الأوقاف : إقبال كبير على مجلس الفقه في ثاني انعقاد له
أقيم مجلس الفقه الثاني لشرح كتاب "الكليات الست" اليوم الأحد ٤ / ١٢ /٢٠٢٢م بمسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) عقب صلاة العصر، بحضور ستة من كبار الفقهاء، وهم : أ.د/ عبد الله مبروك النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأ.د/ محمد إبراهيم الحفناوي أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بطنطا، وأ.د/ عطا السنباطي عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة، وأ.د/ سيف الدين رجب قزامل عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بطنطا الأسبق، وأ.د/ عطية لاشين أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، وأ.د.م/ هاني تمام أستاذ الفقه المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر بالقاهرة، وبحضور الدكتور/ عمرو مصطفى مدير عام الإدارة العامة للتحرير والنشر، والدكتور/خالد صلاح الدين مدير مديرية أوقاف القاهرة، والدكتور/ محمود خليل وكيل مديرية أوقاف القاهرة، ولفيف من السادة الأئمة والواعظات، وجمع غفير من رواد المسجد.
وفي بداية اللقاء رحب أ.د/ عبد الله النجار بالسادة الحضور جميعًا مؤكدًا أن هذه ساعة طيبة مباركة، حيث يجتمع الفقهاء لنتدارس علم الدين وعلوم الشريعة حتى يعرف كل إنسان حقه ويحترم حقوق الآخرين، ونستمع إلى كلام طيب وعلم نافع في ساحة من أشرف الساحات ومسجد من أعظم مساجد مصر والعالم الإسلامي مسجد الإمام الحسين بن الإمام علي الفقيه بن الفقيه (رضي الله عنهما).
مؤكدًا أن الله (تبارك وتعالى) حبا الخطاب الديني في مصر بمعالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، فقد وهبه الله (تبارك وتعالى) حسن الفهم وسرعة الحركة التجديدية، ونجاحًا غير مسبوق في مواجهة المتطرفين الذين يريدون مآرب أخرى، ساعيًا لتقديم الدين بثوب قشيب يواكب العصر ومستجداته، فهذا هو دين الله السمح الذي يجمع البشرية كلها بسماحة واحترام متبادل للحقوق، وما يحدث من برامج تجديدية وتثقيفية قبس من فكر أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، والذي يسعى دائما لتكون مصر رائدة الدعوة الإسلامية في العالم كله، وهي تسير بقوة نحو هذا الطريق بفضل هذه الحركات التجديدية التي تقدمها وزارة الأوقاف لمواكبة التقدم العصري وأحداث الناس وتصرفاتهم التي يعيشونها.
مضيفًا أن مصر رائدة العلم وقد احتضنت علم الشريعة وقدمته للإنسانية كلها، فهي النور الذي يشع للإنسانية كلها، موضحا أن "الكليات الست" تمثل المبادئ الكلية التي تجتمع عندها الأحكام الشرعية، ويقدم منهجًا سمحا وسطيا مستنيرا شديد الدقة والوعي، ويحسب لوزير الأوقاف إدراج الوطن في هذه الكليات، فكل إنسان في حاجة إلى احترام هذه الكليات، وأن حفظ النفس منوط بكون النفس نفسًا بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون، فالإنسان ملك خالص لله (عز وجل) وملك الله لا يعتدى عليه.
مشددًا على أن الإنسان لا يجوز له أن يعمل لوقته ولا لنفسه فقط وإنما عليه أن يعمل للأجيال القادمة قال (صلى الله عليه وسلم): "إنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِن أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بهَا وجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْتَ بهَا، حتَّى ما تَجْعَلُ في فِي امْرَأَتِكَ"، وأن الدين جاء بتشريعات تضمن السلامة في المستقبل؛ لأنه تشريع من حكيم عليم، وأنه لا يجوز للإنسان أن ينصب نفسه حكمًا للتفتيش عن قلوب الخلق.
مضيفا أن معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف كان له الفضل في إقرار الكلية السادسة "حفظ الوطن"، وأثارها وعرضها في مؤتمرات دولية أقرتها وأجمعت على أن تكون الكليات ست.
وعن حفظ العرض أكد أ.د/ عبد الله النجار أن حفظ العرض يراد به صيانة مواطن الشرف في الإنسان، ومنها السمعة الطيبة والتي بفقدها يفقد الإنسان كل شيء في الحياة.
فالإنسان لا يمكن أن يعيش بدون حفظ عرضه، فالعرض كرامة للإنسان، وإنسان بدون كرامة لا قيمة له قال (صلى الله عليه وسلم): "فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا".
موضحا أن الله (تبارك وتعالى) لا يتعجل عقاب الناس، فقد يسر الله (تبارك وتعالى) طريق الحلال وأغلق كل الأبواب أمام الحرام حتى يغلق الباب أمام العقاب قبل الوقوع في ما يستوجبه، وأن مقصود الله من خلق الإنسان هو أن يحفظ الناس أعراضهم.
وفي كلمته أكد أ.د/ محمد إبراهيم الحفناوي أن النفس البشرية تطلق على مجموع الروح والبدن ولا يمكن فصلهما علما أو عملا، وأن النفس البشرية هي التي وكل إليها العبادة قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، فالإسلام أشد محافظة على النفوس، ولم يبح الإساءة إليها أو إهدار دمائها وأمر بتكريمها قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"، داعيا إلى نشر ما دعت إليه المذاهب الفقهية من تيسير وقضاء لمصالح الناس، حيث إن الفقه مليء بالدرر تحتاج إلى من يبحث عنها وينقيها.
وخلال كلمته وجه أ.د/ سيف رجب قزامل الشكر لمعالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على هذا اللقاء الطيب مؤكدًا أن التشريع الإسلامي تشريع كامل يتناول كل أمور الحياة ولا حياة للإنسان ولا للبلاد إلا بالمال، وقد وضع الشرع سياجًا للمعاملات المالية، حيث إن حب المال فطري قال تعالى: "وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا"، وفي التشريع المالي إعجاز تشريعي حيث جعلت الشريعة إدارة المال للعقلاء قال تعالى: "وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا"، كما وضع النبي (صلى الله عليه وسلم) القواعد التفصيلية للتعامل مع المال بالحفاظ عليه وتنميته بما يضمن عدم الجهالة والغرر ويحقق التوازن.
فالدين يدعو إلى العمل واكتساب المال من حلال وأداء حقه وعدم استغلال الآخرين يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "دعوا النَّاسَ يرزقُ اللَّهُ بعضَهم من بعضٍ"، فحفظ المال مقصد هام من مقاصد الشريعة الإسلامية، وقوام الدنيا والآخرة بالمال، وكلما كان اقتصاد الدولة قويا كانت الدولة قوية بين الدول.
وفي كلمته أكد أ.د/ عطية لاشين أن الدين أساس كل شيء وبدونه لا يحفظ عرض ولا يصان مال، وأن الحياة تكون سليمة إذا قامت على دين الله، فالدين يساوي حياة قال تعالى: "أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا".
موضحًا أن من الحفاظ على الدين الحفاظ على القرآن الكريم بإحيائه ونشره في المجتمع، وكذلك الحفاظ على سنة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعدم السماح بالطعن في سنة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وكذلك تقدير أصحاب سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، فالأمة لن تكون لها ريادة وسيادة وقوامة إلا بالحفاظ على الدين.
وفي كلمته أكد أ.د.م/ هاني تمام أن حفظ الوطن والانتماء إليه من مقاصد الأديان، ومن لا خير له في وطنه لا خير له في دينه، فمن أهم مقاصد الدين حفظ الوطن، والوطن التربة التي نزرع فيها الدين والنفس، وقد ساوى القرآن الكريم بين القتل والإخراج من الوطن تقديرًا لقيمة الوطن قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ"، فلا يعرف قيمة الأوطان إلا الشرفاء، وكان سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) يقول "لو قنع الناس بأرزاقهم مثل قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد من الرزق"، وأن من نعم الله علينا أن جعل وطننا أحب البلاد إليه مصر، فمصر هي البلد التي تجلى الله (تبارك وتعالى) على أرضها، ومصر بلد معافاة من الفتن، ومن أرادها بسوء أكبه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
مؤكدًا أن حب الوطن دليل على الإيمان القوي بالله (عز وجل)، لذلك أجمع الفقهاء على أنه لو دخل العدو بلدًا صار الجهاد فرض عين على كل إنسان على قدر استطاعته، وأن أصحاب الأفكار المتطرفة يحدثون فجوة بين الدين والدولة ويؤصلون لفكرة خبيثة أن حب الوطن والدفاع عنه نفاق، مخالفين هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) والذي ما عادى مكة وما تكلم عنها بسوء رغم ما واجهه من أهلها، وحين عاد إليها فاتحًا قال: "اليوم يوم المرحمة"، مضيفا أن حفظ الأوطان من أهم مقاصد الأديان ولا يحارب وطنه ولا يكره وطنه الا إنسان حاقد أو حسود.
وفي كلمته أكد أ.د.م/ عطا السنباطي أن الشريعة الإسلامية وضعت حزمة من الأحكام الفقهية المقصود منها حفظ أمور متعلقة بالإنسان وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض والوطن، وأن حفظ العقل الذي استودعه الله (تبارك وتعالى) للإنسان ليعرف به الحقائق، فالعقل يوازي الحياة ومن اعتدى على العقل اعتدى على الإنسان ويجب في ذلك دية كاملة.