مات صديقي الافتراضى
منذ تعرفنا على وسائل التواصل الإجتماعي واتسع العالم الجديد لكل فرد بأن يظهر فيه بشخصية محببة إلى نفسه وربما تكون مخالفة للواقع ، وكذلك اسم يعبر به عن شخصيته وأصبحت هذه الوسيلة بالفعل عالم افتراضي حيث أن ربما ما يظهر خلالها غير حقيقي ولكنه يعبر عن رغبة الشخص فيما يريد الظهور به أمام الآخرين ، فتجد شخص فاسد فى الواقع ولكنه يتخذ شخصية مثالية يقدم النصح والإرشاد للآخرين فى واقعه الإفتراضي ، وتجد الإنسان الخجول فى الواقع يتحدث عن نفسه ومغامراته المكذوبة وكأنه أحد نجوم السنيما المصرية . . .إلخ
لذا فمنذ دخولي إلى هذا العالم وأنا حريص كل الحرص على ألا أنخدع بما ينشره الآخرون ، ولكن مع مرور السنين ومع تبادل الآراء توطدت علاقاتي ببعض الأشخاص أعجبنى فكرهم وأسلوبهم الشيق فى الكتابة والتعبير عن آرائهم ورقيهم وأدبهم الجم ، وتمر الأيام ونحن نتبادل الآراء ونتناقش فى كل مناحي الحياة نتفق كثيراً ونختلف أحياناً فى جو من الإحترام المتبادل وقبول الرأي الآخر ولكن غاب أحدهم لفترة ليست بالقصيرة ووجدتني أفتقده بشدة فبادرت بترك رسالة له على الخاص للإطمئنان عليه وتركت رقم هاتفى ، وما هي إلا دقائق ووجدته يتحدث إليَّ وكانت حالته النفسية سيئة نظراً لتعرضه لافتراء وظلم شديد فى مجال عمله مما جعله يترك منزله ويعيش وحيدا بعيداً عن أسرته الصغيرة وتعددت المحادثات التليفونية بيننا وكنت أتابع أخباره الصحية والقضائية وأحوال معيشته الجديدة ، ودائماً ما كنت أجده صابراً محتسباً راضياً بقضاء الله وقدره ولا يحزنه سوى بعده عن أسرته وخاصة ابنته الصغيرة قرة عينه.
تمضي الأيام وتوطدت الصداقة بيننا وكنت أتابع معه سير القضية وحالته الصحية فيبدأ دائماً بحديثه عن ابنته وتفوقها الدراسي وحديثها معه مما ينم عن ألم الفراق وقسوة البعد عن ابنته الجميلة ، وفى الشهر الماضي تلقيت نبأ سار فقد تم الحكم ببراءته مما نُسب إليه وأنه سوف يعود لبيته خلال ايام أو أسابيع قليلة بعد إنهاء الإجراء القانونية وكان فى حالة سعادة غامرة ، وأكد لي بأنه سوف يزورنى بمجرد عودته لبيته وسعدت كثيراً لهذا الخبر وانتظرت اللقاء ، وقبل أن تنقضي المدة المتوقعة لعودته لمنزله وجدت صورته ويطلب الأصدقاء الدعاء له بالشفاء ، فأسرعت للإتصال به والإطمئنان عليه فردت زوجته الكريمة بأن عماد فى العناية المركزة نتيجة اصابته بجلطة وغداً إن شاء الله يخرج لحجرته فى المستشفى ، شعرت بالحزن ونويت الذهاب فى الغد للمستشفى ليكون لقاءنا الأول هناك وليس بمنزل أحدنا.
وفي صباح اليوم التالي وعند متابعتي للهاتف استوقفتني صورة لعماد نشرها أحد الأصدقاء يعلن خبر وفاته ، صدمني الخبر وكأنه صديق عمري ومرت أمام عيني مراحل تطور العلاقة من مجرد صديق افتراضي إلى أخ عزيز رغم أننى لم أتقابل معه فى الواقع وكل صداقتنا كانت فى فى العالم الإفتراضى.