صورة وحكاية”شارع الخليفة المأمون”
نسمع جميعا اسم شارع الخليفة المأمون - ولكن قليلون من يعرفون من هو الخليفة المأمون
هو عبد الله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس، ولد المأمون عام 170 للهجرة هو ما يوافق عام 786 ميلادية، وهو ابن الخليفة العباسي هارون الرشيد، أمُّه جارية فارسية توفِّيت بعد ولادته بأيام بسبب مرضها بحمى النِّفاس، وقد ولد المأمون في ليلة من ليالي شهر ربيع الأول، سُمِّيت هذه الليلة بليلة الخلفاء ففيها توفِّي عم المأمون موسى الهادي وكان خليفة، وفيها تولَّى والده الخلافة وفيها ولد المأمون الخليفة اللاحق، وقد عاش المأمون في بيت الخلافة آنذاك فأبوه هارون الرشيد خليفة المسلمين، فتعلَّم وتربَّى وتثقَّف كما ينبغي للأمراء والملوك وكان فطنًا ذكيًا، وبسبب ذكائه عقد له والده الرشيد بيعة الخلافة بعد أخيه الأمين. استلم المأمون خلافة المسلمين وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وكانتْ فترة حكمه فترة ازدهار عظيمة في تاريخ العصر العباسي الأول، حيث شهد عصر المأمون ازدهارًا علميًا كبيرًا، وكان هذا بسبب تشجيع المأمون الناس على العلوم كالفلسفة والطب والرياضيات والفلك، وقد أسَّس جامعة الحكمة في بغداد فازدهرتْ الدَّولة الإسلامية في عهده، إلى أنْ توفِّي سنة 833 ميلادية في مدينة طرسوس في شمال بلاد الشام وهو في الثامنة والأربعين من عمره، فاستلم الخلافة بعده أخوه محمد المعتصم بالله
بعد أن استلمَ الأمين خلافة المسلمين بناءً على وصيّة والده هارون الرشيد، قام الأمين بتعيين ابنه موسى وليًا للعهد، فأثار هذا غضب المأمون الذي كان من المفترض أن يكون وليَّ عهد أخيه، وكان المأمون في هذه الأثناء في خراسان، فأخذ البيعة من أهل خراسان وجمََّع حوله جيشًا عظيمًا، وسار به إلى بغداد فقصفها بالمنجنيقات وخاض معارك شرسة مع أخيه الأمين، وبعد أربع سنوات من الحرب انتصر المأمون على أخيه وقُتلَ الأمين في هذه الحروب واستلم المأمون خلافة المسلمين وأصبح المشرق والمغرب بين يدي المأمون، وجديرٌ بالذكر إنَّ أهل خراسان كانوا المؤيدين الأساسيين للمأمون في حربه ضد الأمين حتَّى وصل إلى الخلافة، وكان الفرس يرغبون أن يبقى المأمون في خراسان في مدينة مرو حتَّى تصبح مرو مركز الخلافة العباسية ولكنَّ أهل بغداد بدأوا بإشعال الثورات ضد المأمون فاضطر المأمون إلى الرجوع إلى بغداد لإخماد هذه الثورات، التي انتهت على يد المأمون.
بعد أن استلم المأمون خلافة المسلمين، بدأت معالم الدولة الإسلامية العظيمة تلوح في الأفق، فاهتمام المأمون الكبير بالعلم والعلماء كان بشارة كبيرة للمسلمين الحالمين بدولة إسلامية ترجع الإسلام إلى عصره الذهبي، وكان المأمون خير حامل لهذه البشارة للناس في عهده، فقد اهتم بالثقافة العربية واليونانية اهتمامًا كبيرًا، ودعا الناس إلى ضرورة التعلم في سبيل النهضة بالأمة الإسلامية كلِّها، فأرسل البعثات التعليمية إلى القسطنطينية وافتتح جامعة الحكمة في بغداد، هي جامعة عربية فريدة فيها مكتبة لنسخ الكتب ومراكز ترجمة كبيرة ترجم فيها الكتب اليونانية، ونشر هذه الكتب بين الناس فارتفعت ثقافة المسلمين فازدادت إبداعاتهم في كافة العلوم والمجالات.وقد أنشأ المأمون مرصدًا فلكيًا في حي الشماسية في بغداد، وأنشأَ مرصدًا على قمة جبل قاسيون في دمشق أيضًا، واهتم بالشعر والأدب والفقهاء والعلماء وقرَّبهم منه، وجعل للفلاسفة الحرية التامة في الجدل والنقاش والمناظرات والأبحاث العقلية في المسائل الإسلامية المختلفة، كما كان له الفضل في افتتاح عدد كبير من المدارس في مختلف مناطق الدولة الإسلامية .
كان الخليفة المأمون أفضل رجال العباسيين، فقد كان حازمًا هادئًا داهية من الدهاة، وكان عالمًا صاحب رأي حالمًا صاحب عزم، حافظًا للقرآن الكريم، عالمًا من علماء اللغة العربية والتاريخ وفقيهًا من فقهاء المسلمين، وكان يقول: "النَّاس ثلاثة: فمنهم مثل الغذاء لا بدَّ منه على كلِّ حال، ومنهم كالدَّواء يحتاج إليه في حال المرض، ومنهم كالدَّاء مكروه على كلِّ حال"".
وقد عاش المأمون ثمانية وأربعين عامًا، وتوفِّي بسبب مرض الحمى الذي أصابه وهو في إحدى غزواته ضد الدولة البيزنطية، وكانت وفاته في منطقة اسمها طرسوس في شمال الشام، وكان هذا في شهر رجب من عام 218 هجرية، وهو ما يوافق عام 833 ميلادية، ليتولَّى الخلافة بعده أخوه أبو إسحاق محمد المعتصم بالله.