زَيْنَبَاتُ العِلْم والفضْل .. سيرة عطِرة وحضارة عبِقة
كريم بن إبراهيم بن أحمد
بالرجوع إلى المعجم مادة (ز ن ب) نجد أن ((الزَّيْنَبَ: شجر حسن المنظر طيِّب الرائحة، وبه سُميت المرأة))، فلا يستغرب إذًا وَصْف سيرتهن بالعَطِرة وكونُهن أسهمْن في بناء حضارة عبقة!
إنه لا غرابة البتة تعتري هذا التأصيل؛ فمن زوجات الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه الطاهرات أمهات المؤمنين زينبان: أم المساكين زينب بنت خزيمة، وزينب بنت جحش، ويكفي أن الرسول هو من سمَّاها زينب فقد كان اسمها برَّة، ومن بناته العقيلات الشريفات زينب بنت سيد ولد آدم -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن جمعاوات- وزينب بنت علي بن أبي طالب وكانت رفيعة القدر، وزينب بنت العوَّام أخت الزبير، وهي شاعرة، رضي الله عنهم أجمعين.
وإذا طالعنا أعلام الزرِّكلي وجدنا ما يروق ويُسعد ويَسر ويُبهج فزينب (المعروفة ببنت الطَّثرِيَّة، والطَّثرِيَّة أمُّها) شاعرةٌ لها في ديوان الحماسة قصيدةٌ من عيون الشعر، في رثاء أخيها يزيد ابن الطثرية، وزينب بنت سليمان أميرةٌ عباسية من ذوات الرأي والفصاحة، وزينب بنت زياد شاعرة أديبة أندلسية صاحبة صيانة مشهورة ونزاهة مرموقة، وزينب الرِّفاعية الفاضلة الصالحة الفقيهة، وزينب بنت الكمال المحدِّثة الجليلة، وزَيْنَب الغَزّيَّة شاعرة فاضلة، وزَيْنَب الشُّهَارِيَّة شاعرة نابغة وعالمة بارعة، وزينب الحرَّانية فقيهة ازدحم عليها الطلبةُ يأخذون عنها علوم الدين.
أما زينب بنت إسحاق النِّفْزاوية المغربيَّة فيكفيك أن تعرف أنها زوجة يوسف ابن تاشفين، وأنها وصفت بأنها كانت: عنوانَ سَعْده، والقائمةَ بملكه، والمدبرةَ لأمره، والفاتحةَ عليه -بحسن سياستها- لأكثر بلاد المغرب!
بل يَعرف تاريخُنا رجالا أفاضل أجلاء يقال لهم: ابن زينب، كعبد الله بن محمد بن إبراهيم الهاشمي العباسي، أبو محمد، المعروف بابن زينب: أمير، من بني العباس، وعيسى بن عبد الله بن إسماعيل، المعروف بعيسى ابن زينب: من شعراء الحماسة الصغرى (الوحشيات) كان من موالي بني أمية.
ولم يخلُ العصر الحديث من زينبات كريمات لهنَّ في الأمة بصمات وإنجازات فهناك الأديبة المؤرخة زينب بنت فَوَّاز مؤلفة "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور"، والعالمة الفقيهة زينب بنت عبد السلام أبو الفضل. ولا يزال العطر يسري، وستبقى الرائحة الطيبة تمضي ما تعاقب الليل والنهار.
تحية عطرة وسلام عبق لأمةٍ مجدها وعزها في تراث عريق يهدي لحاضر واعد ومستقبل مشرق، بفضل الله تعالى وعونه.