صورة وحكاية : ”شارع مصطفى حافظ”
مصطفى حافظ، ضابط مصري، إسم يعرفه الكثير من الفلسطينيين، بعضهم عايشه، وعمل معه وبعضهم سمع عن مآثره وبطولاته، والكثيرون من أبناء الجيل الجديد، عرفوه اسما لإحدى مدارس مدينة غزة، ولشارع فيها، وبطلا للقصص التي يرويها الأجداد.
وتحفل سجلات تاريخ الكفاح ضد الاستعمار والاحتلال ، بأسماء قيادات مصرية بارزة كان لها السبق في مجال مساندة القضية الفلسطينية، وفي مقدمة هؤلاء "الشهيد مصطفى حافظ"، أسطورة الجيش المصري، والأب الروحي للفدائيين الفلسطينيين الذي استطاع أن يدمي الاحتلال، ويكبده خسائر فادحة، عبر عمليات بطولية جبارة، فظل الاحتلال يسعى خلفه على أمل أن يصل إليه ويقضي عليه، وللأسف وصل إليه عبر عملية تفجيرية خسيسة، فارتقى شهيدا، وما زال شارع "مصطفى حافظ" في قطاع غزة حتى الآن شاهدا على اعتزاز، وتقدير الشعب الفلسطيني، وبخاصة أهالي قطاع غزة للبطل المصري، أبو المقاومة الفلسطينية.
تاريخ ميلاده 25 ديسمبر 1920 م. نشأ في بيئة مصرية صميمة لها طباع الريف من الشرف والإمانة والكرم. أشتهر مصطفى حافظ في طفولته بطيبة قلبه ولم يكن مشاكسا، حصل على الشهادة الابتدائية في عام 1934 وفي نفس العام التحق بمدرسة فؤاد الثانوية (مدرسة الحسينية الآن) ومن هنا بدأت معالم شخصيته تظهر في وضوح وجلاء ورجولة مبكرة وخلق ومواظبة.
اشترك في المظاهرات الضخمة التي كانت تخرج من مدرسة فؤاد واستمع قلبه في وعى إلى هتافات الحرية وإلى بشاعة كلمة الاستعمار، كما عرف في وعى دور الاستعمار في عرقلة تقدم الأمة العربية كلها.
ومصطفى حافظ رجل مصري من مدينة الأسكندرية التي يحمل أحد ميادينها اسمه الآن، كما أن له نصبا تذكاريا في غزة تبارى الإسرائيليون في تحطيمه عندما احتلوها بعد هزيمة يونيو 1967. كان (مصطفى حافظ) مسئولا عن تدريب الفدائيين وارسالهم داخل إسرائيل كما أنه كان مسئولا عن تجنيد العملاء لمعرفة مايجري بين صفوف العدو ووراء خطوطه، فقد كان (مصطفى حافظ) باعتراف الإسرائيليين من أفضل العقول المصرية، وهو ماجعله يحظى بثقة الرئيس جمال عبد الناصر فمنحه أكثر من رتبة استثنائية حتى أصبح عميدا وعمره لا يزيد على 34 سنة، كما أنه أصبح الرجل القوي في غزة التي كانت تابعة للإدارة المصرية بعد تقسيم فلسطين في عام 1947.
دخـل مصطفى حافظ الكلية الـحربية بعـد حـصـوله على الـبكالوريا وجاء تقـديره في سنـة دخـولـه أخلاقيا جـيدا وقـد اشتهر طـول حياتـه بالكلية بأنـه ذو الأعـصاب الحـديـديـة، وعـام1940م تخـرج من الكليـة الحربيـة وكان من الـمتفـوقين وفي الـسـابع مـن سبتمبـر 1940 عـين ملازما بسلاح الفرسان وبدأت شخصيته تفرض نفسها في كل مكان يحل فيه في عام 1943 حصل على فرقة طبوغرافيا وفي سنة 1945 حصل على فرقة أسلحة صغيرة وفي ديسمبر 1951 حصل على فرقة تعليم شئون إدارية بامتياز وفي 13 أكتوبر 1955 حصل على فرقة مدرعة ورقى إلى رتبة صاغ
في 3 يوليو 1948 نقل اليوزباشى إلى إدارة الحاكم الإدارى العام لغزة وفي 16 أكتوبر 1948 عين حاكما لرفح وفي 8 نوفمبر 1948 نقل مأمورا لمركز القصير في البحر الأحمر. سافر إلى غزة أواخر عام 1951 وإسرائيل تعتدى على اللاجئين في قطاع غزة. كان مصطفى حافظ أبا لكل الفدائيين تولى بنفسه عملية تدريب الفدائيين الذين دخلوا إلى قلب إسرائيل. نظم جيش فلسطين. في عام 1955 وقع حادث خان يونس ودمرت إسرائيل بصورة بشعة المستشفى والبيوت وفي نفس الليلة عقد اجتماع مع الفدائيين ورسم خطة ضخمة لدخول إسرائيل حتى أنها كانت لا تنام خوفا من ضربات رجال مصطفى حافظ والفدائيين الذي كان قائدهم صلاح مصطفى
وبرغم السنوات الطويلة التي قضاها مصطفى حافظ في محاربة الإسرائيليين الا انه لم يستطع رجل واحد في كافة أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن يلتقط له صورة من قريب أو من بعيد، لكن برغم ذلك سجل الإسرائيليون في تحقيقاتهم مع الفدائيين الذين قبضوا عليهم انه رجل لطيف يثير الاهتمام والاحترام ومخيف في مظهره وشخصيته. وكانت هناك روايات أسطورية عن هروبه الجريء من معتقل أسرى إسرائيلي أثناء حرب 1948، وقد عين في منصبه في عام 1949 وكانت مهمته إدارة كافة عمليات التجسس داخل إسرائيل والاستخبارات المضادة داخل قطاع غزة والإشراف على السكان الفلسطينيين، وفي عام 1955 أصبح مسئولا عن كتيبة الفدائيين في مواجهة الوحدة رقم 101 التي شكلها في تلك الأيام اريل شارون للإغارة على القرى الفلسطينية والانتقام من عمليات الفدائيين ورفع معنويات السكان والجنود الإسرائيليين، وقد فشل العدو فشلا ذريعا في النيل منه ومن رجاله وهو ما جعل مسئولية التخلص منه تنتقل إلى المخابرات الإسرائيلية بكافة فروعها وتخصصاتها السرية والعسكرية.
في صباح يوم 13 يوليو من عام 1956 نشرت صحيفة الأهرام خبرا يقول
"قتل العقيد مصطفى حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم في قطاع غزة، وقد نقل جثمانه إلى العريش ومن هناك نقل جوا إلى القاهرة على الفور، ولم ينس الخبر أن يذكر أنه كان من أبطال حرب فلسطين وقاتل من أجل تحريرها.. لكنه تجاهل تماما انه كان أول رجل يزرع الرعب في قلب إسرائيل".
وحسب ماجاء في تقرير لجنة التحقيق المصرية التي تقصت وفاة مصطفى حافظ بأمر مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر فإنه في 11 يوليو عام 1956 في ساعات المساء الأخيرة جلس مصطفى حافظ على كرسي في حديقة قيادته في غزة وكان قد عاد قبل يومين فقط من القاهرة، كان يتحدث مع أحد رجاله وإلى جانبه الرائد فتحي محمود وعمر الهريدي واليوزباشى حسين تمراز وفي نفس الوقت وصل اليهم طرد
وقرر مصطفى حافظ أن يفتح الطرد ، أزال الغلاف دفعة واحدة عندئذ سقطت على الأرض قصاصة ورق انحنى لالتقاطها وفي هذه الثانية وقع الانفجار ودخل الرائد فتحي محمود مع جنود الحراسة ليجدوا أربعه أشخاص مصابين بجروح بالغة ونقلوا فورا إلى مستشفى تل الزهرة في غزة.
بقى ان نعرف إن الإسرائيليين عندما احتلوا غزة بعد حرب يونيو وجدوا صورة مصطفى حافظ معلقة في البيوت والمقاهي والمحلات التجارية وأنهم كانوا يخلعونها من أماكنها ويرمونها على الأرض ويدوسون عليها بالأقدام، وكان الفلسطينيون يجمعونها ويلفونها في أكياس كأنها كفن ويدفنونها تحت الأرض وهم يقرآون على روح صاحبها الفاتحة كأنهم لا يدفنون صورة وإنما يدفنون كائنا حيا.