوك كثير من المسلمين، حيث لا يكترث أغلبنا من المعصية والقيام بها أمام الناس، مثل النميمة أو الكذب أو الجري وراء النساء، والمَسِير خلف غواية الشيطان.
وقد ينطلق بعض الناس في معاصيهم وذنوبهم الي بعض المبررات التي يرى من خلالها أنها من قبل اللمم الذي يغفره الله وأن الله غفور رحيم، متناسيا أيضا أن الله شديد العقاب لمن تجرأ على حُرماته وانتهكها وتعدى حدوده، ويقول الله تعالى: { اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}.
ومن أسباب الإصرار على المعصية رفقاء السوء، فكلما أراد الإنسان الإقلاع عن معصيته أثنوه ومنعوه عن فعل الخير وإرادة التوبة، بل ربما هددوه بفضحه وهتك ستره وإظهار الأعمال التي كان يقوم بها معهم، فكم تردد ضعيف العزم عن التوبة بسبب أصدقاء السوء.
يقول الله تعالى في شأن رفقاء السوء : { يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا }
والمُصر على المعصية معرَّض للخسران والهلاك، لأنه أمن من مكر الله تعالى، فإنه من خاف الله تعالى ترك الذنوب، ومن أمن مكر الله تهاون بالمعاصي، ولهذا يقول الله: { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }
يقول الفضيل بن عياض: " المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويفضح "
والفضيحة نوعان:
النوع الأول : من كان مستورًا لا يعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة، أو زلة، فإنه لا يجوز كشفها، ولا هتكها، ولا التحدُّث بها؛ لأن ذلك غيبةٌ محرمةٌ، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن المُستتر فيما وقع منه، أو اتُّهِم به وهو بريء منه، كما في قصة الإفك.
والنوع الثاني : من كان مشتهرًا بالمعاصي، معلنًا بها لا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعلن، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسن البصري وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره؛ لتقام عليه الحدود، ومثل هذا لا يشفع له إذا أُخذ، ولو لم يبلغ السلطان؛ بل يترك حتى يُقام عليه الحد، لينكف شرُّه، ويرتدع به أمثاله.
ويستر الله سبحانه وتعالى على عباده في ذنوبهم ومعاصيهم، ويتجاوز عن سيائتهم، ويتعامل الله معنا بالحلم، وهي الصفة التي وصف بها نفسه وجعلها من أسمائه الحسنى، ويمهل الإنسان حتى أخر رمق له في أن يرجع إلى الله ويتوب عن الذنوب، حتى إذا ما أصر هذا الإنسان على معصيته وقع في عقاب الله.
وحلم الله عظيم، يتجلى في صبره سبحانه علي خلقه، وقد جاء في السنه وصف الله عز وجل بالصبر ، كما في حديث أبي موسي الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لَيْسَ أَحَدٌ - أَوْ لَيْسَ شَيءٌ - أَصْبَرَ عَلَى أَذَىً سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُم لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا وَإِنَّهُ لِيُعَافِيهِم وَيَرْزُقُهُم "
وأخبر الله تعالي لتأخير عقاب من أذنب من عباده في الدنيا، أنه لو كان يؤاخذهم بذنوبهم أولاً بأول لما بقي علي ظهر الأرض من أحد
قال تعالي : ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾
متى يفتضح أمر العاصي؟
عن صفوان بن محرز المازني قال : { بينما أنا أمشي مع بن عمر رضي الله عنهما آخذ بيده إذ عرض رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي ربِ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته وأما الكافر والمنافق فيقول الله فيهم ..
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ "
ويفتضح أمر العاصي في الدنيا أيضا حال الإصرار على المعصية، فالمتجاوزون للحدود المُصِرون على الإثم يفضحهم الله ولا يستر عيوبهم لما قام في قلوبهم من الاستهانة بمراقبته سبحانه ، وجرأتهم على عصيانه بلا خوف من عظمة الرب سبحانه وتعالى
بخلاف المؤمن يزِل الزَلة ويذنب الذنب لغفلة أو شهوة عابرة ثم يظل يوبخ نفسه ويلومها ويتوب ويستغفر فيغفر الله له ويستر الله عليه وهكذا كلما أذنب استغفر وكلما غفل تذكر فهذا الذي ينزل الله ستره عليه .
ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بعدم فضيحته ويستمر في الوقوع في الذنب ، ويستسهل المعاودة المرة بعد المرة فها هنا لا يكون ذلك ستر الله عليه نعمة منه سبحانه بل يكون استدراجاً وعقوبة له فليحذر المؤمن ولا يأمن مكر الله جل جلاله .
فاللهم استرنا في الدنيا والآخرة واغفر لنا ما مضي وارزقنا الصلاح والفلاح فيما هو قادم واهدنا اللهم إلي صراطك المستقيم وصلى اللهم وسلم وبارك علي سيدنا محمد