أنباء اليوم
الخميس 7 نوفمبر 2024 09:07 مـ 5 جمادى أول 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

وزير الأوقاف : الثقافة للأمم المتحضرة كالماء والهواء

أخذتُ اليوم جولة كبيرة في معرض الكتاب استمرّت نحو ساعتين رأيت فيها الإقبال الكبير على المعرض بحب وكان لجناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بصالة رقم ٤ ،، B٤٦ نصيب كبير من هذا الإقبال الواسع ، حيث تجاوزت مبيعاته اليوم أربعين ألف جنيه رغم التخفيضات الكبيرة جدا على إصدارته والتي تكاد تكون بالتكلفة فحسب .
ولا شك أن معرض الكتاب السنوي يعد عرسا وملتقى ثقافيا بامتياز ، حيث الكتب والكُتّاب ، والمفكرون والمثقفون ، ودور النشر الوطنية والعالمية ، والندوات والمتلقيات الفكرية ، و من تفوته زيارة المعرض في أي عام يفوته قسط ثقافي كبير ، إذ يحرص المثقف دائما على الوقوف على أحدث ما نشر في مجال اهتمامه ، وهو ما لا غنى عنه لباحث جاد ، فضلا عن مثقف واع ، فحيث يتوقف الإنسان عن تطوير ذاته يسبقه الزمن ويسبقه الآخرون ، فالزمن لا ينتظر أحدا .
الثقافة لنا كالماء والهواء، لا قدرة لنا على العيش أو مواجهة تحديات الحياة بدونها ، و الثقافةالرشيدة من أهم مفاتيح الفكر الرشيد والتفكير السديد، وهي كما عرَّفها إدوارد تايلور 1871م: ذلك الكلّ المركَّب الذي يشمل المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات، وكل المقومات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوًا في المجتمع، فهي تشمل مجموع النشاط الفكري والفني بمعنيهما الواسع، وما يتصل بهما من المهارات وما يعين عليهما من الوسائل، وكلما اتسعت المدارك الثقافية للإنسان أهَّلته للحكم الدقيق على الأشياء، إذ يقرر علماء النفس أن المعلومات الوافدة على الذهن تفسَّر في ضوء المخزون فيه، فكلما كان المخزون الثقافي كبيرًا سهل على العقل فهم واستيعاب وتفسير الوافد الفكري ورؤيته بمقياس أدق، ومن ثمَّ فإن النشاط الذهني الثقافي يوسع المدارك ويعين على الفهم الصحيح للأشياء وحسن التقدير للأمور.
ولعل من أيسر التعاريف لمفهوم الثقافة والمثقف هو أنه من يعرف كل شيء عن شيء وشيئًا عن كل شيء، وقد يتسع أو يضيق هذا الشيء على قدر قربه من التخصص الدقيق للإنسان ومدى الحاجة إليه في خدمة المجتمع والحياة العامة، مع تأكيدنا أن الثقافة ليست أمرًا هامشيًّا أو ثانويًّا في حياة الأمم والشعوب، إنما هي مكون رئيس في حياتها، وأن الثقافة التي ننشدها ونعض عليها بالنواجذ هي ثقافة النور في مواجهة ثقافة الظلام، هي الثقافة التي تبني ولا تهدم، وتعمر ولا تخرب، وهي أحد أهم عوامل مواجهة التحديات، وفك شفراتها، والتعامل بمنهجية معها، بل إن كثيرًا من المشكلات التي تعاني منها كثير من المجتمعات ترجع في بعض جوانبها إلى ضيق الأفق الثقافي، أو ضعفه, أو محدوديته، أو انغلاقه، أو حتى انسداد شرايينه؛ فالثقافة قضية حياة.
وإذا كانت الثقافة أمرًا تراكميًّا، وكلما كانت المعلومات المتراكمة عبر الزمن أكثر كانت الثقافة أغزر وأعمق؛ فإن الثقافة الإسلامية تتميز بأنها تجمع بين التأصيل الشرعي والوعي الواقعي بتاريخ الأمة وحاضرها ومستقبلها، وما يواجهها من تحديات وما يتاح لها من فرص، وعرض ذلك كله بما يتسق وروح العصر، حيث عرَّفها بعض المفكرين والكتاب بأنها: معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة بتفاعلاتها في الماضي والحاضر.
والثقافة الإسلامية بوصفها مجموعة المعارف والمعلومات النظرية والخبرات العملية والتطبيقية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرَّفة، هي الهوية الراسخة لتكوين الشخصية الإسلامية المتميزة في معارفها، المطَّلعة على ثقافة عصرها المتبنِّية لقضاياه، وهي التي يكتسبها الإنسان ويحدد في ضوئها طريقة تفكيره ومنهج سلوكه في الحياة.
ولا شك أن خطابًا ثقافيًّا وسطيًّا سمحًا رشيدًا منضبطًا يسهم وبقوة في قضايا البناء والتعمير وتحقيق الأمن المجتمعي والأمن النفسي، كما يسهم في تحسين مناخ العلاقات الإنسانية في المجتمع، وتحقيق وسائل الاندماج وقبول الآخر وفقه العيش المشترك بين أبنائه، وهو مطلب ديني ووطني وإنساني.
ومن منطلق مسئوليتنا الشرعية في نشر صحيح الثقافة الإسلامية، ثقافة التسامح والسلام، وبيان أوجه الكمال والأدب والجمال فيها، وتأصيل فقه العيش المشترك، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ومواجهة التحديات الفكرية نقدم من خلال التعاون مع وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب "موسوعة رؤية" تلك الموسوعة العصرية التجديدية في الثقافة الإسلامية؛ لتلقي الضوء على بعض الجوانب الرئيسة فيها، بدءًا من ثوابت الإيمان، وأوجه الكمال والجمال في القرآن الكريم، والأدب مع سيدنا رسول الله ﷺ، مرورًا ببيان المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، وفلسفة الحرب والسلم والحكم في الإسلام، ومسئولية الكلمة وأمانتها، مع مقالات في بيان أهمية التجديد وحتميته في ضوء مستجدات الواقع والفهم الصحيح له في إطار الحفاظ على الثوابت الشرعية، وإلقاء الضوء على فن الخطابة عبر العصور الإسلامية بوصفه من الوسائل الرئيسة التي لا غنى عنها في نشر الثقافة الإسلامية، ثم الحديث عن دلالات ومعاني وبركة أسماء الله الحسنى، والحديث عن فلسفة الحياة والموت، وبيان أن الموت للمؤمن ليس عقدة وليس عائقًا؛ لأن المؤمن يُدرك أنه سيجني ثمرة عمله إما في الدنيا وإما في الآخرة وإما فيهما معًا، فالموت عند المؤمن انتقال لا انتهاء، وختامًا يأتي الحديث عن فن المقدمات والخواتيم الذي لا غنى عنه لباحث أو كاتب.
د محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف