سياسة الإحتياطي الفيدرالي صرفت أنظار المستثمرين عن مخاطر أزمة أوكرانيا
يهدد التصعيد المحتمل للأزمة على حدود أوكرانيا، بضرب شركات وإقتصادات في مختلف أنحاء العالم، ومواجهة عدد من المستثمرين لصعوبات غير متوقعة.
جدير بالذكر أنه من الممكن أن تتسبب التوترات، التي تزداد سخونة منذ فترة طويلة بسبب تعبئة روسيا لقواتها في المنطقة، في إطلاق فترة جديدة تتقلب فيها الأسواق، في وقت تكافح فيه أسواق الأسهم لتجاوز تأثير الأوضاع السيئة في بيئة الاقتصاد الكلي التي تسببت بأحدث موجة من التراجعات.
ووسط المخاوف بشأن تحول الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى سياسة متشددة، ركزت تقييمات المخاطر من قبل المستثمرين بشكل أساسي، على احتمالات قيام البنوك المركزية بتشديد السياسات النقدية، لتغيب معها مخاطر أخرى مثل احتمال نشوب صراع عسكري على الحدود الشرقية لأوروبا، وفق ما يقوله محللو بنك "يو بي إس" (UBS)، وعلى رأسهم بانو باويجا.
وفى هذا السياق قال استراتيجيو البنك في مذكرة مطلع الأسبوع الجاري: يبدو أن أحداً لم يضع في حسبانه نسبة تذكر من المخاطر المتعلقة بروسيا وأوكرانيا.
ويذكر بأن أوروبا تعانى بالفعل من إرتفاع تكاليف المعيشة وعدم استقرار التعافي من تأثير جائحة "كورونا". وبحسب شركة "أموندي" (Amundi)، أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا، فإن إضافة احتمال غزو روسيا لأوكرانيا إلى كل ذلك -رغم إنكار الكرملين التخطيط لهذا الغزو- قد تغرق المنطقة في أزمة ركود تضخمي.
وأوضح استراتيجيو "أموندي" بقيادة أليسيا براردي، أن على المستثمرين "أن يستعدوا لتخفيض المخاطر إذا تدهورت الأوضاع على الأرض".
مع وجود احتمالات بحدوث اضطرابات في قطاع الطاقة وتطبيق إجراءات عقابية، تبدو الشركات الألمانية وشركات شرق أوروبا، وكذلك البنوك التي تركز على السوق الروسية والشركات التي تبيع جزءاً كبيراً من منتجاتها في روسيا، عرضة لمخاطر الأزمة. وفي حين لا يتوقع أن تستمر الأزمة لفترة طويلة، فإن تأثيراتها قد يكون حادة.
في ما يلي توقعات بشأن كيفية تأثير الأزمة على الأسواق:
ألمانيا وشرق أوروبا
تعد روسيا المورد الرئيسي للطاقة للقارة الأوروبية، وأي أزمة في توريدات الغاز تعتبر مشكلة نوعية بالنسبة إلى الشركات الألمانية الصناعية مثل "فولكس فاجن" و"سيمنز" (Siemens) و"بي إيه إس إف" (BASF). فقد أصبح أكبر اقتصاد في أوروبا معتمداً أكثر على الغاز الروسي مع إغلاق محطات الطاقة النووية.
تبدو أسواق الأسهم الألمانية أكثر عرضة للمخاطر من مؤشرات البلدان الأخرى، كما كتب استراتيجيو "غولدمان ساكس" بقيادة ليليا بيتافين في مذكرة.
وأضاف استراتيجيو "أموندي" أن ضربة اندلاع صراع عسكري، ستكون صعبة على أوروبا الشرقية، خصوصاً في أسواق مثل سوق وارسو. وكتبوا في مذكرة: "بعض الشركات الإقليمية لديها نشاط في أوكرانيا وتملك بعض الأسهم الأوكرانية، خصوصاً في القطاع الزراعي".
آثار مترتبة على نطاق أوسع
أوضح استراتيجيو "غولدمان ساكس" أن شركات أوروبية مثل شركة "بيريللي" (Pirelli) المتخصصة في صناعة إطارات السيارات، سوف تعاني من ارتفاع أسعار المشتقات البترولية.
قائمة الأسهم التي يستثمر فيها بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو" التي تتعرض بدرجة كبيرة لمخاطر السوق الروسية، تضم شركة التعبئة الألمانية "فيراليا دويتشه لاند" (Verallia Deutschland) وشركة "يورايجا ماينينغ" (Eurasia Mining) ومقرها في لندن، وشركة الخدمات البترولية النمساوية "بيترو ويلت تكنولوجيز" (Petro Welt Technologies).
في آسيا، يبدو أن شركات كثيرة ستتأثر نتيجة ارتفاع نسبة مبيعاتها في روسيا، من شركة "فود إمباير هولدينغز" (Food Empire Holdings) في سنغافورة، إلى شركة "جابان بتروليم إكسبلوريشن" (Japan Petroleum Exploration)، وشركة صناعة القهوة "سي سي إل برودكتس إنديا" (CCL Products India) في الهند. وبحسب استراتيجيي "مورغان ستانلي"، يمثل ذلك مشكلة أيضاً بالنسبة إلى شركة تعبئة المشروبات في سويسرا "كوكا كولا إتش بي سي" (Coca-Cola HBC).
ضربة البنوك
يقول استراتيجيو "مورغان ستانلي" إن بنك "سبربانك" (Sberbank)، وهو أكبر بنوك روسيا، يعتبر من أكثر البنوك عرضة للمخاطر الجيوسياسية.
أصبح بنك "ريفايزن بنك إنترناشيونال" (Raiffeisen Bank International) النمساوي أول بنك أوروبي كبير يعلن تجنيب مخصصات مالية للتعامل مع النتائج المحتملة لهذه الأزمة خلال الأسبوع الحالي. ويعتمد البنك النمساوي على السوق الروسية بنسبة 19% من إيراداته بحسب "غولدمان ساكس".
قال الرئيس التنفيذي للبنك، جوهان ستروبل في بيان: "إن نشاطنا يسير بطريقة طبيعية رغم التوترات الجيوسياسية. ورغم ذلك فنحن نراقب التطورات مراقبة دقيقة".
ضربة فعلية
تدهور أداء الأسهم الروسية على مدى الأشهر القليلة الماضية وسط تصاعد التوترات مع الغرب واحتمال فرض عقوبات.
صندوق "فان-إك راشا" (VanEck Russia ETF)، أكبر صناديق المؤشرات المتداولة الذي يتتبع الأسهم الروسية، يواصل دوره كوعاء استثماري يراهن ضد السوق الروسية. ففي أوائل يناير، قفزت الاستثمارات قصيرة الأجل في الصندوق إلى أكثر من 30%، في أعلى مستوى لها منذ عام على الأقل. وتشير الأرقام الصادرة عن شركة "إس3 بارتنرز" (S3 Partners) إلى تراجع هذه النسبة إلى 26% أمس الجمعة.
ملاذات آمنة؟
رغم المخاطر واسعة الانتشار، قد تصبح بعض الشركات في موقف أفضل. فسوف تستفيد شركات النفط والغاز الأوروبية –مثل شركة "توتال إنيرجيز" (TotalEnergies) في فرنسا، وشركة "إكوينور" (Equinor) في النرويج– من ارتفاع أسعار الطاقة، بينما تتجه أيضاً شركات الرعاية الصحية إلى تحقيق أداء أفضل عند ارتفاع المخاطر، وفقاً لمحللي "غولدمان ساكس".
في ذات السياق، قال استراتيجيو "مورغان ستانلي" بقيادة مارينا زافولوك، إن شركة تجارة الغذاء الروسية "مغنيت" (Magnit)، والبنك الرقمي "تي سي إس غروب" (TCS Group) قد يستفيدا من وقف التصعيد، بينما تقدم شركة النفط الروسية "لوك أويل" (Lukoil) عائداً فورياً بنسبة 23%.
اضطرابات قصيرة وعابرة
رغم مخاطر الصراع، لم يغير محللو الأسهم حتى الآن نظرتهم العامة إلى الأسواق الأوروبية. وتتمثل التوقعات في أنه حتى الاعتداء العسكري، سيؤدي إلى فترة تراجع قصيرة الأمد مثل الاضطرابات التي أعقبت احتلال روسيا لجزيرة القرم في عام 2014.
في هذه الحالة، يتوقع "غولدمان ساكس" تأثيراً سلبياً ضئيلاً على الاقتصاد الأوروبي، وأي تكلفة تتمثل في تباطؤ الاقتصاد سوف يتم تعويضها بتخفيض قيمة اليورو، والذي ينتظر ان يؤدي إلى زيادة أرباح شركات القارة.
كتب محللو "جيه بي مورغان" في مذكرة في يناير الماضي: "من الناحية التاريخية، لا تميل الصراعات العسكرية، طالما كانت على نطاق محلي نسبياً، إلى عرقلة الأسواق المالية لفترة طويلة