أنباء اليوم
الخميس 7 نوفمبر 2024 09:00 مـ 5 جمادى أول 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

اللواء محمد إبراهيم: نجاحات مصر على المستوى الخارجي تستند على قوة وصلابة الوضع الداخلي


متابعة ـ محمد عادل



أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن كل النجاحات التي تحققها مصر على المستوى الخارجي تستند على قاعدة واضحة وهي قوة وصلابة الوضع الداخلي الذي ينطلق منه كل إنجاز تحققه الدولة في كافة المجالات.



وكتب اللواء محمد إبراهيم، في مقالة له بعنوان "الدولة المصرية والتحرك في الملفات الهامة" نشرت على موقع المركز اليوم الثلاثاء، أنه لا يمكن أن نتحدث عن طبيعة تحرك الدولة المصرية في أهم الملفات الإقليمية وكيف تتعامل القيادة السياسية بكل الجدية المطلوبة مع هذه الملفات ولاسيما خلال هذه المرحلة الهامة دون أن نشير إلى أن قوة مصر على المستوى الداخلي تعد أحد أهم العوامل التي تؤثر بالإيجاب على وضعية مصر بصفة عامة وعلى قدرتها في التعامل مع القضايا الخارجية بصفة خاصة.



مسارات التحرك الداخلي 



وأوضح اللواء محمد إبراهيم أن مصر تتحرك على المستوى الداخلي استناداً على 3 مسارات رئيسية، مشيرًا إلى أن أهم ما يميز هذا التحرك أنه يجمع بين مبدأين رئيسيين أولهما مبدأ الشمول والتنوع، وثانيهما مبدأ التوازي والتوازن، الأمر الذي يمكن إيضاحه على النحو التالي : –



"المسار الأول وهو مسار البناء والتنمية الذي تتحرك فيه الدولة بشكل غير مسبوق لينقلها تدريجياً إلى مرحلة تحديث جديدة تليق بدولة بحجم مصر، ولاشك أن أهم جوانب قوة هذا المسار أنه يتوسع ليشمل كل أنحاء الدولة بلا استثناء ولا يقتصر على منطقة جغرافية محددة من أجل أن تنهض الدولة كلها في وقت واحد، بالإضافة إلى أن هناك نقطة شديدة الأهمية في هذا المجال وهي نجاح الدولة في ربط هذا المسار بمتطلبات الأمن القومي المصري وهو ما نراه بوضوح في المشروعات التنموية والاستثمارية العملاقة خاصة تلك التي تتم في كل من سيناء والمنطقة الغربية .



المسار الثاني وهو مسار التنمية والحماية الاجتماعية التي تمثل الغطاء الآمن للملايين من أبناء الشعب المصري الذين ترتبط حياتهم ومستويات معيشتهم بالدور الاجتماعي للدولة، وهو الأمر الذي نراه أيضاً في الجهد الفائق الذي تقوم به مؤسسات الدولة في توفير الحياة الكريمة بكافة مشتملاتها للمواطنين من إسكان اجتماعي ودعم مادي، بالإضافة إلى المبادرات الصحية المليونية المتتالية التي تشمل كل النواحي الصحية للمواطن المصري، الأمر الذي أدى إلى نجاح الدولة في مواجهة جائحة الكورونا وإن كانت هذه المواجهة الناجحة لاتزال في حاجة إلى مزيد من وعي المواطنين . 



المسار الثالث وهو مسار الدعم المتواصل لقدرات الدولة العسكرية حتى تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة المخاطر والتهديدات التي لا تنتهي، ومن الواضح أن هذا الدعم أدى إلى أن يتم تصنيف القوات المسلحة المصرية باعتبارها من أقوى عشرة جيوش في العالم (دخول أحدث غواصة هجومية في العالم إس 43 إلى الخدمة منذ أيام لتنضم إلى القوات البحرية)، بالإضافة إلى الدور التنموي الذي يقوم به الجيش المصري على المستوى الداخلي في إطار المنظومة التنموية والاقتصادية للدولة" .



مواجهة الإرهاب



وأضاف اللواء محمد إبراهيم "وفي نفس الوقت لا يمكن أن ننتقل إلى تحليل التحرك المصري في أهم الملفات الخارجية دون أن نشير إلى نجاح مصر بشكل مميز في مواجهة الإرهاب والقضاء على تهديدات الجماعات الإرهابية وهو أحد أهم متطلبات الاستقرار والتنمية، وتظل تجربة مصر الفريدة في مواجهة الإرهاب نموذجاً يحتذى به على المستويين الدولي والإقليمي، وبالرغم من هذا النجاح فلابد من التنويه إلى نقطتين رئيسيتين : –



النقطة الأولى وتتمثل في أن التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها مصر لن تتوقف، ومن ثم فإن اليقظة الأمنية والتجاوب القائم مع كل متطلبات المواجهة الأمنية على المستويين المادي والفكري يجب أن تستمر وتتواصل حيث أنها تمثل حائط الصد الأول في مجال المواجهة الشاملة للإرهاب .



النقطة الثانية وتتعلق بأن هناك تطورات إقليمية ودولية تشير إلى أن الإرهاب قد يعود بقوة في أية مرحلة قريبة حيث أن هناك محاولات واضحة لعودة داعش في كل من سوريا والعراق ومنطقة الساحل والصحراء بالإضافة إلى التأثيرات المتوقعة نتيجة اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وهو الأمر الذي يجب أن نتحسب له جيداً من الآن" .



أهم الملفات الخارجية



وفيما يتعلق بالملفات الخارجية التى تمثل أهمية وأولوية لمصر في هذه المرحلة، أكد أن الدولة المصرية تبدي اهتماماً واضحاً لكل التطورات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي، حيث أنه لم تعد هناك دولة يمكن أن تحيا بمعزل أو بمأمن دون أن تتأثر بكافة هذه التطورات المتلاحقة خاصة عندما نتحدث عن مصر تلك الدولة الإقليمية العظمى التي تتميز بوضعية إستراتيجية على مستوى العالم وتلعب دوراً هاماً في صياغة الكثير من الأحداث بل والتأثير المباشر في هذه الأحداث والتطورات .



وتابع "من هذا المنطلق سوف أركز على أهم 3 قضايا خارجية تحتل الأولوية خلال الفترة الراهنة نظراً لتأثيراتها المباشرة على الأمن القومي المصري وهي قضية السد الإثيوبي والأزمة الليبية والقضية الفلسطينية، لاسيما وأن مصر تتعامل مع هذه القضايا بكل فاعلية بل لن أكون مبالغاً عندما أقول إن هناك اهتماماً ملحوظاً ومتابعة دقيقة على مدار اليوم بل على مدار الساعة من جانب القيادة السياسية لكل قضايا الأمن القومي بصفة عامة وهذه القضايا الثلاث بصفة خاصة".



قضية السد الإثيوبى



ورأى اللواء محمد إبراهيم أن كافة الجهود السياسية التي بذلت حتى الآن لم تسفر عن أية نتائج يمكن أن نستند عليها في مجال إمكانية التوصل إلى حل مقبول ومرض ينزع فتيل هذه الأزمة التي لم يدرك المجتمع الدولي حتى الآن أنها يمكن أن تؤدي إلى تهديد السلم والأمن الإقليمي والدولي، ومن ثم فإن تعامل العالم مع هذه الأزمة لم يصل إلى المستوى المطلوب والمأمول ويتحمل مسئولية أي تدهور للموقف رغم كل الأدوار الدولية والإفريقية التي بذلت ولكنها تظل في النهاية أدواراً وجهوداً افتقدت إلى الفاعلية والتأثير .



وقال إن الموقف الإثيوبي لا يزال يدور في نفس أطره السابقة دون أي منطق مقبول أو مبرر مستساغ حيث أن أديس أبابا تواصل المناورات والتسويف وكسب الوقت وطرح مقترحات غير مقبولة بل وتنتهك بكل وضوح ليس فقط القوانين والاتفاقات الدولية ولكنها تنتهك اتفاق إعلان المبادئ الذي وقعت عليه في الخرطوم في مارس 2015 وتسعى إلى تفسيره وتنفيذه بشكل أحادي بما يتوافق مع مصالحها فقط وهو الأمر المرفوض شكلاً وموضوعاً.



وأضاف "وفي الجانب المقابل هناك تطابق في الموقفين المصري والسوداني إزاء ضرورة التوصل إلى اتفاق شامل وقانوني وملزم بشأن ملء وتشغيل السد من خلال المفاوضات السياسية التي لا نزال لم نسقطها من أجندة الحل السلمي للأزمة مع تحرك الدولتين خارجياً لشرح ملابسات الأزمة، ولكن يظل السؤال المطروح إلى متى سوف تتواصل المفاوضات دون إنجاز ولاشك أن عشر سنوات من التفاوض دون تحقيق نتائج ملموسة تعد كافية تماماً ليس فقط للحكم على طبيعة الموقف الإثيوبي المتعنت، ولكن يجب أن يكون تقييم هذه المفاوضات مع وضوح خطورة الأزمة دافعاً للمجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة للتدخل من أجل وقف هذه الحلقة المفرغة من المفاوضات والتوصل إلى اتفاق".



"وفي رأيي أن عامل الوقت أصبح أكثر أهمية وإلحاحاً من أية مرحلة سابقة وخاصة قبل دخول هذه الأزمة في منعطفٍ قد لايمكن العودة عنه، ولعل أية مناشدات للجانب الإثيوبي بأن يكون مرناً وألا يتجه للملء الثاني المقرر في يوليو دون التوصل لاتفاق مع دول المصب لم تعد ذات جدوى نظراً للموقف الإثيوبي المتعنت الذي يرفض تقديم أية مرونة حتى الآن، وبالتالي يجب على أديس أبابا أن تكون على قناعة كاملة بأن مصر لن تقبل سياسة فرض الأمر الواقع ولن تفرط في حقوقها المائية وهذا هو ما يسمى بالخط الأحمر، وعلى المسئولين الإثيوبيين أن يدركوا أن مسألة الخط الأحمر ليست مجرد شعار ولكنها تعني الكثير" .



وكتب "ومن ثم فإن رسالتي هنا تتمثل في أنه على إثيوبيا أن تعيد دراسة الموقف ككل ولا تظن أنه لكونها دولة المنبع فهي قادرة على أن تتحكم فى حصص المياه القادمة إلى دولتي المصب وتؤثر على الأمن المائي لكل من مصر والسودان بكل تداعياته السلبية، كما أنه على إثيوبيا أن تعلم علم اليقين أن مصر لن تسمح تحت أي ظروف بأن يتم تعطيشها مهما كانت الأسباب والمبررات والنتائج والتداعيات، ثم كلمة أخيرة أوجهها في هذه الرسالة إلى أديس أبابا وهي أن الدفاع عن قضية الحياة والوجود أمر من المؤكد أنه يتعدى كل الحدود" .



الأزمة الليبية 



وشدد على أن مصر تحقق حالياً مزيداً من النجاح في التعامل مع الملف الليبي من كافة جوانبه وهو ما يعكس نجاح رؤية مصر الشاملة للحل منذ بداية الأزمة، وبدأت مصر تجني ثمار هذا الجهد المرحب به تماماً من الشعب الليبي ومن القيادة الليبية، مع تأكيدها على أهمية عودة ليبيا دولة وطنية قوية موحدة تضيف للرصيد العربي وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا من خلال الحل السلمي لهذه الأزمة ووقف التدخل الخارجي في الشئون الليبية وانسحاب كافة الجماعات والميلشيات من الأراضي الليبية حتى يكون الوضع الداخلي مهيئاً وممهداً للتعامل بنجاح مع متطلبات المرحلة المقبلة .



 وقال "وفي هذا الشأن يمكن تحديد أهم مجالات الحركة المصرية الحالية تجاه الأزمة الليبية فيما يلي: –



المجال الأول: مواصلة الدعم المطلق للقيادة الليبية الجديدة مع مزيد من التنسيق الثنائي سواء مع الحكومة أو مع المجلس الرئاسي وصولاً إلى الانتخابات المقررة في ديسمبر 2021 .



المجال الثاني: التحرك على المسار الاقتصادي من أجل إحداث نقلة نوعية في مجال تنمية دولة ليبيا الشقيقة ونفل الخبرات المصرية في المجالات الممكنة، ومن هنا كانت الزيارة الناحجة التي قام بها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي إلى ليبيا يوم 21 أبريل الماضي وبرفقته 11 وزيراً والتي أسفرت عن توقيع العديد من الاتفاقات والتوصل إلى تفاهمات في العديد من المجالات (العمالة المصرية – البنية التحتية – إحياء اللجنة العليا المشتركة – الكهرباء – الطرق – النقل وتبادل السلع والبضائع) .



 القضية الفلسطينية



أكد اللواء محمد إبراهيم أن مصر لم ولن تتوقف عن دعم القضية الفلسطينية في كافة المجالات، وقد أخذت مصر على عاتقها مسئوليات متعددة في الملف الفلسطينى من بينها المصالحة وإنهاء الانقسام والتهدئة وتبادل الأسرى، بالإضافة إلى التأكيد على أن حل القضية الفلسطينية يمثل مفتاح الاستقرار في المنطقة وهو ما لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وهو ما يعد ترجمة حقيقية لمبدأ حل الدولتين الذي يجب أن يتم تنفيذه من خلال المفاوضات .



ونوه بأنه وفي الوقت الذي تقدم فيه مصر كل الدعم من أجل ترتيب البيت الفلسطينى من الداخل حيث استضافت القاهرة جولتي حوار لكافة الفصائل الفلسطينية في شهري فبراير ومارس الماضيين، فإن مصر حريصة أيضاً على ألا تتدخل في القرار السياسي الفلسطيني وتظل أكثر حرصاً على ألا تؤدي أية تطورات داخلية إلى مزيد من الانشقاق والانقسام والخلاف في وقت من المفترض أن يكون فيه الفلسطينيون في أمس الحاجة إلى التوحد ونبذ الخلافات الحزبية الضيقة في مواجهة مخططات التهويد والاستيطان ورهان الأحزاب الإسرائيلية على التهام ما تبقى من الأرض الفلسطينية حيث أن الخلافات الداخلية مهما كانت مبرراتها لا يمكن أن تصب في صالح القضية الفلسطينية .



واختتم اللواء محمد إبراهيم مقالته بالتأكيد على أن مصر تتعامل مع ملفات الأمن القومي بكل جدية وتنطلق معالجتها لهذه الملفات من أرضية قوية تتمثل أساساً في صلابة الوضع الداخلي بكل مكوناته، قائلا "وإذا كان لي أن أوجه رسالة في هذا المجال فإني أوجهها إلى الشعب المصري بأن يثق في قيادته السياسية ويلتف حولها بكل قوة وأن يكون على قناعة بأن قيادته الوطنية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي حريصة وقادرة بإذن الله على أن تحقق كل طموحات هذا الشعب العظيم سواء على المستوى الداخلي وهو ما نراه من تنفيذ مشروعات عملاقة متنوعة في وقت قياسي، أو فيما يتعلق بكافة الملفات الخارجية التي تتحرك فيها الدولة برؤية واضحة ودراسة متأنية للغاية من أجل أن يتم اتخاذ القرار في الوقت المناسب وبالفاعلية المطلوبة، وسيظل القرار السياسي المصري قوياً وصائباً مادام نابعاً من قيادة وطنية صادقة وواعية ومدعوماً من شعب حضاري يضحي بكل ما يملك من أجل الحفاظ على تراب وطنه المقدس" .