شيخ الأزهر يؤكِّد حاجة الغرب إلى حكمة الشرق وأديانه وعمق نظرته إلى حقائق الأشياء
أكَّد فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، حاجة الغربَ إلى حِكْمَةِ الشَّرقِ وأدْيانِه وما تَربَّى عليه النَّاس من قِيَمٍ خُلُقيَّةٍ، ونظرةٍ مُتوازنة إلى الإنسانِ والكون وخالقِ الكون، وهو في حاجةٍ إلى روحانيَّةِ الشَّرق، وعُمق نظرته إلى حقائقِ الأشياء، وإلى التَّوقُّف طويلًا عند الحكمة الخالدة التي تقول: «ليس كلُّ ما يَلْمَعُ ذهبًا»، بل إنَّ الغربَ لمحتاجٌ إلى أسواقِ الشَّرقِ وسواعد أبنائه، في مصانِعه في إفريقيا وآسيا وغيرهما، وهو في حاجةٍ إلى الموادِّ الخام المكنوزة في أعماقِ هاتين القارَّتين؛ التي لولاها لما وجدت مصانع الغرب ما تنتجه، وليس من الإنصافِ في شيءٍ أن يكون جزاء المحسن مَزيدًا من الفقرِ والجهلِ والمرضِ.
وتابع فضيلته خلال كلمته بالجلسة الختامية في ملتقى البحرين للحوار، اليوم الخميس، بحضور جلالة ملك البحرين وبابا الفاتيكان أن الشيء ذاتُه يقالُ على الشَّرقِ، فهو في حاجةٍ إلى اقتباسِ علوم الغرب والاستعانة بها في نهضَتِه التِّقنية والمادية، واستيراد المُنتجات الصِّناعيَّة من أسواقِ الغرب؛ كما يجبُ على الشَّرقيِّين أنْ يَنْظُروا إلى الغربِ نظرةً جديدة فيها شيء من التَّواضُع، وكثيرٌ من حُسْنِ الظَّنِّ والشُّعُور بالجارِ القريب، والفَهْم المتسامح لمدنيَّة الغرب وعادات الغربيِّين بحُسبانِها نتاج ظروف وتطوُّرات وتفاعُلات خاصَّة بهم دفعوا ثمنَها غاليًا عبرَ قرونٍ عِدَّة.
وقال شيخ الأزهر إن علماء الإسلام يجب عليهم ألَّا يَمَلُّوا من توضيح "ما في الدِّين الإسلامي من المبادئ السَّامية، والإخاء البشري والتعاون الإنساني وغيرها من المشتركات التي يتصالح عليها الغربيِّون والشَّرقيِّون ويُرحِّبون بها، وأنْ يحرصوا على تعريفِ الغربيِّين للإسلامِ على حقيقتِه"، مضيفًا أنه يجبُ الإشارةِ هنا إلى أنَّ كثيرًا من المسلمينَ هاجروا إلى الغربِ واسْتَوطَنوه، وصاروا جزءًا لا يَتجزَّأ من نسيجِ شُعُوبِه، كما هاجرت أنماطُ الحياة الغربيَّة وصورها إلى الشَّرقيِّين وغَلَبَتْ على تقاليدِهم وعاداتِهم وسلوكياتِهم الحديثة والمعاصرة، وأثَّرَتْ على مساحة لا يُستهانُ بها في رؤاهم وأنظارهم، بل في مناهج تعليمِهم وطرائق تفكيرِهم.
وشدد فضيلة الإمام الأكبر على أن ذلك كله يُمهِّدُ لأنْ تـحلَّ علاقة إنسانيَّة جديدة، تُدرج فيها حضارةٌ هادئة يُحافَظُ فيها على ثقافاتِ الشُّعُوب وخصائصها وتَبايُناتها، بعيدًا عن مَساراتِ الهَيْمَنة الثقافيَّة والحضارات المتصارعة.. وهذا ما يُؤكِّدُه المفَكِّر الفرنسي المعاصر تودوروف تِزْفيتان في كتابِه: «الخوفُ من البَرابرة»، حيث يقول: «إنَّه لا يُمْكِن اعتبار الثقافة الغربيَّة وحدها ذاتَ طابعٍ حضاري، وأنَّها المعيار الذي تتحدَّدُ به ثقافات الآخرين» فأيُّ تدخُّل في ثقافاتِ الآخرين يُعَدُّ إساءة في استخدامِ السُّلْطَة؛ لأنَّه لا يُمْكِن إرساء الحُريَّة والمساواة عبر الإكْرَاه، وإلَّا فلن نختلف عن هؤلاء الذين نَصِفُهُم بأنَّهم برابرة.
وأشار شيخ الأزهر إلى أن وثيقة «الأخوة الإنسانيَّة»، أحْدَثَتْ حِراكًا مَلْمُوسًا -في الشَّرقِ والغرب- وقدَّمَتْ أنمُوذجًا متميـزًا لما ينبغي أن يكون عليه حوار الأديان والحضارات من احترامٍ مُتبادَلٍ وتأثيرٍ فعليٍّ في علاقاتِ الشُّعُوبِ المبنية على التعارُفِ والتعاون والأخوَّة والسَّلام، وسلَّطتْ الضوء على أهمية العلاقة بين الشَّرق والغرب، وكيف أنَّ لكلٍّ منهما أن يستفيدَ من الآخَر.. وأنا واثقٌ بإذنِ الله من أنَّ مسيرةَ الأُخوَّة الإنسانيَّة؛ التي يُعَدُّ هذا الملتقى التاريخي على أرضِ البحرين الطيِّبة أحدَ أهمِّ روافدها وأركانها الدَّاعمة سوف تُسهمُ في تعزيزِ هذا التَّقارُب والتَّعارُف بين الشَّرقِ والغرب.. وكيف لا! وقد مثَّل إعلان مملكة البحرين للتَّعايش السلمي خطوة مهمة لتعزيز المواطَنة وإعلاء قِيَم التَّسامُح والتَّفاهُم بين النَّاس.