القِـيَمُ الأخْـلاقيةُ فِـي الإِسْـلامِ بقلم - الشيخ / عبد المنعم الطاهر أحمد سليمان من علماء الأزهر الشريف
القيم جمع قيمةٌ، وهي مأخوذةٌ من التقويم وإزالة الإعوجاج، ويُراد بها المُثل والمبادئ الإجتماعية السامية،والأخلاق في الإسلام؛ هي: ما ينظّم السلوك الإنسانيّ من مبادئ وقواعد مُحدّدةٍ عن طريق الوحي، بغاية تحقيق الغاية من وجود الإنسان على الوجه الأمثل، والقيم الأخلاقيّة هي: نظامٌ متكونٌ من المبادئ والمعاني السامية، المُستنبطة من الكتاب والسنّة، الموافقة للفطرة البشريّة، المكتسبة من الفَهْم الدقيق للدِّين الإسلاميّ، والتي تضبط سلوكيات التعامل بين الناس، للوصول بالفرد والمجتمع لسعادة الدُّنيا والآخرة.
والإنسان منذ قدم التاريخ وأطواره كان له تقييمٌ ثابت وواضح من بعضِ الصفات؛ مثل الكذب والنفاق، والسرقة والغش، وما إلى ذلك من صفاتٍ رفضها الإنسانُ بفطرته السليمة، وهذا يوضِّح أن للإنسان نزعةً أخلاقية؛ فُطِر عليها لا تتغير ولا تتبدل بمرور الزمن، فموقفُ النَّاس من الشجاعة والصبر والأمانة والعفة في القديم هو نفس موقفها الآن، وسيبقى كما هو مستقبلاً.
والمجتمعاتُ الإنسانية على مرِّ العصور قامت بحماية نفسها، والحفاظ على كيانها ممن يحاولون المساسَ بالمجتمع وكيانه، وذلك عن طريقِ وضع قوانين صارمة يسيرُ عليها النَّاس داخل المجتمع؛ لتكون هذه القوانين معيارًا أخلاقيًّا لهم في تصرفاتِهم وأفعالهم.
تعمل القيم الأخلاقية بشكل دائم على تأهيل المسلم كي يكون ايجابياً وفعالاً في الحياة، ومن ذلك إسهامه المتكرر في عملية البناء والتنمية الحديثة.
والقيم بمعناها الاصطلاحي الشامل تعني ( مجموعة معايير وتتكون لدى الفرد تمكنه من تحقيق هدفه في الحياة ) وقيل هي ( مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا التي يتخذ منها الناس ميزاناً يزنون بها أعمالهم، ويحكمون بها على تصرفاتهم المادية والمعنوية.)
وعلاقة القيم بالتنمية علاقة وثيقة، فالتنمية تقوم على مجموعة من القيم أهمها :القيم النظرية:وهى تعنى بالمعرفة واكتشاف الحقيقة، والتعرف على حقائق الأشياء.
توجد العديد من الطُّرق التي تُساهم في اكتساب الأخلاق الحسنة الكريمة، يُذكر منها : العقيدة السليمة، إذ إنّها تحمل صاحبها على امتثال محاسن الأخلاق، وتحجب هذا عن سيئها. الإكثار من دعاء وطلب حُسن الخُلق من الله -سُبحانه-، فقد كان من دعاء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كما ثبت في الصحيح من حديث عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ).
، القرآن الكريم هو أصل الأخلاق الإسلامية , والإسلام يربط بين القول والعمل والقيمة والسلوك . والأخلاق في الإسلام قاسم مشترك على مختلف أوجه الحياة , سياسية واجتماعية وقانونية وتربوية. وغاية الأخلاق في الإسلام بناء مفهوم (( التقوى )) الذي يجعل أداء العمل الطيب واجباً محتماً ويجعل تجنب العمل الضار واجباً محتماً، ويجعل الخوف من الله أقوى .
فالقيم الأساسية في الإسلام ثابتة لا تتغير لأنها صالحة لكل زمان ومكان وإن الأخلاق والعقيدة والشريعة ليست من صنع الإنسان ولذلك فهي قائمة على الزمان ما بقي الزمان على اختلاف البيئات والعصور وإن الحق سيظل هو الحق لا يتغير.
ولذلك فإن أبرز قواعد الإسلام هو ( ثبات القيم ) وبالتالي (ثبات الأخلاق) وإن الالتزام الخلقي هو قانون أساسي يمثل المحور الذي تدور حوله القيم الأخلاقية فإذا زالت فكرة الالتزام قضي على جوهر الهدف الأخلاقي، ذلك انه إذا انعدم الالتزام انعدمت المسؤولية وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كل أمل في وضع الحق في نصابه .
والإسلام يحمل قواعد نظرية أخلاقية متكاملة تقود إلى الفضائل في أحسن ما تكون عليه، وهذا ينبع من غاية رسالة الإسلام التي هي رحمة للعالمين.
وفي النص القرآني نجد أن كلمة (خُلُق) قد وردت مرتين :
الأولى : في رد قوم هود عليه السلام عندما دعاهم لعدم التعلق بالدنيا والتطاول بالعمران، وأن يعبدوا الله فذلك أقوم وافضل لهم . فأجابوه وفق ما جاء في الآية الكريمة { إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ(137) } الشعراء
فردهم هذا يتضمن مقولة مفادها : أن هذا الذي جئتنا به، هو سنة وعادة قوم سبقوك في الظهور، وادّعوا مثل دعواك.
وفي تلمس معاني هذه الآية الكريمة يتبين لنا أن دعوة الأنبياء والرسل كانت دوما تعتمد خطاً واحدا في منهاجها الأخلاقي الذي يقود إلى صلاح المجتمعات، وصلاح الأفراد.
الثانية : في قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) } القلم
جاء الخطاب من الله تعالى إلى النبي محمد صلى الله عليه ، وهو من كانت سيرته سنة يقتدى بها. وتؤكد كتب السيرة انه لم يكن لبشر ما كان ! للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الأخلاق، فقد كان أحسن الناس خلقاً.. وأكثرهم محبة ورأفة ورحمة.
فدلت الآية على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق أنه يكون على خلق عظيم وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق , فمن ذلك قوله تعالى:{ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237)} البقرة
فانظر ما في هذه الآية من الحض على مكارم الأخلاق من الأمر بالعفو والنهي عن نسيان الفضل. وقال تعالى:{ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)} المائدة
فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق والأمر بأن تعامل من عصى الله فيك بأن تطيع الله فيه. وقال تعال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا(36)}
-الصدق في النية والكلام والفعل: اتصف الصادق الأمين ﷺ بهذه القيمة الأخلاقية العليا، وشهد بذلك أعداؤه قبل أصحابه، ولم يصل إلى ما وصل إليه من مكانة بالكذب والحيلة والمكر، بل إن كل حياته وضوح وصدق، حتى مع أعدائه الذين آذوه وأرادوا قتله وأسره.
-الشجاعة والبأس ورباطة الجأش في المحن والشدائد: كان ﷺ أشجع الناس في حضرة المواقف الصعبة، وفر منه الصناديد غير مرة وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح، وما أحصيت له فرة، فهو قوي الإرادة شديد العزم قلبه لا يدخله جبن ولا خوف من البشر
فأما السنة
لا نستطيع أن نذكر القيم الأخلاقية دون أن نقف عند الرسول ﷺ الذي امتاز بقيمه عن غيره، فلا نقول اعتباطا أو مناكفة بأنه عليه الصلاة والسلام أعظم مجسد للقيم الأخلاقية، بل إننا فقط نسمي الأشياء بمسمياتها؛ فهو بدون أدنى شك النموذج القيمي الأعلى الذي يمثل القدوة التي لا مثيل لها، على اعتباره خير مثال يحتذى بقيمه الأخلاقية لنشر الفضيلة والتعامل النبيل عبر مختلف المواقف الحياتية التي مر بها، وهو أفضل ناقل للقيم الأخلاقية من نص الوحي إلى الواقع والحياة والنفوس والنظم والأوضاع، وتظل قيمه الأخلاقية صالحة لكل زمان ومكان وتخدم المجتمع الإنساني ككل وليس المسلمين فقط.
لقد كان واقع القيم الأخلاقية عند الرسول ﷺ أفضل شهادة على رفعة سلوكه، وعظمة تجسيده لهذه القيم تظهر بشكل بارز فيما روي عنه في السيرة النبوية، وعلى لسان أصحابه والروايات المتنوعة الأخرى، ومن بين أهم القيم الأخلاقية التي كان يتبناها الرحمة المهداة ﷺ في أفعاله وتصرفاته:
-الرحمة في التعامل: كان الرسول ﷺ رحيما بأمته وشفيقا عليها أكثر من شفقة الأم على ولدها، وقد تجلت هذه الرحمة في مظاهر كثيرة، بل وكان أرحم الناس بالناس وأرأفهم بهم؛ وليس فقط بمن يدينون بدين الإسلام فقط، بل إن رحمته ﷺ تعدت ذلك إلى الحيوان والنبات والجماد.
-الحق والعدل: أقام الرسول ﷺ العدل وضمن الحق، وكان في ذلك نموذجا في أعلى درجاته، فعدله وسع الجميع بإنصاف، لأنه وزن بالحق وأقام بالقسط، إلى درجة أنه طلب من الآخرين أن يقتصوا منه خشية أن يكون قد لحقهم حيف أو أذى، بل وحفظ حتى حقوق البهائم والحيوانات.
-الحلم والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره: لقد كان أبعد الناس عن الغضب وأسرعهم رضا، وكل حليم قد عُرفت منه زلة، وحُفظت عنه هفوة، إلا هو ﷺ لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما، ومن ذلك كان يقدم دروسا عملية في فضائل القيم الأخلاقية لا تنسى أبدا.
-الجود والعطاء والبذل: يده سخية لا يتردد عن الإنفاق، فما سُئل الرسول ﷺ عن شيء إلا أعطاه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان أجود الناس بالخير من الريح المرسلة، وبذل حياته من أجل أمته، وهذا مما فيه تأليف القلوب للدخول في الإسلام.
ومن البديهي أن يكون عظيما من اختاره الله لحمل رسالته للعالمين، وفضلُه الكثير على الخلق جعله أعظم مجسد للقيم الأخلاقية، لكونه جامعا لمكارم الأخلاق ونموذجا مثاليا حيا للإنسان المتزن والفاضل قيميا، ولا غرابة في ذلك، فالرسول ﷺ منحة ربانية للبشرية جمعاء، رباه الله فأحسن تربيته، وأدبه فأحسن تأديبه، وقد حفل القرآن الكريم بالآيات التي ترسم لنا صورة مشرقة صادقة لقيمه الأخلاقية وفضائله، وكان واقع سيرته النبوية أعظم شهادة على عظم أخلاقه ﷺ، فهو ينبوع زاخر ومتدفق بالقيم الأخلاقية، حلاه بها المنان وبعثه لينشر شذاها بين الخلائق، ولهذا كان يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وفي سياق إظهار عظمة تجسيد القيم الأخلاقية عند المصطفى ﷺ سنقوم بإلقاء نظرة عامة على تعاليمه التي تؤكد أن سلوكه مرتبط ارتباطا متشابكا بالقيم الأخلاقية التي يتحقق بها التعايش السليم المفعم بالسعادة في هذه الحياة، والثواب الوفير والنعيم المقيم في الآخرة. ويقول الرسول ﷺ: «إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها»، كما أطلق الله عز وجل على خاتم الأنبياء في القرآن صفة جامعة؛ تتمثل في قوله سبحانه: (وإنك لعلى خلق عظيم)؛ فهي شهادة عظيمة وتقويم دقيق من الله العظيم، والمصطفى ﷺ على الرغم من ذلك يتضرع إلى الله بقوله: «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت»، والملاحظ من الآية المذكورة سلفا أنها لا تذهب إلى معايير القيم الأخلاقية المتعارفة بين الناس أو تلك المدروسة في طيات فلسفة القيم الأخلاقية ونظرياتها المختلفة، إنما المقصود منظومة القيم بالمفهوم الذي يدعو إليه الله سبحانه وتعالى، فهي الأرفع والأعظم مكانة، وتجسيد تلك القيم بين البشرية بذلك التصور النبوي كانت بمثابة معجزة، ومازالت هذه المعجزة القيمية مدعاة لكثير من الناس إلى الدخول في الإسلام بإيمان تخالط بشاشته القلوب اختلاط اللحمة بسداها.
فهذه الآية تأمر بالإحسان إلى المحتاجين والضعفاء .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)} النحل
وقال تعالى:{ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151)}الأنعام
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(58)} النساء
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ(12)}
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ما يدعو إليه القرآن من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات.
فعنوان الأخلاق الإسلامية استمد منه الرحمة, الرحمة من الإنسان لأخيه الإنسان، والرحمة من الإنسان للحيوان فلا يجهده أو يحمله فوق طاقته.
والرحمة تكون من الإنسان للطبيعة فلا يعبث بثرواتها التي هي خيرات أمده الله بها.
فالأخلاق الإسلامية ينبوع رحمة يوصل إلى الفضيلة مما يثمر سعادة عامة شاملة لكل أبناء المجتمعات .
التواضع ولين الجناح: لم يثبت على الرسول ﷺ أنه تعاظم على أحد، بل وكان أبعد الناس عن الكبر، ويمنع عن القيام له كما يقومون للملوك، وكان يعود المساكين ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقر فقيرا لفقره، ويجيب دعوة العبد ولا يترفع عليهم، ويجلس في أصحابه كأحدهم.
-التعايش والسلم: آخى الرسول ﷺ بين المهاجرين والأنصار، وأقر اليهود على دينهم وحفظ أموالهم، وهو الضامن للأسس التي قامت عليه الدولة الإسلامية، وتعميم مبادئ الإنسانية والعدالة الاجتماعية والتسامح الديني والتعاون على مصلحة الدولة للحفاظ على أمنه واستقراره.
وهناك قيم أخلاقية كثيرة لا يمكن التطرق إليها جميعا، فلقد كان الرسول ﷺ جامعا لها؛ والمُركز على تجسيد الرسول ﷺ للقيم الاخلاقية سيتبين له تمحورها على مرتكزات ثلاث تعطيها قوة تأثيرية مقنعة: أولا المرتكز التحفيزي: أي تبني الرسول ﷺ للقيم الأخلاقية عمليا يحفز ويشجع المؤمنين بعظمته أن يلتزموا بها أيضا، لهذا دعا الله في القرآن إلى الاقتداء بالمصطفى ﷺ لأنه الأسوة الحسنة، ثانيا المرتكز الوقائي: من خلال الاطلاع على تجسيد القيم الأخلاقية عند النبي ﷺ يمنح الإنسان لنفسه الوقاية في مشواره الدنيوي الذي يتعرض فيه للاختبار والابتلاء. ثالثا المرتكز الاستعدادي: بمعنى أن القيم الأخلاقية المتجسدة في سلوك الرسول ﷺ تزيد من درجة التعلق به، وتجعل المرء يعيش في تفاعله الاجتماعي بصورة حسنة، لأنه يضع صوب عينيه عالم الآخرة ويستعد له حق الاستعداد.
وفي الأخير ينبغي التأكيد على أن نشر الرسالة المحمدية للعالم لن تتم بمفهومها الصحيح والشامل إلا عبر تجسيد قيمه الأخلاقية كسلوك وممارسة عملية، فالانتماء الصادق لأمة محمد ﷺ قائم على الاهتداء والتمسك بنهجه والسير على منواله، فهذا ما نحتاج إليك، لنعتبره كنظام نرجع إليه ونحتكم إليه في سلوكياتنا، ولا يكفي أن نفتخر برسولنا ﷺ دون إتباعه، فتجسد القيم الأخلاقية في تعاملاتنا سيؤدي حتميا إلى نهضة حقيقية، لذا يلزمنا أن نعبر عن حبنا العظيم للطه الأمين ﷺ ونؤكد هذه المحبة ونجددها وندعمها بالأعمال المثبتة لها في مختلف أنشطة حياتنا اليومية، لأن صدق المحبة تقضي الاحتذاء والتأسي قولا وعملا.