تحول تاريخي بأسواق السلع العالمية بعد خروج تدفقات بـ129 مليار دولار
خلال عام واحد فقط، تحول حماس المستثمرين المتفائل بالصعود تجاه السلع إلى تراجع مثير للدهشة.
يعد ذلك واحداً من أكبر تحولات المعنويات في التاريخ بشأن المواد الخام. خلال هذه الفترة، ساهمت تقلبات الأسعار الجامحة في تحفيز الاندفاع نحو عمليات الخروج التي سحبت معها 129 مليار دولار من السوق العالمية، ما يعتبر رقماً قياسياً مقارنة بأي فترة سنوية حتى منتصف ديسمبر الجاري، بحسب بنك جيه بي مورغان أند تشيس.
يأتي النزوح الأخير للأموال عقب تدفقات داخلة لسوق السلع على مدي أول شهرين من العام الجاري.
انتعش الطلب على كافة الأشياء بداية من النفط وصولاً للمعادن ذات الاستخدام الصناعي في وقت سابق من السنة الحالية، إذ تخلى العالم عن عمليات الإغلاق المرتبطة بوباء كورونا، وسعى المستثمرون للتحوط ضد معدلات التضخم العالية. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا والمخاوف من الركود الاقتصادي على مستوى العالم حولت السلع وهي أصول المتقلبة المعروفة بالتأثر بمتغيرات مثل الطقس والكوارث التي يصنعها الإنسان إلى مقامرة خطرة.
جدير بالذكر أن السلع شهدت أيضاً خلال 2020 و2021 تدفقات خارجية
على صعيد متصل تعد تلك حالة صعبة لا يمكن الفكاك منها، إذ كلما ارتفعت الأسعار، كلما تم سحب أموال أكثر، وباتت السلع أشد خطورة. تعمل غرف المقاصة على زيادة متطلبات الضمانات للحماية من حالات التخلف عن السداد، بينما تُفاقم أسعار الفائدة المرتفعة من تكاليف الاقتراض، ما يترك التداول أعلى تكلفة. تنذر أزمة السيولة بتعطيل سلاسل التوريد المتأزمة فعلاً، وتعزز من معدلات التضخم، وتقود لوقوع حالات إفلاس وخطط إنقاذ.
يحدث هذا فعلياً في أوروبا، حيث دفعت الزيادات الكبيرة بتكلفة الطاقة لدى ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة لفرض عمليات تأميم للمرافق المتعثرة، بينما يخشى مزارعو الأغذية بهولندا من اضطرارهم للتوقف عن العمل. وعلى صعيد الولايات المتحدة، طُلب من الجهات التنظيمية فتح تحقيقات حول ما إذا كان المضاربون يساهمون في تقلبات الأسعار الكبيرة.
مثلت توقعات الاقتصاد الكلي أكبر مشكلة للمستثمرين والمشاركين التجاريين بالسوق. قالت تريسي ألين، الخبيرة الاستراتيجية المتخصصة في السلع الزراعية في بنك جيه بي مورغان: في ظل صعود أسعار الفائدة التي رأيناها، يتعين زيادة عائدات السلع لتغطية التكلفة الباهظة للمشاركة بالتجارة، وعندما يصبح لدينا تقلب هائل من هذا النوع، تكون عملية إدارة هوامش الأرباح أعلى كلفة كثيراً.
حالياً، تقترب أعداد العقود النشطة وسط العقود الآجلة للخام الأميركي من مستوى هو الأدنى منذ 2014. وتدور العقود المفتوحة بسوق الغاز الطبيعي الأوروبي الرئيسية، والتي تعرضت لواحدة من أشد عمليات صعود الأسعار المتطرفة لأي سلعة، حول أدنى مستوى لها منذ 4 أعوام تقريباً، رغم أنها لا تعد جزءاً من حصيلة التدفقات الخارجة الخاصة بـ"جيه بي مورغان".
وهبطت العقود المفتوحة الخاصة بالقمح المتداول ببورصة شيكاغو مؤخراً لأدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية التي وقعت في 2008، وتراجعت السيولة النقدية بالعقود الآجلة للنيكل المتداولة ببورصة لندن بالقرب من مستوى هو الأدنى منذ 8 أعوام تقريباً.
يأتي الانخفاض في وقت تزيد فيه غرف المقاصة للسلع متطلبات الضمانات لمستويات عالية تاريخية للوقاية من مخاطر خروج السوق عن السيطرة. زادت هوامش الأرباح للعقود الآجلة للنفط الأميركي لأقرب شهر استحقاق لتصل إلى 12 ألف دولار خلال العام الجاري، لتواكب أقصى حدود 2020 عندما بات النفط يباع بالسالب. مع نهاية أكتوبر الماضي، بلغت الهوامش 7500 دولار تقريباً، أي أعلى بـ50% تقريباً من السنة السابقة. على صعيد نفط خام برنت، المعيار العالمي، صعدت هوامش الأرباح 60% مقارنة بذات الفترة من السنة الماضية، وتخلت هوامش الأرباح للعقود الآجلة القياسية للغاز الأوروبي عن مستويات ذروتها، لكنها لا زالت تزيد عن ضعف ما كانت عليه قبل سنة.