صورة اليوم : ”شارع الشيخ حسن العطار”
حسن محمد محمود العطار (1766م / 1180 هـ) - (1835م / 1250 هـ) كان شيخاً للأزهر، ولد بالقاهرة وتوفي بها ايضا ، وكان أبوه الشيخ «علي محمد العطار» يعمل عطاراً وكان من أصل مغربي وكان له إلمام بالعلم، وكان حسن يساعد والده في دكانه، ولما رأى منه الوالد حباً للعلم، وإقبالاً على التعلم شجعه على ذلك، فأخذ حسن يتردد على حلقات العلم بالأزهر.
عندما احتل الفرنسيون مصر سنة 1798 كان حسن العطار في الثانية والثلاثين من عمره، ومثل كثير من العلماء في ذلك الحين فر إلى الصعيد خوفاً على نفسه من أذاهم. ومكث العطار في الصعيد نحو ثمانية عشر شهراً تقريباً لكنه عاد بعدها إلى القاهرة بعد استتباب الأمن وعندما عاد إلى القاهرة تعرف ببعض علماء الحملة، واطّلع على كتبهم وتجاربهم وما معهم من آلات علمية فلكية وهندسية، كما اشتغل بتعليم بعضهم اللغة العربية، فأفاد منهم واطلع على علومهم، واشتغل أثناء الحملة الفرنسية بالتدريس في الأزهر.
ارتحل إلى بلاد الروم والشام والأراضي الحجازية سنة 1802 . وقد زار تركيا ونزل بعاصمتها إسطنبول وأقام في ألبانيا مدة طويلة وسكن ببلد تدعى اشكودره من بلاد الأرناؤط وتزوج بها ثم دخل بلاد الشام سنة 1810م وعمل هناك في التدريس وأقام بها خمس سنين.
عاد إلى مصر سنة 1815 وكانت الأمور في مصر قد استقرت وصارت ولاية البلاد لمحمد علي، فعاد إلى التدريس بالأزهر. وكان له اتصال خاص بسامي باشا وأخويه باقي بيك وخير الله بيك ضابط مصر وله عليهم مشيخة وبواسطتهم ولقربهم من محمد علي باشا كان يلقاه فيجله الأخير ويعظمه ويعرف فضله. كان حريصاً على مساعدة محمد علي في تطوير مصر، فكانت له يد في إنشاء المدارس الفنية العالية مثل الألسن والطب والهندسة والصيدلة. وكان العطار قد أخذ على نفسه أن يعد الرجال الصالحين للقيام بمهمة الإصلاح، ومن أهم من أعدهم لذلك تلميذاه رفاعة الطهطاوي ومحمد عياد الطنطاوي.
لم يكتف الشيخ العطار بذلك، بل إنه استغل قربه من محمد علي والي مصر، وثقة الوالي به، وأوعز إليه بضرورة إرسال البعثات إلى أوروبا لتحصيل علمها، وأوصى بتعيين تلميذه رفاعة الطهطاوي إماماً لأعضاء البعثة العلمية إلى باريس، وأوصى الطهطاوي بأن يفتح عينيه وعقله، وأن يدون يوميات عن رحلته، وهذه اليوميات هي التي نشرها الطهطاوي بعد ذلك في كتاب (تخليص الإبريز في تلخيص باريز).
اختير كأول محرر لأول جريدة عربية مصرية وهي الوقائع المصرية التي أنشأها محمد علي سنة 1828 وجعلها لسان حال الحكومة والجريدة الرسمية للدولة، ولعل سر اختياره كأول محرر للوقائع المصرية يكمن وراء جمال أسلوبه في الكتابة.
كان الشيخ حسن العطار أحد الموجهين الأساسيين لنهضة مصر الحديثة، فهو أول صوتٍ طالَب بتجديد الأزهر الشريف
أصبح العطار شيخاً للأزهر وهو في الخامسة والستين من عمره، وذلك سنة 1830م (1246 هـ) وظل شيخاً للأزهر حتى وفاته يوم 22 مارس سنة 1835م (1250 هـ). رزق حظاً كبيراً من التوفيق في الدعوة إلى إصلاح التعليم بالبلاد كلها، فالمدارس العالية الفنية التي أنشئت بمصر في ذلك العهد كالهندسة والطب والصيدلة، هي الاستجابة الحقيقية لدعوة العطار وتطلعاته ومناداته بحتمية التغيير للأحوال في البلاد، كما كانت الكتب التي ترجمت بالمئات في عصر محمد علي، هي الصدى المحقق لأفكار العطار، حين رأى كتب الفرنسيين في الرياضة والعلوم والآداب وإذا كان الطهطاوي صاحب فضل كبير ويد طولي في حركة ترجمة الكتب في عصر محمد علي، فإنه بلا شك تأثر بآراء وطروحات شيخه العطار ويدين له بهذا الانفتاح على الآخر وإرسال البعثات العلمية.
حدث يوماً أن حاول أحد الطلاب أن يفتك بالطبيب كلوت بك وهو يمارس تشريح جثة في مشرحة مدرسة الطب بأبي زعبل، فهم بأن يطعنه بخنجره مرتين ولكن الطلاب حموه، من أن يصاب بسوء فوقف شيخ الأزهر «حسن العطار» في امتحان مدرسة الطب يصدع برأي الدين في تعليم الطب ويشيد بفائدته في تقدم الإنسانية فكانت هذه الشجاعة في إحقاق الحق بمثابة الفتوى التي اعتبرت نقطة انطلاق للتعليم الطبي، وذلك بفضل الله على لسانه.
كان للشيخ العطار موقف متكامل من مشكلات مجتمعه الثقافية والتعليمية والأدبية والسياسية، حاول أن يشخص هذا الواقع ويحدد جوانب الضعف فيه، كما نادى بضرورة تغييره ورسم برنامج هذا التغيير وعهد بأمانة هذا الشيء ومستقبله إلى تلاميذه من بعده، الذين يعتبر الطهطاوي أنموذجا لهم. لم يختص الشيخ بعلم أو فن بعينه، ولكنه كان حريصاً على الإفادة من كل علم، وكان يطرز الكتب التي يقرؤها بهوامشه وتعليقاته، ويقول في هذا المقام تلميذه رفاعة الطهطاوي: «كانت له مشاركة في كثير من العلوم حتى في العلوم الجغرافية. وكان يطلع دائماً على كتب المعرفة من تواريخ وغيرها».
لم يكتف العطار بالكتب العربية، بل اتجه إلى الكتب التي ترجمت في أوائل عصر النهضة في القرن التاسع عشر، فقرأها وافاد منها، وجمع بها بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب. وإذا كانت علاقة الشيخ حسن العطار بعلماء الحملة الفرنسية قد أطلعته على أحدث ما وصلت إليه العلوم الدنيوية في ذلك الوقت فإن اهتمامه بهذه العلوم كان اهتماماً قديماً، فمن شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم من كانت له اهتمامات بهذه العلوم، مثل الشيخ محمد عرفة الدسوقي الذي كانت له مشاركات في علم الهندسة والهيئة والتوقيت، وكذلك تتلمذ على يد الشيخ حسن الجبرتي والد صديقه المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي، وكان الجبرتي الوالد عالماً بالرياضيات والفلك وبكيفية صنع المزاول.
كما كان الشيخ حسن العطار حريصاً على قراءة ودراسة أمهات الكتب العربية، فهو لم يحصّل علمه من الحواشي والشروح فقط، وإنما رجع إلى المصادر الأصلية يدرسها ويتعلم منها، ويدعو إلى تواصل خلاق معها ليحدث التواصل الحضاري الحقيقي الذي كان ينشده، ويمكن إرجاع جانب الأصالة الفكرية والنزوع إلى إعمال العقل عند العطار -بالإضافة إلى ملكاته الخاصة وما استفاده من بعض شيوخه ونقده للجو الثقافي في عصره- إلى اشتغاله بالتجارة في فترة تكوينه بما تضفيه التجارة على المشتغل بها من ضرورة اليقظة واستخدام عقله وربط الأمور المختلفة ببعضها.