أنباء اليوم
الأحد 22 ديسمبر 2024 09:28 صـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

السيدة زينب شمس الساطعة وشقة القمر الزاهرة بين المصريين

السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، من السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنهم وعن آل بيت النبي الأطهار المطهرين أجمعين، مكانة عظيمة عند المسلمين جميعا، وعند المصريين خاصة، لا يعرف حبها الذي أحب جدها النبي صلى الله عليه وسلم ، وزارها في مسجدها، الذي تم افتتاحه بعد تجديده في يوم الجمعة 29 مارس 2024، وشعر بالروحانيات تسري في نفسه وتدب في قلبه وتتلاعب بمشاعره بين الرجاء والخشية، والحب والإيمان واللهفة والتعلق والأمل، تلك العظيمة التي دعت بدعوة للمصريين ما زالت بركتها تعم مصر عندما قالت عند تشريفها مصر :" يا أهل مصر: نصرتمونا نصركم الله وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، جعل الله لكم من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ". وقد كانت بفضل الله "أم العزائم" لصبرها وعزيمتها وقوة إيمانها خاصة يوم كربلاء الذي قُتل لها في يوم واحد شقيقها الإمام الحسين، وستة من إخوتها لأبيها منهم : العباسى وجعفر وعبد الله وعثمان ومحمد وأبوبكر، وثلاثة من أبناء شقيقها الحسين، ولم يبق سوى ابن شقيقها الصبي "على زين العابدين بن الحسين" الذي أنقذه مرضه من الموت، أولا وأنقذته عمته السيدة زينب رضي الله عنها من القتل على يد ابن زياد بعد ذلك. وكانت هي " أم هاشم " من الجود والكرم على جميع الناس والفقراء خاصة الذين كانت تعطف عليهم بالمدينة المنورة وفي مصر، وخاصة الضعفاء والمرضى والعجزة فلقبت ب" أم العواجز "، وكانت هي " الطاهرة " المطهرة ، وكانت هي " صاحبة الشورى " لرجوع الأئمة الكبار وشقيقيها الحسن والحسين – وهما ليسا توأمين بل الحسن أكبر من الحسين بعام واحد – لها في الرأي والمشورة، وفي مصر كان الوالي يعقد مجلس الحكم والنظر في شؤون الرعية كثيرا في بيتها فكانت " رئيسة الديوان" .

وقد أسماها جدها الرسول باسم ابنته زينب التي كانت قد توفيت قبل ذلك بقليل، وكان يحب حفيدته حبا جما فاقتبست منه الجليل والعظيم من الفضائل والصفات، وكانت لأخويها الحسن والحسين أمًّا ، وتزوجت من ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبى طالب لا لتنتقل إلى بيت زوجها ولكن لتبقى في بيت أبيها بالمدينة المنورة وتنتقل معه إلى الكوفة، حيث ولى أمر المسلمين، ليعيشا في مقر الخلافة في رعاية الأب أمير المؤمنين.. وتنجب " زينب" لابن عمها ذرية عمها ذرية صالحة، لم يبق منهم غير اثنين: علي وأم كلثوم، ونراها صوامة قوامة قانتة متهجدة خاشعة، وصحبت أباها الإمام، فنهلت من علمه الكثير، وكانت مضرب الأمثال في الزهد على الرغم من غنى زوجها وثرائه، فضلا عما كانت تتصف به من الصبر على المكاره..

وإذا كانت كربلاء كربًا وبلاءً على المسلمين عامة، فقد كانت أشد كربًا وأقسى بلاءً على السيدة زينب خاصة، وفيما كانت تلقى نظرة أخيرة على الأشلاء المقطعة لشقيقها الإمام الحسين الذي مزقته سيوف الحاقدين وهي تراه جثة بلا رأس مقطع إرباً إرباً، فالكل كان يتصور أنها سوف تموت أو تنهار وتبكي وتصرخ أو يغمى عليها، لكن ما حدث هز أعماق الناظرين، فأمام تلك الجموع الشاخصة بأبصارها إليها جعلت تطيل النظر إليه فوضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع وترفعه نحو السماء وهي تدعو بمرارة قائلة "اللهم تقبل منا هذا القربان ". وأخذ قائد الجيش أهل الحسين رضوان الله عليهم إلى ابن زياد، فلما دخلت عليه السيدة زينب ومعها أهل بيت أخيها نظر إليها، فإذا هي قوية صامدة صابرة فيسأل في استنكار من هذه ؟ فلا تجيبه، فلما كرر سؤاله ثلاث مرات ردت عنها إحدى خادماتها قائلة هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن زياد : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم . فردت عليه غاضبة : بل الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه وطهرنا من الرجس تطهيرا، وإنما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن زياد. فيعود يسألها : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ . فتجيبه الطاهرة الصامدة : كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينهم وبينك فتختصمون عنده يوم القيامة.

ولما لم يستطع ابن زياد إكمال الحديث معها لما وجد فيها من قوة وصلابة وعزة وشموخ، أدار الحديث مع أحد أبناء الحسين رضي الله عنهم وكان غلاما صغيرا هو علي ابن الحسين الأصغر (علي زين العابدين ) فسأله ابن زياد : من أنت ؟ فأجابه سليل بيت النبوة : علي بن الحسين . فقال ابن زياد : " ألم يقتل الله علي بن الحسين ". فأجابه في قوة : كان لي أخ أكبر مني يسمى "عليا "قتله رجالك .. فرد عليه في وقاحة بل قتله الله .. فأجابه الغلام بفصاحة أهل النبوة يقول الله سبحانه وتعالى : " الله يتوفى الأنفس حين موتها" "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ". فتضايق ابن زياد من إجابة الغلام ونادى جلاديه وطلب أن يضربوا عنقه، وهنا تجلى الموقف البطولي لعمته السيدة زينب رضي الله عنها إذ اعترضت طريق الجلاد القاتل وضمت ابن أخيها بين ذراعيها وصاحت يابن زياد إذن فاقتلني معه . فقال ابن زياد متعجبا ( ما للرحم أني أظنها ودت أني قتلتها معه. دعوه لما به). فتمكنت من حماية نسل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بحماية علي زين العابدين بن الحسين من القتل، كما تمكنت في مجلس يزيد بن معاوية من حماية عفة وشرف آل الحسين رضي الله عنهم، فعندما دخل آل البيت على يزيد وهو في جمع من الناس نظر أحد أهل الشام إلى السيدة فاطمة بنت الحسين وكانت جارية وضيئة، فقال ليزيد : " هب لي هذه " فأرعدت الجارية وأمسكت بثياب عمتها .. فوقفت موقفا قويا كما وقفت مع أخيها وصرخت كذبت ولؤمت ... ما ذلك لك ولا له. فتغيظ يزيد وقال : كذبت إن ذلك لي- ولو شئت لفعلت.

قالت : كلا والله ... ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا ..فاشتد غيظه وصاح بها : إياي تستقبلين بهذا ؟ .. إنما خرج من الدين أبوك وأخوك. قالت : بدين أبي وأخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك ..فلم يجد جوابا إلا أن قال : بل كذبت يا عدوة الله. فقالت رضوان الله عليها : إنك أمير مسلط .. تشتم ظالما ... وتقهر بسلطانك .. أظننت يا يزيد أن بنا هوانا على الله، وأن بك عليه كرامة فشمخت بأنفك حين رأيت الدنيا مستوثقة لك ؟ ألا إن الله إن أمهلك فلانا يقول : " ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما، ولهم عذاب مهين"، لنردن على الله غدا يا يزيد وأنت تود لو كنت أبكم أعمى، ولتجدننا عليك معزما حين لا تجد إلا ما قدمت يداك تستصرخ بابن مرجانه ويستصرخ بك .. ولتعلمن يوم يحكم الله بيننا أينا شر مكانا وأضعف جندا .

هذا الموقف القوي من السيدة زينب رضي الله عنها اخرس يزيدا وألجمه فحول الحديث عنها ورأى علي بن الحسين مغلولا، فأمر بفك غله، وقال له أيه يا ابن الحسين .. أبوك قطع رحمي، وجهل حقي، ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما رأيت قال علي : « ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور" .. فتلا يزيد الآية " وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم"، ثم زوى وجهه وترك خطابه. هكذا كان اللقاء في قصر الخلافة بين آل البيت ومغتصب الخلافة حتى الصغير من آل النبوة ألجم يزيد حجرا فلم يستطع مجاراة الحديث معه أو مع عمته فتركهم يدخلون إلى بيته، فقابلتهم نساؤه مقابلة حسنة، وواسين السيدة زينب والسيدة فاطمة رضي الله عنهما ومن معهما، وجعلن يسألن عما سلبنه بكربلاء فيردون إليهن مثله وزيادة عليه.

ولما عادت رضي الله عنها إلى المدينة التف الناس حولها، فخاف حاكمها عمر بن سعيد وكتب إلى يزيد يقول أن وجود السيدة زينب رضي الله عنها بالمدينة مثير للعواطف مهيج للخواطر؛ لأنها فصيحة لبيبة إذا تكلمت ملكت على الناس أسماعهم، وإذا خطبت سحرت عقولهم وألبابهم وربما طالبت بدم الحسين فيقع ما لا تحمد عقباه ولا يعلم مداه إلا الله. فلما وصل كتاب الوالي إلا يزيد طلب منه أن يخيرها في الإقامة بأي بلد إلا المدينة، فاختارت رضوان الله عليها مصر لما سمعته عن أهلها من حبهم لآل البيت، وتعلقهم الشديد بهم وحضر معها من آل بيت النبوة السيدتان فاطمة وسكينة ابنتا الإمام الحسين رضوان الله على الجميع.

ولما سمع والي مصر بمقدمها خف للقائها في جمع من العلماء والأعيان والوجهاء فقابلها الوفد عند بلدة العباسية بالشرقية حيث وصل ركبها المبارك الميمون يحيطه الإكبار والإجلال والبركة، وقوبلت رضي الله عنها بمصر أحسن استقبال وأنزلها الوالي مسلمة بن مخلد في داره. ونقل الإمام الطبرى من رآها ووصفها فقال رواية عنه : "وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس طالعة.. فسألت عنها، فقالوا : هذه زينب بنت على ". ويصفها عبد الله بن أيوب الأنصارى، وقد رآها عقب وصولها إلى مصر، بعد مصرع الحسين، فقال: "فوالله ما رأيت مثلها وجهًا كأنه شقة قمر". ولقد كان وصولها رضوان الله عليها إلى مصر في أول شعبان سنة إحدى وستين من الهجرة. وأقامت رضي الله عنها بمنزل الوالي لمدة سنة كانت لا ترى خلالها إلا متعبدة متبتلة، تم وافتها المنية في الرابع عشر من شهر رجب سنة اثنين وستين من الهجرة حيث انتقلت إلى جوار ربها راضية مرضية ودفنت إلى حيث كانت تقيم .. وهو المكان الموجود في ضريحها الطاهر الآن.