أنباء اليوم
السبت 21 ديسمبر 2024 06:38 مـ 20 جمادى آخر 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

مفتي الجمهورية : المسلمون برعوا في علم الفلك ومع ذلك لم يستغنوا عن الرؤية الشرعية للأهلَّة

قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن المتتبع لتاريخ المسلمين يجد أن المسلمين قد برعوا في علم الفلك ومع ذلك لم يستغنوا عن الرؤية الشرعية للأهلَّة على مدار العصور ليقينهم بالأهمية الشرعية للأهلة، فالأهلة الشرعية يترتب عليها أحكام الحج والعمرة وعِدد النساء وغيرها من الأحكام.

جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته: لا تعارض مطلقًا بين علم الفلك وبين الشرع المتمثل في الرؤية الشرعية فالعلمان متكاملان وليسا متعارضين، ولا عجب في ذلك فنحن أمة اقرأ المأمورة بالأخذ بأسباب العلم المادي الدنيوي المفيد للبشرية بمختلف تخصصاته، والمأمورة بالصيام والفطر لرؤيته.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن الحساب الفلكي القطعي لا يمكن أن يعارض الرؤية الصحيحة، فلكل منهما مجاله حيث يهتم الحساب الفلكي بولادة الهلال ومكثه في الأفق بعد غروب الشمس، وكذلك الرؤية تستأنس بالحساب الفلكي في الرد على الشاهد الذي يزعم رؤيته وهو لم يولد أصلًا بمعنى أن الحساب ينفي ولا يثبت.

وأوضح فضيلته أن الرؤية تكون عن طريق اللجان الشرعية العلمية التي تضم شرعيين وتضم مختصين بالفلك والمساحة، وعددها ست لجان، مبثوثة في أنحاء جمهورية مصر العربية في طولها وعرضها، في أماكن مختارة من هيئة المساحة المصريَّة ومن معهد الأرصاد بخبرائه وعلمائه وبتعاون كامل من السادة المحافظين لهذه الأماكن التي تتوافر فيها شروط تيسر رصد الهلال.

أمَّا عن إثارة بعض الناس للجدل بخصوص توحيد الرؤية أو اختلاف المطالع بين الدول الإسلامية فقد حسم فضيلته الجدل قائلًا: الفقه الإسلامي واسع وفيه سَعة فلا داعي للنزاع، والأفضل تقيُّد المسلم والتزامه برؤية بلده؛ تجنُّبًا للبلبلة والنزاع.

وردًّا على سؤال عن ماذا بعد رمضان من طاعات وهل ينبغي الاستمرار في كل طاعات رمضان، قال فضيلة المفتي: إن بمقدور المسلم أن يفعل في غير رمضان ما فعل فيه من الخير والعبادة كذلك، كما أمسك المسلم في رمضان عن المفطرات، واجتنب كل ما يفسد الصوم من الأقوال والأفعال، وابتعد عن الوقوع في مواطن الإثم، وراقب الله تعالى في السر والعلانية، فخرج من مدرسة الصيام طيِّبَ النفس، حسنَ الخُلُق، ومِن ثَمَّ يمكنه أن يمسك ويجتنب ويبتعد في غير رمضان ما أمكنه فيه، وكذلك استوى عنده السر والعلن في رمضان، فيمكنه الثبات على ذلك بعده؛ بدليل حصوله في رمضان، ولا يخفى أن ترسيخ هذه المعاني يحقِّقُ صلاح الأمة والمجتمع، وهي من مقاصد عبادة الصوم التي تقوم بغرس هذه الأخلاق النبيلة في أفراد الأمة فردًا فردًا.

وأضاف المفتي: وينبغي للمسلم أن يتَّخذَ من هذه المناسباتِ المباركة، والمواسم الكريمة منطلقًا لقوَّة يقينه، ورسوخ إيمانه، والمداومة على التَّزكية لنفسه، وتهذيب حاجاته، وضبط رغباته وشهواته، وإعلاء شأن الأخلاق والقيم؛ لأنَّ ذلك كما هو مطلوبٌ في شهر رمضان مطلوبٌ أيضًا في غيره من الشهور، وعلى مَرِّ الأوقاتِ عبرَ العُمُر، حتى يتحقَّقَ المقصد الأعلى بتقوى ومراقبة الله تعالى، وهجر ما نهى الله عنه، فضلًا عن أن الأعمال الصالحات مطلوبة على الدوام ولن ينتهي ثوابها بعد انقضاء رمضان، فالجزاء على غالب الحسنات مضاعف بعشرة أضعاف؛ كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 160].

كما أشار فضيلته إلى أن انقطاع الهمة في مراعاة محاسن القيم ومكارم الأخلاق، هو أمر ليس غريبًا على طبيعة الإنسان وأحواله؛ لأنها لا تسير على نمط واحد؛ فتارة يكون الإنسان في همة ونشاط، وتارة أخرى يكون في ركود وتكاسل؛ ولهذا فمن منن الله تعالى أنه وَالَى بين مواسم البركة والخير؛ فهي متعاقبة ومتكررة مع اختصاص كلٍّ منها بفضل خاص ومزية، فبعد رمضان يأتي شهر شوال وفيه يستحب للمسلم أن يصوم ستة أيام منه، ثم يأتي بعده موسم الحج وهو موسم مبارك تنشر فيه الرحمة والمغفرة على الحجاج وأهل الموقف، ثم تتوالى مواسم الطاعة التي لا تنقطع أبدًا.

وردًّا على سؤال يقول: هل هناك دعاء مخصوص لختم رمضان؟ قال: لا توجد صيغة معينة، والدعاء أفضله ما جاء بالقرآن والسنة، ولكن إذا تعذر ذلك فيمكن للمرء الدعاء بما شاء أو بما يحفظ ما لم يكن في دعائه مخالفة شرعية، فيمكن للإنسان الدعاء لنفسه ولأهله وجيرانه، ولكن ينبغي للإنسان أن يوقن بإجابة الله عز وجل لدعوته لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن اللهَ لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ»، ومعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وأنتم موقنون بالإجابة»؛ أي: وأنتم على يقين بأن الله لا يردكم خائبين؛ لكرمه الواسع، وعلمه المحيط، وقدرته التامة، وذلك يتحقق بصدق رجاء الداعي وخلوص نيَّته.

واختتم فضيلته حواره بدعوة وتذكير المسلمين بإخراج زكاة الفطر لمن لم يُخْرِجْها وذلك حتى قبل موعد صلاة العيد.