أنباء اليوم
الجمعة 8 نوفمبر 2024 12:14 صـ 5 جمادى أول 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

شيطانة الآخرين . .بقلم انتصار حسن 

شيطانة الآخرين هو مصطلح يدل على هجوم لفظي استباقي على الآخرين، أكان الآخر فردا أم جماعة، تتمظهر في اغتيال الشخصية أو ترويج الإشاعات الكاذبة حولها، أو إظهار الجانب السيئ في الآخر المستهدف.
ونحن المسلمين والعرب أكثر عرضة لهذا المبدأ من الشيطنة، امتدت منذ الحروب الصليبية إلى اليوم, فالعربي في كثير من الأدبيات الحديثة والدراسات تركز على الجوانب السلبية، فنحن مجتمع متخلف متناحر كسول متسول متعصب لا يملك رؤية، أما في الآونة الأخيرة فإن إمبراطورية ميردوخ الإعلامية لم تبق من مثلبة أو نقيصة إلا وألصقتها بالعرب والإسلام، وكأن العرب قوم يأجوج ومأجوج الذي مازال قابعا في كهف ما بهذا الكون.
ونحن العرب والمسلين أكثر الناس استخداما لشيطنة الآخرين, فكل ما هو غير مسلم فهو شيطان أو من رعية الشيطان، وأهل السنة يرون كل من هو غير سني فهو شيطان من شيعة وعلوين وبهائيين ودروز وغيرهم, وجميعهم خارج الملة، وكذلك بقية الفرق السنية في خصامها وتناحرها, يعجبها هذا السلاح الرخيص، وسابقا تم تقسيم العرب إلى فيس ويمن و كل شيطن الآخر ماتبع ذلك من حروب وكما في فلسطين تم تقسيم المجتمع إلى مدنيين وفلاحين وبدو، وكانت كل فئة تشيطن الفئتين الأخرايتين أما في المجال القومي والوطني الإقليمي نجد أن الأمور تأخذ فارقا خطيرا بتشجيع من السياسيين الذي يستأثرون بما اقتطعه لهم الاستعمار من بلدان ومجتمعات، فنحن شَيطنَّا الأتراك في القرن الماضي والآن نشيطن الإيرانيين، وكذلك فعل الأتراك وشيطنوا كل العرب، وحتى في الدولة الواحد، يقوم السياسيون بمحابات طائفة او عشيرة او قومية على الأخرى مما يحلق عداء مستترا يظهر في شيطنة الآخرين
في الجانب الفردي نستطيع أن نفسر هذا السلوك على أنه في سياق المنافسة أو تفريغ شحنة العداء في النفس، فقد أمارس شيطنة منافسي في الوظيفة أو المركز الاجتماعي أو المالي أو السياسي، بما أظهره على أنه غير جدير بالاحترام، أو أقوم بشيطنته لأن بقايا عداوة ما زالت له في نفسي، ولا تستحق إعلان الحرب الصريحة، لذلك فإنني ابدأ بالنميمة والتشويه المتعمد، بنبش نقائصه وسيئاته.
إذن نستطيع أن نفهم هذا السلوك الشخصي في العلاقات الإنسانية كوسيلة من وسائل الدفاع والهجوم الناعمة، ولكن ما بال المجتمعات التي تسلك مثل هذا السلوك الفردي، حتى أولئك المفكرين الذين نظنهم ارفع من أن يمارسوا الأخلاقيات الدونية، نراهم وهم ضمن مجتمع القطيع يمارسون الشيطنة بكل افتئات، ذلك أن أخلاقيات المجتمع كشخصية اعتبارية لم تتطور مع تطور الأخلاقيات الفردية.
فهذه المجتمعات تبيح لنفسها الاعتداء على غيرها واستلابها ثرواتها واستغلال أراضيها ومياهها كما هم البدائيون المتوحشون من البشر، ولعل هيئة الأمم المتحدة كانت مشروعا خلقيا أمميا إلا أنها ما زالت مجرد محاولة.
إن ما نعانيه من ويلات وكوارث في هذه الأيام ما هو إلا حتمية لهذا الانعزال الفكري عن الآخرين وعدم محاولة التقرب منهم وفهمهم، والوقوف على القواعد المشتركة التي تجمعنا بهم كبشر أولا، وكقوميات وشعوب ثانيا، ولا مانع أن نختلف في ثالثا ورابعا وخامسا.
يعنى أن نقف على جذع الشجرة الثابت ولا مانع بعد ذلك من أن نترك الأغصان الطرفية تتلاطم إذ تعصف بها الريح والأمطار، فإنها لن تزداد إلا حيوية ونماءً