بى إن بى باريبا الإقتصاد المصرى نجا من أزمة كورونا دون تدهور يذكر
قال بنك بى إن بى باريبا، فى مذكرة حديثة له، إن الاقتصاد المصرى نجا من أزمة كورونا دون تدهور يذكر فى مؤشرات الاقتصاد الكلى،
حيث حافظ الاقتصاد على نمو إيجابى، وكذلك استقر عجز الموازنة العامة، وحقق ميزان المعاملات الخارجية استقرارا نسبيا.
وأضاف البنك، أن استقرار الاقتصاد الكلى الذى تحقق فى السنوات السابقة بعد الإصلاحات والدعم المالى الخارجى من الأسباب الرئيسية وراء هذا الأداء الإيجابى رغم جائحة “كورونا”.
وأوضح البنك، أنه على المدى القصير، فإن التوقعات متضاربة حيث أن ارتفاع التضخم إذا استمر يمكن أن يحفز دورة التشديد النقدى، وهو ما لن يكون إيجابيا للموازنة العامة، ولكنه حذر أن الضعف الخارجى لوضع مصر كبير، نظرا للعجز الهيكلى فى الحساب الجارى، والاعتماد على تدفقات استثمارات المحافظ المالية، وكذلك من أن وتيرة النمو ليست كافية لاستيعاب القوى العاملة المتزايدة، مما يغذى الاقتصاد غير الرسمى.
وقال إن الحل لهذه التحديات يكمن فى زيادة استثمارات القطاع الخاص غير النفطى وتعزيز الإنتاجية.
وأضاف التقرير أنه منذ تنفيذ إصلاحات الاقتصاد الكلى عام 2017، بلغ متوسط النمو الاقتصادى على أساس سنوى نحو 4.4%، وفى ظل أوضاع المالية العامة وانخفاض القدرة التنافسية للصادرات، كان الاستهلاك العائلى والاستثمار الحكومى المحركين الرئيسيين.
وأضاف: مع ذلك، كان الاقتصاد العائلى الذى يساهم بأكثر من 85% من الناتج المحلى الإجمالى، مقيدًا فى عامى 2018 و2019 بسبب الضغوط التضخمية القوية، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية خلال هذه الفترة، واستحوذ الاستثمار على زمام الأمور بفضل التحول المتسارع لقطاع الطاقة من خلال بناء قدرات جديدة لإنتاج الغاز وتوليد الكهرباء.
وتابع تقرير البنك: ظل النمو الاقتصادى قوياً منذ بداية جائحة كورونا فى عام 2020 بسبب القيود المعتدلة على النشاط الاقتصادى، والدعم الذى تلقاه من الإنفاق العام، وقبل كل شئ، الانتعاش فى الاستهلاك، لتصبح مصر هى الدولة الوحيدة فى شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط التى لم تشهد ركودًا خلال هذه الفترة.
وأوضح أن الاستهلاك المحلى العام والخاص لم يسجل خلال أى ربع نموا سلبيًا فى العامين الماضيين، بدعم من التركيبة السكانية التى تدعم الاستهلاك وكذلك الانخفاض الكبير فى التضخم 5.6% و4.5% فى المتوسط فى السنة المالية 2019-2020 والسنة المالية 2020-2021 على التوالى، بجانب نمو الائتمان العائلى.
وأشار إلى أن الاستثمار كان البند الأكثر تضررا من الأزمة، إذ انكمش بنسبة 26% تراكميا خلال الفترة 2020-2021، مدفوعًا بانخفاض الاستثمار فى قطاع الهيدروكربونات بنسبة 80% “حوالى 18% من إجمالى الاستثمار” على خلفية الانخفاض الحاد فى أسعار النفط خلال عام 2020.
وقال التقرير، إن مساهمة التجارة الخارجية فى النمو كانت إيجابية فى عام 2020 قبل أن تصبح سلبية فى عام 2021، ومن الصعب تحديد اتجاه واضح لها، فيما انخفضت إيرادات السياحة بأكثر من 60% بشكل تراكمى خلال الفترة 2020-2021.
وأضاف أن الزيادة الحادة فى إنتاج الغاز منذ عام 2018، مع بدء الإنتاج من حقل ظهر للغاز، أدت إلى خفض واردات الطاقة والسماح بتصدير بعض الفائض لكن خارج قطاع الطاقة.
والسؤال هنا
ماذا ينتظر النشاط الإقتصادى فى مصر على المدى القصير؟
جدير بالذكر أن تقرير بى إن بى باريبا” توقع إنتعاش النشاط الاقتصادى، إذ أن المؤشرات الإقتصادية الكبرى مثل إستهلاك الكهرباء،
ومؤشر التنقل،
ومؤشر الإنتاج الصناعى جميعها مرتفعة منذ الربع الثانى من عام 2021، ومن المتوقع أن ينمو قطاع السياحة مع تراجع الضغوط المرتبطة بوباء كورونا ورفع الحظر المفروض على السياح من روسيا، وذلك رغم أن الزيادة فى أعداد الوافدين ستظل تدريجية فى ضوء التهديد المستمر للوباء.
وأضاف أن قطاع العقارات والإنشاءات سيواصل الاستفادة من تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية الحضرية والعامة، وعلى صعيد الطلب، ستدعم الزيادة المعلنة فى أجور ومعاشات التقاعد فى القطاع العام الاستهلاك.
وأوضح التقرير، أن ارتفاع أسعار الطاقة منذ بداية العام والتوقعات الإيجابية نسبيًا للمنتجين ستعمل على تحفيز تدفق الإنفاق الاستثمارى فى قطاع النفط.
وأشار إلى أنه فى ظل التعافى فى الاستهلاك، وبدرجة أقل الاستثمار، من المتوقع أن يؤدى ارتفاع الواردات إلى إضعاف المساهمة الخارجية فى نمو الناتج المحلى الإجمالى.
كماتوقع التقرير أن ينمو الناتج المحلى الإجمالى لمصر 5.5% خلال السنة المالية 2021-2022، ما لم يتسارع التضخم، الذى من شأنه أن يثقل كاهل الاستهلاك أو عودة انتشار وباء كورونا، مما قد يعرض انتعاش صناعة السياحة لمخاطر.
كيف سيكون النمو فى مصر على المدى المتوسط؟
بحسب مذكرة بى إن بى باريبا إنه على المدى المتوسط، تبدو التوقعات الاقتصادية مواتية إلى حد ما، ولكن لاتزال هناك بعض نقاط الضعف، إذ سيظل استهلاك الأسر هو المحرك الرئيسى للنمو، على الرغم من أن إرتفاع التضخم قد يحد من ذلك.
وأضافت أن الإنتعاش التدريجى للسياحة سيدعم التوظيف بشكل مباشر، فى حين أن وتيرة الإقراض العائلى، الذى يمثل 9% فقط من الناتج المحلى الإجمالى، يجب أن تزداد مع وصول اللاعبين غير المصرفيين إلى هذا السوق.
فى سياق متصل توقع التقرير، أن ترتفع المساهمة المباشرة للقطاع العام فى النمو مع إدخال سياسات إصلاحات هيكلية تهتم بقطاعى الصحة والتعليم، كما يجب أن تستمر السياسة الخاصة بالمشروعات القومية الكبرى فى دعم قطاعى البناء والعقارات، اللذين يساهمان بحوالى 17% من إجمالى الناتج المحلى، واستمروا فى النمو بوتيرة مستدامة خلال أزمة الجائحة.
وأضاف التقرير: لكن اعتماد النمو على الاستهلاك نقطة ضعف، إذ شكل الاستهلاك 87% من الناتج المحلى الإجمالى فى السنة المالية 2020-2021، مقارنة بمتوسط 73% فى الفترة 2000-2010،
ولايزال وضع العمالة سيئًا فى ظل ضبط أوضاع المالية العامة، وكما أن القطاع الخاص مازال يخلق فرص فى القطاعات الأقل إنتاجية، وبالتالى الأقل دخلاً.
وأشار إلى أن آفاق الاستثمار تعتمد على قطاع الطاقة، إذ استحوذ إنتاج الهيدروكربونات وتوليد الطاقة على ما يقرب من 30% من إجمالى الاستثمار خلال العقد الماضى، ورغم أنه من المتوقع أن يظل الاستثمار فى هذا القطاع قوياً على المدى المتوسط، لاسيما مع تطور الطاقات المتجددة والحفاظ على الطاقات الإنتاجية الحالية، لكن مستوى الاستثمار قد ينخفض مقارنة بالعقد من عام 2010.
وقال إن آفاق الاستثمار خارج قطاع النفط والغاز، تتسم بعدم يقين كبير، إذ انخفض استثمار القطاع الخاص “بالقيمة الاسمية” كنسبة مئوية من الناتج المحلى الإجمالى بشكل مطرد منذ عام 2010، إذ تراجع من متوسط 10% من الناتج المحلى الإجمالى بين عامى 2006 و2010، إلى متوسط 6.3% خلال السنوات الخمس الماضية، وخلال العام المالى الماضى بلغ 3.2%.
ما هى أبرز التحديات أمام النمو فى مصر؟
قال بى إن بى باريبا، إن معدل توليد الوظائف لا يكفى لمواجهة التحدى السكانى والاحتياجات المتزايدة لسوق العمل المصرى، فبينما ينمو عدد السكان فى سن العمل الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عامًا بأكثر من مليون شخص كل عام، يتجه معدل المشاركة فى سوق العمل إلى الانخفاض، من 42.8% بين عامى 2011 و2015 إلى 40.4% فى المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية.
وأوضح البنك، أن نسبة متزايدة من السكان فى سن العمل إما انسحبوا من سوق العمل أو “سيناريو أكثر احتمالا” يعملون فى القطاع غير الرسمى.
وأضاف التقرير: هذا التوسع فى القطاع غير الرسمى تؤكده بيانات البنك الدولى المستندة إلى معدلات الالتحاق بالتأمين الاجتماعى وعقود العمل، والتى تظهر زيادة فى نسبة العاملين فى القطاع غير الرسمى بين عامى 2016 و2019”.
ما هى نقاط الضعف الهيكلية فى القطاع الخاص المصرى؟
يرى بنك بى إن بى باريبا أن انخفاض مستويات الاستثمار خاصة فى القطاع الخاص، تعد أبرز الصعوبات التى يواجهها الاقتصاد المصرى من أجل تحقيق نمو مستدام وشامل، ورغم أنها تحديات ليست جديدة لكنها تفاقمت فى السنوات الأخيرة.
وبلغ متوسط معدل الاستثمار 15% من الناتج المحلى الإجمالى بقيمته الحقيقية، خلال السنوات العشر الماضية، مقارنة بـ19% فى العقد السابق، ويعد ذلك المعدل أقل بكثير مما هو عليه فى البلدان الناشئة، حيث تراوح متوسطه بين 25% و30% من الناتج المحلى الإجمالى خلال العقد الماضى، إذ يصل إلى 28% و34% فى تركيا والمغرب على التوالى.
وأشار التقرير إلى أنه فى مصر تنتمى القطاعات التى يكون فيها نمو العمالة أقوى إلى فئة السلع غير القابلة للتداول مثل تجارة التجزئة على وجه الخصوص.
كيف يرى بى إن بى باريبا مستقبل إنتاج النفط فى مصر؟
قال البنك، إن النظرة المستقبلية لقطاع النفط تتسم بعدم اليقين، حيث انخفض إنتاج النفط الخام بشكل مطرد منذ عام 2015، إذ خفضت شركات النفط الخاصة الإنفاق الرأسمالى مع انخفاض أسعار النفط فى الأسواق الدولية، ونتيجة لذلك انخفض الإنتاج المحلى من النفط الخام والمكثفات إلى 0.62 مليون برميل يوميًا فى السنة المالية 2019-2020، انخفاضًا من 0.72 مليون برميل فى اليوم فى السنة المالية 2014-2015.
وتهيمن الشركات الصغيرة نسبيًا على قطاع الإنتاج البرى، ويتم تداول الإنتاج المصرى، من النفط الخام الثقيل، بخصم كبير مقارنة بالدرجات المعيارية للنفط، إذ أن معظم الحقول البرية ناضجة وبالتالى لديها معدل استنفاد مرتفع، مما يعنى استمرار النفقات التشغيلية والرأسمالية للحفاظ على استقرار مستوى الإنتاج.
وأضاف أنه بما أن القدرات المالية لصغار المنتجين محدودة، فإن تضييق الفجوة بين أسعار السوق وسعر التعادل يؤدى إلى انخفاض فى الإنفاق وبالتالى انخفاض فى الإنتاج.
ويبدو أن الزيادة الأخيرة فى أسعار السوق عززت الإنفاق فى هذا القطاع، مما سيساعد على إبطاء انخفاض لإنتاج.
وقالت إن مصر أصبحت مؤقتًا من مصدرى النفط فى عام 2020، حيث انخفض الطلب المحلى خلال الوباء، ويبدو أن الارتفاع الأخير فى أسعار السوق قد أعاد إحياء الإنفاق فى هذا القطاع، لكن هذا يؤدى إلى إبطاء انخفاض الإنتاج.
وتوقع أن تظل البلاد من الناحية الهيكلية مستورداً صافياً للنفط الخام، ولكنها قد تظل مصدرا صافيا للمنتجات البترولية المكررة بفضل إدخال وحدات إنتاج جديدة.
زيادة صادرات الغاز.. إلى متى؟
قال البنك، إنه فى الوقت الحاضر تتجاوز الطاقة الإنتاجية للغاز الطلب المحلى، مما سمح بزيادة حجم الصادرات منذ نهاية عام 2018، وتعتمد هذه الصادرات بشكل خاص على ظروف السوق، ونتيجة لذلك، فقد انخفضت بأكثر من النصف فى عام 2020 “2.7 مليار متر مكعب مقارنة بـ5.9 مليار متر مكعب فى عام 2019” مع انخفاض أسعار الغاز الطبيعى المسال فى السوق الآسيوية، وهو ما يمثل معيارا لصادرات الغاز الطبيعى المسال المصرية.
وأضاف أنه يتم تحديد أسعار مبيعات الغاز الطبيعى المسال المصرية فى السوق الفورية، على عكس عقود التوريد طويلة الأجل وهى شديدة التقلب.
وأوضح أنه مع انهيار النشاط فى عام 2020، انخفض سعر السوق عن تكلفة الإنتاج المصرية البالغة حوالى 5 دولارات / مليون وحدة حرارية بريطانية، حيث كان السعر الفورى للغاز الطبيعى المسال المتجه إلى آسيا “أكثر من 80% من الصادرات المصرية” أقل من 4 ملايين وحدة حرارية بريطانية بين فبراير وأكتوبر 2020.
وفى هذا السياق، يتعين على شركة “إيجاس”، مؤسسة سوق الغاز المملوكة للدولة، دفع سعر تعاقدى قدره 4 دولارات أمريكية للمصدرين، ما أدى لخفض صادرات الغاز الطبيعى المسال.
وفى عام 2021، أدى الطلب الآسيوى المتزايد وإعادة تنشيط محطة التسييل الثانية فى دمياط إلى انتعاش الصادرات، لتسجل فى الأشهر السبعة الأولى من العام معدل أعلى بـ2.1 مرة مما كانت عليه فى عام 2020 بأكمله.
ومنذ أوائل عام 2021، كانت واردات الغاز تعادل 67% من صافى الصادرات، مقارنة بـ13% لكامل عام 2020.
وقال التقرير، إن استدامة الطاقة التصديرية على المدى المتوسط غير مؤكدة، حيث ظل الاستهلاك المحلى ثابتًا تقريبًا فى عامى 2019 و2020، ومن المتوقع أن ينمو فى السنوات القادمة مع زيادة عدد الأسر الموصولة بشبكة الغاز الوطنية وارتفاع طلب صناعة البتروكيماويات على الغاز الطبيعى