أنباء اليوم
الخميس 7 نوفمبر 2024 08:51 مـ 5 جمادى أول 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

”لعبة تشارلي وحكمها” بقلم - فضيلة الشيخ عبدالمنعم الطاهر

الشيخ عبدالمنعم الطاهر
الشيخ عبدالمنعم الطاهر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا بني بعده، وبعد :

فقد انتشرت وراجت في الأيام الفائتة لعبة خدعية تسمى : تشارلي (Charlie Charlie) وتداولها الشباب والفتيات كثيراً، بل أوردت بعض الصحف أنه استخدم الهاشتاق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية أكثر من ثلاثة ملايين شخص حول العالم ،وقد اطلعت عليها، وكان لي بعض هذه الوقفات السريعة :

الوقفة الأولى: أصل اللعبة تنسب لتشارلي، وهو كما ذكرت مواقع الشبكة والموسوعات أنه شيطان *مكسيكي قديم، أصبح أسطورة عندهم، يتم دعوته واستجلابه ببعض الكلمات باللغة الانجليزية ، حيث يتم استحضار روح تشارلي في عقائد المكسيكيين منذ القدم، ولكنها لم تكن معروفة أو مشهورة عالمياً حتى اجتاحت الانترنت.

الوقفة الثانية: اللعبة عبارة عن: وضع قلمين فوق بعض على شكل (صليب) فوق ورقة مكتوب في جهتين متقابلتين منها (YES) وفي الجهتين الأخريتين (NO) ، ومن ثم يقوم الشخص بمناداة تشارلي* (are u here ) هل أنت هنا ؟ وهكذا تستمر المناداة حتى يتحرك القلم لكلمة ( نعم ) أو (لا) فإن كان موجودا يمكن سؤاله بعد ذلك عن أي شئ تكون إجاباته بنعم أو لا ، وإن أرادوا الانصراف، فيودع بكلمة (goodbye) .

الوقفة الثالثة: يشبّه البعض هذه اللعبة بلعبة (الويجا) الشهيرة، والتي تعتمد على الاتصال بالأرواح الشيطانية وتحضيرهم ومناداة الجن، والاستجابة لهم وتصديق كلامهم وهي لعبة محرمة لا خلاف في ذلك.

ومن خلال ما سبق فإن هذه اللعبة بهذه الكيفية التي تم بيانها باختصار، تعتبر لعبة محرمة بل وسيلة للشرك الأكبر الصريح، لا يجوز ممارستها ولا الترويج لها؛ للاعتبارات التالية :

أولاً: أن هذه اللعبة فيها استجلاب لهؤلاء الجن والاستعانة بهم وسؤالهم عن الغيبيات، والدلالة على الأمور الخفية.

*والاستعانة بالجن وسيلة من وسائل الشرك سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين،؛ لأن الصحابة وسلف الأمة لم يطلبوا ذلك منهم، وهم أولى أن تخدمهم الجن وأن تعينهم، ومع ذلك لم يقوموا بذلك.

قالت اللجنة الدائمة : (الاستعانة بالجن أو الملائكة والاستغاثة بهم لدفع ضر أو جلب نفع أو للتحصن من شر الجن شرك أكبر يخرج عن ملة الإسلام والعياذ بالله - سواء كان ذلك بطريق ندائهم أو كتابة أسمائهم وتعليقها تميمة أو غسلها وشرب الغسول أو نحو ذلك) فتاوى اللجنة 1/134-135

وسئلت اللجنة الدائمة أيضاً فأجابت: (لا يجوز الاستعانة بالجن وغيرهم من المخلوقات في معرفة المغيبات لا بدعائهم والتزلف إليهم ولا بضرب مندل أو غيره ) فتاوى اللجنة:1/345-348

وهذه اللعبة قائمة على الاستعانة بالشياطين ودعائهم واستحضارهم بشكل صريح وواضح .

ثانياً:أن فيها توسل بالموتى ودعاء لهم من دون الله عز وجل، فتشارلي _كما يزعمون _ فهو ميت أو غائب وهذا أيضاً من الشرك الصريح، كيف والمسؤول والمدعو من كفار الجن ومردتهم، فهو من أنواع الشرك الأكبر شرك الدعاء، وهو دعاء الأموات والغائبين في قضاء الحوائج والاستغاثة بهم في الشدائد قال تعالى [وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ] *وقال سبحانه [وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ]

ثالثاً : أن هذه اللعبة يزعمون أنها من باب تحضير الأرواح، وهو نوع من أنواع السحر أو الكهانة، وهي شياطين تتمثل بالموتى، فأرواح الموتى لا يمكن تحضيرها؛ لأنها في قبضة الله سبحانه وتعالى: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) فالأرواح ليست كما يزعمون أنها تذهب وتجيء إلا بتدبير الله عز وجل فتحضير الأرواح باطل، وهو نوع من السحر والكهانة.يقول الشيخ ابن باز رحمه الله(ولا شك أن هذه الأرواح التي يستحضرونها بزعمهم داخلة فيما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها من جنس الأرواح التي تقترن بالكهان والعرافين من أصناف الشياطين، فيكون لها حكمها، فلا يجوز سؤالها ولا استحضارها ولا تصديقها، بل كل ذلك محرم ومنكر بل وباطل)

رابعاً: أن الشباب الذين اعتادو لعب هذه اللعبة تحدث لهم أعراض مستقبلية غريبة وتخيلات وكوابيس *وأمراض نفسية، وهي عقوبة الرهق التي ذكرها الله جزاء من استعان أو استعاذ بالجن قال تعالى [وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا] بل لا ينصرف من اعتاد ممارسة هذه اللعبة إلا بعد توديع هذا الشيطان والاستئذان منه .*

خامساً: أن هذه اللعبة قائمة على وضع قلم فوق قلم على شكل صليب، ويستمر وضعها بهذا الشكل مع المناداة حتى يتحرك القلم ، ولا يخفى على الجميع النهي عن رفع الصليب وتعمد رسمه وإحداثه ، بل ورد الأمر بكسره وإزالته كما في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي r قال"لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد"**

سادساً: يدّعي البعض أيضاً أنها لعبة قائمة على قوانين فيزيائية كالجاذبية وما يسمى بقانون نيوتن الأول، فتتحرك الأقلام لخفتها وعدم ثباتها، والحقيقة أن مثل هذه القوانين يمكن التحقق منها والأخذ بها فيما لو كانت قوانين مجردة لإثبات نظريات فيزيائية، لكن لعبة تشارلي تختلف من ناحية أصل اللعبة، واسم الشخصية المقصودة، والتصريح بندائه واستجلابه وسؤاله، كذلك هي لعبة قائمة على الحظ المطلق وهو من علل تحريم النرد والقمار والميسر، فكل هذه الأمور تجعل الأمر ينتقل من مسألة فيزيائية صرفة إلى مسألة شرعية تحتاج لدراسة* وبيان الحكم، فمهما كان الأمر نظرية فيزيائية أم غير ذلك فما دام يصاحبها ما ذكرنا من مخالفات فهي محرمة.

سابعاً: يدّعي البعض أنها لعبة للتسلية فقط، ولا يخفى على كل مطلع أنها لعبة تحتوي على كثير من المخالفات التي سبق ذكرها من دعاء الأموات والجن والاستعانة بهم، ومتى كانت اللعبة تحتوي على مخالفات شرعية واضحة فهي محرمة، فكيف إذا كانت تحتوي على شركيات وبدع صريحة .

فمما تقدم يتبين حرمة هذه اللعبة، ووجوب تحذير الأبناء من ممارستها أو مشاهدتها أو الترويج لها أو تحفيز الناس عليها، وحرمة مثل هذه اللعبة واضحة لكل مؤمن بالله ذا عقيدة سليمة، حيث يلحظ فيها المخالفات الشرعية الصريحة، والتي تأباها النفوس المؤمنة ذات الفطر السوية .

ولنحذر أبناءنا من مغبة المزاح فيها ومشاهدتها من باب حب الاستطلاع أو تجربة الجديد، أو من باب السخرية والتعليق على الأصدقاء ، فهذه اللعبة ومثيلاتها خطيرة على عقيدة الأبناء وأخلاقهم ..

نسأل الله سبحانه أن يصلح شبابنا وفتياتنا، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين