”الزواج الناجح” بقلم فضيلة الشيخ/ عبد المنعم الطاهر
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ، خَلَقَ فَسوَّى، وقَدَّرَ فَهدَى، وخَلقَ الزَّوجينِ الذَّكرَ والأُنثى، مِن نُطفةٍ إذا تُمنَى، وأَن عَليهِ النَّشأةَ الأُخرى، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، يَقولُ في كِتابِهِ العَزيزِ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُه ورَسولُه، جَاءتْ شَريعتُه بِكلِّ خَيرٍ، وأَقامتْ المُجتمعَ على المَحبةِ والإحسانِ، والتُّقى والإيمانِ، اللهمَّ صَلِّ وَسلمْ عَليهِ وعَلى سَائرِ الأنبياءِ والمُرسلينَ، وارضَ اللهمَّ عن آلِ بَيتِه المؤمنينَ، وصَحابتِه والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ، وسَلمْ تَسليمًا كثيرًا، أَما بَعدُ:
فأُوصي نَفسي وإياكم بِتَقوى اللهِ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).
إنَّ من أهمِ الأسرارِ لحياةٍ زَوجيَّةٍ نَاجحةٍ، هو مَعرفةُ الرَّجلِ لِطَبيعةِ المَرأةِ، وهُناكَ سِرٌّ خَطيرٌ تَملِكُ بِهِ حُبَّها، ومُفتاحٌ عَجيبٌ تَفتحُ بِهِ قَلبَها، مَوجودٌ في قَولِهِ تَعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ)؛ فَهَذا وَصفٌ لِلمرأةِ بأنَّها تَتَربَّى عَلى حُبِّ الزِّينةِ والتَّحليِّ بالذَّهبِ والإكسِسوارِ، وتَصفيفِ الشَّعرِ والمِكياجِ ولِباسِ في اللَّيلِ وفي النَّهارِ، فَهي تَبحثُ عنِ الكَمالِ والجَمالِ، وتَحبُّ مَن يَمدحُ صَاحبةَ الجَمالِ، فإذا كُنتَ تَبحثُ أيُّها الزَّوجُ عنِ الوَصفةِ السِّحريَّةِ المُفيدةِ، فكَلامُكَ الجَميلُ للزَّوجةِ هو مِفتاحُ الحياةِ السَّعيدةِ.
فَكَلامُ الحُبِّ والتَّقديرِ، هو سِرُّ السَّعادةِ الخَطيرُ، والمُشكلةُ اليَومَ أنَّ كَثيراً مِن الزَّوجاتِ يَشتَكينَ مَنَ الجَفافِ العَاطفيِّ، فلا تجدُ في قَاموسِ الزَّوجِ كَلمةً تُعبِّرُ عن حبِه لزوجتِه التي يُحبُّها حُبَّاً شديداً، ولا في ألفاظِه وصفٌ لجمالِها حتى ولو كانَ كاذباً، فإن هذا مما يجوزُ فيه الكذبُ، أما سمِعتَ إلى قولِ شَوقي:
خَدَعُـوهَا بِقَوْلِهِمْ حَسْنَاءُ *** وَالغَـوَانِي يَغُرُّهُنَّ الثَّناءُ
فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي قُلُوبِ العَذَارَى *** فَالعَذَارَى قُلُوبُهُنَّ هَواءُ
أيها الأزواجُ: هذا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبَعَثُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ -رَضِيَ الله عَنْهُ- عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فكأنَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ -رَضِيَ الله عَنْهُ- ظَنَّ أنَّ لهُ المَكانةَ العُليا عندَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟، قَالَ: عَائِشَةُ .. فما ظَنُكم بعائشةَ -رضيَ اللهُ عنها- حينَ يصلُها الخبرُ، وتَعلمُ أَنَّهُ يُعلنُ في غِيابِها وحَتى عندَ غيرِ الأقاربِ، أنَّها أحبُّ الناسِ إليه.
وهَا هِيَ تَحكي لَه حَالَ مَجموعةٍ من النِّساءِ يَصِفنَ أزواجَهنَّ وهو يُنصتُ لها وَقتاً طَويلاً، ثُمَّ يَختارُ أحبَّ زوجٍ إلى زوجتِه، فيَقولُ لها: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأِمِّ زَرْعٍ"؛ فينبغي على الزَّوجِ أن يُجاهدَ نَفسَه عَلى الكلامِ الجَميلِ لزَوجتِه حَتى يرويَ ظَمئَها العَاطفيَّ، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
يقولُ مُستشارٌ أسريٌ، اتصلتْ بي امرأةٌ تشتكي من عَدمِ حُبِّ زوجِها لها، وعَرفتُ من صوتِها أنها من بلادٍ يشتهرُ رجالُها بالكلامِ المعسولِ، وسألتُها عن زوجِها، فأخبرتني أنه من إحدى القبائلِ التي تعيشُ في الباديّةِ، يقولُ: فأخبرتُها أن عادةَ هذه القبائلِ أنهم لا يُعبِّرون عن حُبِّهم بالكلامِ لأنهم لم يألفوه، بل للأسفِ أنَّه قد يكونُ عَيْباً عندَ بعضِهم، وقلتُ لها: اختبري حُبَّه لكِ بما تطلبينَه منه، فإن عطاءَ هذا الزَّوجِ هو الوسيلةُ الوحيدةُ التي يُعبُّرُ فيها عن حبِّه، يَقولُ: فاتَّصَلتْ بي بعد مُدةٍ وهي تقولُ: لم أكن أتوقعُ أنَه يُحبُّني هذا الحبَّ، واللهِ لو طلبتُ منه الدُّنيا لغلَّفَها بغلافِ الهدايا وأهداها لي.
فيا أيُها الأزواجُ: إن كانَ هذه الزوجةُ وفَّقها اللهُ -تعالى- بمن يُرشدُها، فغيرُها كثيرٌ من الزوجاتِ لا تجدْ، وقد يكونُ هذا باباً عظيماً إلى الطلاقِ، فاملِكْ قَلبَ زَوجَتِكَ بالكلامِ الجَميلِ، فإنَّها إن حَبَّتْ ضَحَّتْ، وصَبَرتْ، وتَنازَلتْ.
ومِن الأمورِ التي يَنبغي مَعرِفَتُها لزواجٍ نَاجحٍ، أنَّه لا يُوجدُ بيتٌ دونَ مَشاكلٍ، حَتى بيتِ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسلمَ-؛ فالزَّوجُ قَد يَتَأثرُ بِضغوطِ الحَياةِ في خَارجِ المَنزلِ، فَينعَكسُ ذلكَ أحياناً على نَفسيَّتِه دَاخلِ البيتِ، والمَرأةُ تَضطربُ عِندَها العَواطفُ كلَّ شَهرٍ فِيما كَتبَه اللهُ عَلى بناتِ آدمَ، فَكيفَ العِلاجُ؟.
إن استَطَعتْ أن تَعملَ بِوَصيةِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ-: فلَا تَغْضَبْ، فَإِنَّ الْغَضَبَ يَجْمَعُ الشَّرَّ كُلَّهُ، وإن لَم تَستَطِعْ فَعَليكَ وَقتَ الغَضَبِ بالسُّكوتِ، وإيَّاكَ أن تَتَخذَ قَراراً فَتَندَمَ بَعدَ الفَوتِ، يَقولُ رَجلٌ لزَوجتِهِ:
خُذِي العَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي *** ولَا تَنْطِقِي فِي سَوْرَتي حِينَ أغضبُ
اسمعْ معي لهذا الموقفِ، بعثتْ أمُ سلمةَ -رَضيَ اللهُ عنها- بطعامٍ في صَحْفةٍ إلى رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وعندَه ضيوفٌ في بيتِ عائشةَ -رضيَ اللهُ عنها-، فجاءتْ عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- بحَجرٍ ففلقتِ به الصَّحْفةَ –أي كسرتْها-، فجمعَ النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- بين فِلْقَتَيِ الصَّحْفةِ وقالَ للضيوفِ: "كُلوا غارتْ أُمُّكم، كُلوا غارتْ أُمُّكم"، ثم أخذَ صَحْفةَ عائشةَ فبعثَ بها إلى أمِ سلمةَ، وأعطى صَحْفةَ أمِ سلمةَ المكسورةَ لعائشةَ.
وهَكَذا يَكونُ الزَّواجُ النَّاجحُ، ويُبنى البَيتُ الصَّالحُ، وتُستَبدلُ المَشاكلُ بالوِفاقِ، وتَنخَفِضُ مُعدلَّاتُ الطَّلاقِ، (رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً).