حول السرقات الأدبية.. بقلم - زين المعبدي
لقد ربط النقد العربي بين قضية السرقات الأدبية وقضية اللفظ والمعنى التي آثارها الإمام أبو عمرو الجاحظ، ولقد وضعوا تقسيمات للمعاني فجعلوا منها المشترك الذي لا سرقة فيه ومنها الخاص الذي يُنسب لصاحبه دون منازع ومنها خاص الخاص الذي ذاع وانتشر بين الناس فاصبح في حكم العام.
وبما أن النقاد وضعوا تقسيمات للمعاني فقد وضعوا تقسيمات للألفاظ فمنها ما هو متداول وشائع ومنها من أقوال البعض فنقول هذا قول فلان،
وبما أن الجاحظ أشار بأن المعاني ملكية عامة لكل الناس فهي مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي والبدوي والقروي وأنها قائمة ومتصورة ومتخيلة في اذهاننا نحن القراء والشعراء بل وكل البشر فالسبيل هنا سيكون في التمايز والقدرة على صياغة المعاني في ألفاظ متميزة سهلة المخرج جيدة السبك تدل على المعنى المراد حيث يقول الجاحظ في هذه الجزئية التي شغلت الكثير من الأدباء والمفكرين:
"" ولا يعلم في الأرض شاعر تقدم في تشبيه مصيب تام ،وفي معنى غريب عجيب أو في معنى شريف كريم أو في بديع مخترع إلا وكل من جاء من الشعراء من بعده أو معه إن هو لم يعد على لفظه فيسرق بعضه أو يدعيه بأسره فإنه لا يدع أن يستعين بالمعنى ويجعل نفسه شريكاً فيه كالمعنى الذي تتنازعه الشعراء فتختلف ألفاظها وأعاريض أشعارها، ولا يكون أحد منهم أحق بذلك المعنى من صاحبه أو لعِلة أن يجحد أنه سمع بذلك المعنى قط!
وقال إنه خطر على بالي من غير سماع كما خطر على بال الأول ...
هذا إذا قارعوه به""
فالجاحظ هنا ربط السرقة بالألفاظ بينما جعل المعاني في لفظ مشترك لأنها وبكل بساطة كما قال هو
إنها مطروحة في الطريق للقاصي والداني ثم يأتي بعد ذلك الامام عبد القاهر الجرجاني متوسعاً في تلك القضية مفسراً إياها حيث يقول:
"" لم أرد بقولي: أن الحذق في إيجاد الائتلاف بين المختلفات في الأجناس أنك تقدر أن تحدث هناك مشابهة ليس لها أصل في العقل وإنما المعنى أن هناك مشابهات خفية يدق المسلك إليها فإذا تغلغل فكرك فادركتها فقد استحققت الفضل ولذلك يشبه المدقق في المعاني كالغائص في الدرر..
فلا يمكن أن تأتلف الألفاظ لتعطي صورة ليس لها أصل في العقل أو معنى سابق في الذهن ودور الشاعر هو الإكتشاف واستخراج الموجود المكنون فإذا كَدَ واجتهد وأخرج المعاني قيل له إنما استحققت الأجرة على الغوص وإخراج الدرر ،لا لأن الدرر كان بك واكتسى شرفه من جهتك!
ولكن لما كان الوصول إليه صعباً وطلبهُ عسيراً ثم رزقت ذلك، فوجب أن تجزل لك ويجبر صنيعك""
وفي خطوب هذا الطرح نجد العلة هو الضرب من التصوير الذي يتم به المعنى وليس خلق المعنى فالمعنى موجود أصلاً في الصدور ...
والخلاصة يربط الجاحظ في مقاولتهِ الأولى أن السرقة لا تكون إلا في الألفاظ وحتى الألفاظ لا تعتبر سرقة إذا جاءت في صورتها المفردة بل تتم عملية السرقة إذا جاءت في التركيب والائتلاف والأداء المعنوي في صياغتها، كذلك الجرجاني حين قال أن الشعر ضرب من التصوير يؤكد كلام الجاحظ كما سبق وأن اشرنا في مقولته.
وهاك ابن طباطبا الذي أحس بمحنة الشعراء في جلب معاني جديدة فحسم القضية في قوله:
إذا تناول الشاعر المعاني التي قد سبق إليها فابرزها في أحسن من الكسوة التي عليها لم يعد سارقاً بل وجب له فضل لطفه واحسانه فيه فالشاعر ياخذ المعاني التي سُبق إليها ويبرزها في كسوة أخرى من الألفاظ الجديدة ولا عيب عليه في ذلك لأن هذا يعتبر مشاركة في معاني الأولين أما أن تاخذ المعنى بالكسوة فهذا يعد سرقة لذلك حذر ابن طباطبا قائلا
''يحتاج من سلك هذا السبيل إلطاف الحيلة وتدقيق النظر في تناوله المعاني المستعارة وتلبيسها حتى تخفى على نُقادها، والبصراء بها، وينفرد بشهرتها كأنه غير مسبوق لها .
فمن الممكن أنت كشاعر أن تأخذ المعنى الغزلي فتجعله مدح أو تاخذ المدح وتلبسه لباس الهجاء أو تاخذ النثر فتكسوه ألفاظ وتراكيب الشعر وهكذا فالمعنى لا سرقة فيه ويقبل اختلاف الصور لذلك يجب عدم تكرار المعنى بنفس الصورة التي سبق إليها غيرنا..
°°° زين المعبدي°°°°
المراجع
اسرار البلاغة/ عبد القاهر الجرجاني
عيار الشعر / ابن طباطبا
الجاحظ/ الحيوان ج ٣