عاصفة الإلحاد وحماية فلذات الأكباد
يتعرض الشباب فى العالم بصفة عامة وفى وطننا العربي والإسلامي بصفة شديدة الخصوصية لموجات من الحروب الثقافية والنفسية والعقائدية بدرجة شديدة الضراوة والقساوة ولا نجاة من هذه الحرب إلا لمن استعد لها خير استعداد وتسلح بأفضل الأدوات ، خاصة وقد سقط بين طياتها كثير من الواثقين بأنفسهم المعتدين بذاتهم فقد أُخِذوا على حين غِرة ومن ثغرة لم يتوقعوا أن يؤتو من قِبلها .
اشتعلت جذوة الحرب فى أوروبا بعد ظهور الحداثة وما صاحبها من نظريات فلسفية تتمحور حول الإنسان وحريته المطلقة وعدم محدودية الفكر البشري وأن تحقيق المتعة للإنسان بكل وسيلة هى الأساس دون رقيب من دين أو وصاية من أحد وقد تلقفها الأوروبيون نظراً لمعاناتهم الشديدة لعقود طويلة من الخضوع الكامل لسيطرة وتغلل الكنيسة فى شتى مناحى الحياة .
ومع بداية القرن التاسع عشر حرص محمد على باشا على إرسال الطلاب المصريين النابغين إلى أوروبا للتعلم والأخذ بأسباب المدنية الحديثة فأرسل الطلاب فى بعثات تعليمية إلى فرنسا وألمانيا وإنجلترا لتحصيل العلوم ونقل كل ما هو جديد لانطلاق مصر نحو التطور والحداثة.
عاد هؤلاء الطلاب محملين بالعلم الحديث والمعرفة المتطورة ولكنهم حملوا انبهاراً بالغرب وحضارته وسلوكه وحملوا أيضاً مجموعة من الفلسفات الغربية عن التحرر من القيود والأفكار ومخالفة التراث والثوابت والمبادئ وكسر القيم والعادات .
لم يتقبل المجتمع المصري هذه النزعات الشاذة ولكن للأسف الشديد قد وجد البعض أن التمسك بهذه النعرات هو تمسك بالمدنية الحديثة ودليل على مواكبة الحضارة والرقي فانغمس البعض فى هذه الأفكار الهدامة التى تمثل قشور سطحية وسلبية من سلبيات الحضارة دون أن ينهل من روافد العلوم الحديثة التى تمثل لب الحضارة وقيمتها .
ومن وقت لآخر تظهر بعض الأفكار الماجنة وتنتشر فى العالم الغربى كما تنتشر النار فى الهشيم بحثاً من الشباب الأوروبى عن اشباع هوى النفس والشعور باللذة الروحية المفقودة لديهم ، ولكن العجب وكل العجب أن تجد هذه الأفكار من يتلقفها ويروج لها داخل مجتمعاتنا الشرقية التى تتميز بالمحافظة على المبادئ والأخلاق والأعراف كما تسيطر النوازع الدينية على كثير من قلوب وعقول شبابنا .
وفى السنوات الأخيرة بدأت تنتشردعوات إلحادية وإنكار لوجود الذات الإلهية ، وللأسف الشديد انجذب كثير من الشباب – على غير المتوقع – لهذه الدعوات بل وبدأ كثير منهم يجاهر بها ويدعوا إليها حتى أنها أصبحت مشكلة مؤرقة لكثير من الأسر المصرية البسيطة .
بالتأكيد المشكلة صعبة ومؤرقة ولكن ما الطرق الصحيحة لتلافي هذه المشكلة قبل ظهورها ؟ السبب الأساسي فى وجود هذه الظاهرة هو قلة العلم الصحيح والمعرفة الكاملة عن الله سبحانه وتعالى فالنشأة الدينية الصحيحة وربط الأبناء بخالقهم منذ صغرهم وكذلك قرب الآباء من أبنائهم وعدم وجود أية حواجز وإقامة علاقات من جسورالثقة المتبادلة بين الأبناء والآباء كل هذا كافٍ بصورة كبيرة فى مواجهة مثل هذه الأفكار والفلسفات الهدامة للإنسان والمجمتع.
أما وإن حدث وانجرف بعض الأشخاص إلى مثل هذه الدعوات ، فيجب إتاحة الفرصة للشاب أن يبدي كل ما عنده اقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – عندما حاول عتبة بن ربيعة تقديم عروض مغرية للنبي – صلى الله عليه وسلم – لكي يترك دعوة الإسلام، ومع أن الرجل منذ اللحظة الأولى تكلم بكلام لا يمكن للنبي – صلى الله عليه وسلم – أن يقبله إلا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تركه حتى فرغ ثم سأله أفرغت يا أبا الوليد (عتبة بن ربيعة)؟ قال نعم، ثم تلا آيات بينات بدى تأثيرها على عتبة و صاحبه هذا التأثير إلى أن عاد إلى قومه حتى قال أحدهم: (لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به) نفذت كلمات الله إلى قلبه بعد أن أبدى كل ما عنده وصار قلبه محلا لقبول ما يلقى عليه أو التفكير فيه لنعطي الفرصة كاملة لكل من يؤرقه الشك لكي يبدي كل ما في نفسه وليكن شعارنا: ” أفرغت يا أبا الوليد”.
حتى تتم مواجهة هذه الدعوات بالفكر والعلم والمعرفة وإقامة الحُجة على فساد أفكارهم وسوء عاقبتهم وضلال فكرهم وبيان الطريق الصحيح والصراط المستقيم .
وفرضت علينا هذه الظاهرة شدة الإهتمام بالأبناء منذ نعومة أظفارهم وبناء علاقة الحب لله والمعرفة به ومراقبة الله فى جميع أفعالنا وأن نكون أقرب لأبنائنا من أصدقائهم وأقرانهم وأن يكون الحوار المفتوح والمتبادل هو السمة الحقيقية التى تربطنا بأبنائنا حتى لا يسيطر على أفكارهم من لا يتقى الله فيهم.
وينبغي أن نتلقى كل سؤال يتعلق بذات الله تعالى وصفاته بكل اهتمام، فربما كان شكًّا يعتري ذهن الأبناء أو شبهة ألقيت عليهم لو لم نجد لها ردا توغلت في عقله وجذبت ما يشابهها من أفكار وإن لم تكن الإجابة حاضرة عندنا فلنبحث عنها ولا نتحامل على أبنائنا.