أبـو الغيـط: الذكاء الإصطناعي ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل هو ثورة في طريقة التفكير والعمل
القى السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لدائرة الحوار العربية حول:
"الذكاء الاصطناعي في العالم العربي: تطبيقات مبتكرة وتحديات أخلاقية"، حيث أكد إنّ الذكاء الإصطناعي ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل هو ثورة في طريقة التفكير والعمل... وهي منصة لإنتاج التكنولوجيا والأفكار الجديدة في كافة المجالات... ويجب استخدامها بِحكمة ومسؤولية في جميع النواحي التي أصبحت تتأثر بالذكاء الاصطناعي بما في ذلك مجال الدبلوماسية... والتي كُرس لها حيز في برنامج العمل ضمن دائرة الحوار الثانية، بعنوان: "الذكاء الاصطناعي في خدمة الدبلوماسية وحفظ السلام: آفاق التعاون الدولي ودوره في منع النزاعات"، دعونا نتخيل معاً عالماً دبلوماسياً تُدار فيه المهام الروتينية بكفاءة عالية ومبتكرة... ويتفرغ فيه الدبلوماسيون للتركيز على القضايا الإستراتيجية، ويُعزز فيه التواصل بين مختلف الثقافات، ويتم فيه اتخاذ القرارات بدقة وسرعة فائقة، عالماً يمكن فيه استباق الأزمات واستكشاف بؤر التوتر المحتملة قبل انفجارها.. وتقديم حلول وبرامج للتسويات المطلوبة.. هذا هو العالم الذي يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساهم في بنائه
وقال انه سعيد بالمشاركة في دائرة الحوار العربية حول: "الذكاء الاصطناعي في العالم العربي: تطبيقات مبتكرة وتحديات أخلاقية" في بيت العرب، والتي يأتي عقدها تأسيساً على قرار الدورة العادية الأخيرة السادسة والخمسين للجنة التنسيق العليا للعمل العربي المشترك. ولا يفوتني الإعراب عن الشكر والتقدير للأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، للتنظيم المتميز لهذه الدائرة المهمة... التي بات موضوعها "الذكاء الاصطناعي" اليوم من أكثر المجالات حيوية، وذلك لتطوره بوتيرة متسارعة، وبعدما أصبح جزءاً من حياتنا اليومية، ويحقق ثورة في مجالات العمل والتواصل، والدراسة، وكافة مناحي الحياة.
وتابع خلال كلمته أن عدداً كبيراً من الدول العربية تسعى وبقوة لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الذكاء الاصطناعي ومواكبة تطورات ومتطلبات العصر الحديث في هذا المجال المهم.. وأيضاً استغلال الطاقات والفرص الكامنة لديها... وهو ما وضح خلال الفترات الأخيرة... حيث أطلقت العديد من الدول العربية مبادرات لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من القطاعات الحيوية.
والجميع يتابع التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة على صعيد ما يُعرف بـ "النماذج اللغوية الكبيرة"، والذكاء التوليدي... وقد صار المشهد أقرب إلى "سباق التسلح" بين القوى الكبرى في ابتداع منظومات وتطبيقات جديدة لهذه التكنولوجيا الخطيرة... بكفاءة وإمكانيات أكبر وتكلفة أقل.. وقد رأينا مؤخراً كيف أدى ظهور تطبيق صيني جديد في مجال الذكاء الاصطناعي إلى هزة مفاجئة في الأسواق ولدى الشركات التكنولوجية الكبرى.
وأكد إن هذه المنافسة الضاربة سوف تزداد حدتها في المرحلة القادمة.. فلا أحد يمكنه تحمل تكلفة التخلف في هذا المضمار.. لاسيما وأن له انعكاسات عسكرية مباشرة.. وثمة تخوفات واضحة لدى الكثير من الأوساط من تأثير هذه المنافسة على القواعد والقيم الإنسانية والاعتبارات الأخلاقية.. وما يمكن أن تفضي إليه من نتائج كارثية على البشرية... وقد رأينا بالفعل بعض التطبيقات الشريرة التي استخدمها ووظفها الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الوحشية على غزة... وكان من شأنها -كما رأينا- مضاعفة الخسائر بين المدنيين، وارتفاع حصيلة الشهداء الفلسطينيين.
وبينما نُدين هذه الجوانب غير الأخلاقية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ونحذر من مخاطرها على مستقبل الإنسانية، إن أُطلقت يد المنافسة والسوق.. بلا أي ضابط أو كابح.. فأننا نشدد في نفس الوقت على ما تتيحه من إمكانيات غير مسبوقة للنمو والازدهار البشري.. وإيجاد التوازن المناسب بين المخاطر المحتملة والمنافع المنتظرة هو سؤال كبير في عصرنا الراهن.. ويتعين أن ينشغل العقل العربي بهذا السؤال.. وأن يكون له إسهام واضح في محاولة الإجابة عنه.. وربما كانت النقاشات التي ستديرونها في سياق "دائرة الحوار العربية" خطوة مهمة وضرورية في هذا المضمار.. فلا يجب أن تتأخر المنطقة العربية عن ملاحقة ومواكبة هذا التطور المهم.. ويتعين أن يكون علماؤنا وسياسيونا ومفكرونا مواكبين لكل ما يدور بشأن الذكاء الاصطناعي في العالم... خاصة وأنه ملف سيشمل كافة جوانب الحياة بلا استثناء... حيث ستعيد هذه التكنولوجيا ذات الأغراض العامة، تشكيل الطريقة التي نعمل ونتفاعل ونعيش بها بشكل يدفع نمط الحياة إلى التغيُّر بوتيرة لم نشهدها منذ انتشار استخدام المطبعة قبل ستة قرون مضت.
السيدات والسادة،
وقال إن التحديات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي تتطلب تضافر الجهود لتطوير أطر تشريعية تضمن حماية حقوق الأفراد... وتضمن الحفاظ على القيم الإنسانية والأخلاق.. ولن يكون الوصول إلى هذا الهدف ممكناً إلا من خلال التعاون البناء بين جميع مكونات المجتمع، وعلى كافة المستويات... فضلاً عن تعاون عالمي ندعو إليه وننشده من أجل إدخال الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة العمل متعدد الأطراف وعدم تركه لقوى المنافسة العالمية.. وإنني على ثقة بأن دائرة الحوار اليوم ستضع أول بذور هذا التعاون... فقد جئتم من بلاد بعيدة، حاملين معكم خبراتكم القيمة ورؤاكم الثاقبة، للمساهمة في صياغة وثيقة تاريخية تدعو إلى الحفاظ على الهوية العربية في ظل التقدم التكنولوجي السريع، والذي يبدو -حتى الآن- منفلتاً ومنذراً بالخطر... إن هذه الوثيقة، التي نأمل أن تكون نبراساً لنا في المستقبل، سوف ترصد الفرص والتحديات، وستقترح تشريعات وأطر عمل أساسية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع القيم العربية والمصالح العربية، وبما يضمن احترام تراثنا الثقافي وإثراءه.
ختاماً، أتمنى لكم جميعاً التوفيق والنجاح في هذا المؤتمر المهم.
وقد اكد على يقين بأن المداولات والتوصيات ستُسهم بشكل كبير في رسم ملامح مستقبل الذكاء الاصطناعي في الوطن العربي، وفي توظيف هذه التكنولوجيا الواعدة لِخدمة أهدافنا التنموية والحضارية.