كلمة أحمـد أبـو الغيـط في افتتاح منتدى ”البيئة والتنمية 2022: الطريق إلى شرم الشيخ”
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكريم،
أنه لمن دواعي السرور أن أشُارككم اليوم افتتاح أعمال منتدى البيئة والتنمية لعام 2022، والذي يركّز شعاره على مسار مجابهة تحديات التغير المناخي وسبل تعزيزه على كافة الأصعدة.. وأذكّر أن إحدى محطات هذا المسار ستُكتب هنا في جمهورية مصر العربية التي ستحتضن في غضون أشهر قليلة فعاليات قمة المناخ في دورتها (27).
واسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالشكر إلى المجلس العربي للمياه الذي نثمن عالياً تعاونه للدفع قدماً بالعمل العربي المشترك في مجال المياه والموضوعات المتصلة به.. كما أتوجه بخالص الشكر إلى وزارة البيئة بجمهورية مصر العربية التي بذلت جهوداً مقدرة لجمعنا في هذا المحفل الكريم.. والشكر موصول لوزارة الخارجية التي ترعى هذا الحدث بصفتها الرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ.
إن هذا المنتدى سيسهم بلا شك في إثراء النقاش حول موضوعات في غاية الأهمية لنا جميعاً.. كالمياه والتغير المناخي والطاقة والأمن الغذائي واستدامة الزراعة.. وهي ملفات ستتناولها قمة شرم الشيخ للمناخ.. التي أراها فرصة فريدة يجب أن تغتنمها الدول العربية لإعادة طرح أولوياتها في مجال تقاسم الأعباء والمسئوليات.
وكما تعلمون جميعاً إن المنطقة العربية وبالرغم من أنها تساهم بنسبة ضئيلة في الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة.. إلا أنها من أكثر المناطق تأثراً بتبعاتها.. ويقع علينا كعرب تسليط الضوء على خصوصية منطقتنا كمصدر مهم للطاقة العالمية.. ولكن أيضاً كمنطقة تعاني من الفقر المائي الحاد وأثر ذلك على تأمين الحاجات الغذائية لشعوبنا.
السيدات والسادة،
لا يزال العالم يعاني وضعاً متردياً ألقى بظلاله على الجهود الدولية للتنمية... وتسبب في تباطئها، بل أدى إلى خسارة العديد من الإنجازات التي تحققت، إذ خلفت جائحة فيروس كورونا المستجد وما تلاها من أزمات متلاحقة ومتداخلة تركة ثقيلة على جميع الأصعدة.. وقد يستمر علاجها لفترات أطول مما نعتقد... والأرقام أصدق بياناً في رصد هذا التراجع.. إذ تدل كل المؤشرات على تفاقم أزمات الديون والبطالة والتضخم... وتحذر من عودة انتشار الفقر والجوع بعد تراجعهما لعقود.
وعلى الصعيد العربي كان أثر هذه الأزمات – للأسف - أشد وطأة وعمقاً بسبب الطبيعة الخاصة للمنطقة والاضطرابات الخطيرة التي شهدتها على مدار العقود الماضية.. حيث أضافت الأزمات الأخيرة أعباء جديدة إلى تلك التي تعاني منها الدول العربية.
والمؤكد أن هذه الأزمات أبانت عن قصور الأساليب القديمة لإدارة المخاطر في مجابهة أزمات غير تقليدية.. وكشفت عن ترابط القطاعات بشكل وثيق وتداخل مشكلاتها.. فعندما نشبت الحرب الروسية الأوكرانية، شهد العالم اضطراباً جديداً لإمدادات سوق الغذاء العالمية، وارتفاعاً حاداً في أسعار الطاقة.. انعكس سلباً على تكلفة انتاج السلع الغذائية ونقلها.. وتدركون جميعاً ارتباط الدول العربية بطرفي النزاع، إذ تستأثر المنطقة العربية بثلث الصادرات الروسية الأوكرانية من الحبوب.. مما تسبب في مضاعفة المخصصات المالية الموجهة لسد فجوة الغذاء العربية المقدرة حالياً بأكثر من 100 مليون طن من الأغذية.. والتي تحذر كل التقديرات من احتمال تضاعفها في المستقبل القريب.
والمُتابع لأزمة الغذاء العربية يدرك بأن المؤشرات المتعلقة بها تنذر باستمرار تفاقمها... كشح المياه والنزوح إلى المدن والنمو السكاني المطّرد... وأشير في هذا المقام إلى رقم أراه جديراً بالتوقف عنده... إذ سيتضاعف عدد سكان العالم العربي خلال العقود الثلاثة المقبلة ليبلغ 800 مليون نسمة... منها ما يزيد عن 150 مليون شخص في مصر وحدها... بكل ما يمثله ذلك من ضغط كبير على الموارد الطبيعية المتاحة.
السيدات والسادة،
لقد اطلعت بكثير من الاهتمام على محاور هذا المنتدى، وسرّني أنه يعالج مواضيع متصلة ومتقاطعة فيما بينها... كالمياه والأمن الغذائي والطاقة.. إذ لا يمكن معالجة أزمة الغذاء دون تحسين كفاءة إدارة الموارد المائية، وهو ما يتطلب بدوره توفير مصادر نظيفة وغير مكلّفة للطاقة.. وتحتاج معالجة مشكلات ثلاثية "المياه والطاقة والغذاء" إلى تجاوز السياسات التقليدية التي تركز على الحلول القطاعية المنعزلة، واستبدالها بنظرة أكثر شمولية وأوسع نطاقا تأخذ بعين الاعتبار هذا الترابط بين العناصر الثلاثة.
إن الإدارة المتكاملة لهذه المشكلات المتصلة والمتشابكة ببعضها البعض... هو جوهر ندائنا للفاعلين في الدول العربية ليس فقط على المستوى الوطني.. بل أيضاً على المستوى القطري.. إذ أن مجابهة التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا تحتاج تعاوناً عربياً يقوم على الاستخدام الأمثل للموارد وتقاسم الأعباء وتبادل الخبرات.
إننا في المنطقة العربية بحاجة مُلحّة لبناء قدراتنا على إدارة هذا الترابط بشكل فاعل على جميع المستويات، وهو ما من شأنه أن يحقق لدولنا العديد من المكاسب التي تعزز الأمن القومي العربي في كل جوانبه.
واتصالاً بهذه الموضوعات.. اسمحوا لي أن أشير باختصار شديد إلى مستجدات الجهود العربية في مجال الأمن الغذائي، الذي أدت التطورات الأخيرة إلى تراجع وضعه بشكل مقلق.. مما استدعى وزراء الخارجية العرب إلى طرحه بشكل عاجل.. وقد قدمت جامعة الدول العربية مؤخراً دراسة استراتيجية شاملة تتناول الموضوع، سيتم طرحها على القمة العربية المقبلة بالجزائر للنظر في اعتمادها.. وهي دراسة تكاملية تعتمد فلسفة أكثر شمولاً، إذ تدمج بين مكونات زيادة الانتاج واشراك القطاع الخاص والحد من هدر الغذاء، والتخفيف من مخاطر التغيرات المناخية.. وغيرها.. والمؤكد أن النقاش العربي لعلاج هذا الموضوع الملح سيتصدّر أولويات العمل العربي المشترك لفترة قادمة.
ختاماً لا يسعني إلا أن أجدد شكري لكل من ساعد في إنجاح هذا المنتدى وأتمنى أن يسهم في تحقيق المقاصد السامية التي نصبو إليها جميعاً.