الإقتصاد الأمريكي يندفع نحو دائرة عدم اليقين الكبير .. إشارات متضاربة للبيانات الاقتصادية
يندفع الإقتصاد الأمريكي حاليا نحو ما يسمى حالة عدم اليقين الكبير التي تتكون نتيجة تضارب إشارات البيانات الإقتصادية المختلفة، مع تركيز أكبر على سياسات التصنيع التي تقودها الدولة من خلال ضخ كميات ضخمة من الأموال العامة في قطاعات مستهدفة خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، وتصاعد غير متوقع للمشكلات الجيوسياسية.
ويزداد الأمر تعقيدا بسبب نقاش شامل ومثير للجدل غالبا حول التحول في مجال الطاقة والمخاوف من التغير المناخي، في ظل الإحباط من الأوضاع السياسية الراهنة وتنامي ظلال تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وكل هذا يزيد إحتمالات إستمرار تدهور الأوضاع الإقتصادية قبل أن تبدأ التحسن، بحسب تحليل للدكتور سكوت بي. ماكدونالد كبير المحللين الاقتصاديين في مؤسسة سيمثز ريسيرش آند جرادينجز، نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، كما يعني "عدم اليقين الكبير" بأن الأمريكيين متشائمون.
وبحسب استطلاع للرأي لصحيفة "يو.إس.أيه توداي" ومؤسسة سافولك، نشرت نتائجه يوم 22 أكتوبر الماضي، يعتقد 17 في المائة فقط من الأمريكيين أن بلادهم تمضي في الاتجاه الصحيح، في حين يرى 71 في المائة من الأمريكيين أنها تسير في الاتجاه الخطأ، والنسبة الباقية لم تحدد رأيها، وفقا لـ"الألمانية".
وتضمن الاستطلاع سؤالا يقول "إلى أي مدى تثق بقدرة قادة البلاد (إدارة الرئيس جو بايدن والكونجرس) على التعامل مع التحديات الكبرى التي تواجهها الأمة؟"، وقال 4 في المائة فقط ممن شملهم المسح "إن لديهم ثقة كبيرة"، وقال 32 في المائة "إن لديهم بعض الثقة"، في حين قال 34.5 في المائة "إن الثقة محدودة للغاية"، وقال 27 في المائة "إنهم لا يثقون أبدا بهم".
وتعكس حالة "عدم اليقين الكبير" استمرار الفشل في تحقيق التوقعات الاقتصادية. فقد أظهرت البيانات الصادرة على مدار العام خطأ توقعات كثير من الخبراء والمؤسسات الاقتصادية في الولايات المتحدة بالنسبة إلى أسعار الفائدة، وكرروا الحديث عن انتهاء دورة زيادة أسعار الفائدة وعن بدء دورة خفض الفائدة.
كما اتضح خطأ الخبراء والمؤسسات الاقتصادية بالنسبة إلى الركود القادم.
فقد تحدث عديد عن المحللين في وول ستريت ومؤسسات التصنيف الائتماني عن ركود الاقتصاد خلال الصيف الحالي وهو ما لم يحدث.
والآن يتحدثون عن الركود خلال الربع الأخير من العام الحالي والربع الأول من العام المقبل، في حين حقق الاقتصاد الأمريكي نموا قويا بمعدل 4.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الثالث من العام.
ويقول سكوت ماكدونالد الباحث الزميل في كونستريوم السياسات الكاريبية والباحث الزميل في مؤسسة جلوبال أمريكانز، "إن هناك أسبابا وجيهة لكي يتوقع المراقبون تدهور حالة أكبر اقتصاد في العالم، في مقدمتها بدء التأثيرات الضارة لأسعار الفائدة المرتفعة، مع تباطؤ حاد في نمو القروض الجديدة، ما يثير التساؤلات حول مستقبل سوق سندات الشركات التي تحتاج إلى إعادة تمويل الديون خاصة بالنسبة إلى الشركات ذات التصنيف الائتماني الجيد التي تعتمد على القروض رخيصة التكلفة كمصدر للحياة".
وسيؤدي ذلك بالطبع إلى انكماش أرباح الشركات وتسريح العمال وأيضا إشهار الإفلاس. وبحسب تقديرات مؤسسة إس آند بي جلوبال للتصنيف الائتماني فإن معدلات تخلف الشركات الأمريكية عن سداد ديونها يرتفع ومن المتوقع وصوله إلى 4.5 في المائة من الشركات بحلول يونيو 2024 مقابل 3.5 في المائة في يونيو الماضي.
كما تضررت سوق المساكن الأمريكية بشدة من أسعار الفائدة المرتفعة، حيث تراجعت مبيعات المساكن القائمة إلى أقل مستوياتها منذ 2009 - 2010 في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وهناك حالة جمود حاد في سوق المساكن بسبب ارتفاع أسعار فائدة التمويل العقاري وأسعار المساكن المرتفعة ونقص المعروض.
في الوقت نفسه تشير التقديرات إلى تراجع آفاق أرباح الشركات خلال العام المقبل. ومع توخي الحذر، قدم كثير من الشركات تقديرات أكثر تشاؤما بالنسبة إلى الأرباح المستقبلية، حتى تتمكن من إعلان نتائج تفوق التوقعات بهدف تعزيز ثقة المساهمين بها.
وأخيرا يقول سكوت ماكدونالد في تحليله "إن اتجاه الاقتصاد الأمريكي ما زال غامضا. فالتحول إلى الطاقة النظيفة وفك الارتباط مع الصين يمثلان تطورات إيجابية بالنسبة إلى سوق العمل والصناعة الأمريكية، التي قد تساعد في التغلب على أسعار الفائدة المرتفعة. ومن المهم التأكيد رغم ذلك على أن هذا التوازن بين النمو المستمر حاليا والركود دقيق للغاية". وهنا تجدر الإشارة إلى مقولة جروتشو ماركس الممثل الكوميدي والإعلامي الساخر الأمريكي الشهير "إن عبور قطة سوداء أمامك في الطريق يعني أنها متجهة إلى مكان ما".
وهذا هو التحدي الذي يواجه أي شخص يحاول توقع مسار الاقتصاد الأمريكي، حيث هناك عديد من القطط السوداء التي تعبر طريقنا، وبالتالي سيكون من الصعب توقع الاتجاه الصحيح الذي يمضي فيه الاقتصاد. ولذلك يقول ماكدونالد "إن توصيته هي ضرورة ربط الأحزمة والتقشف، لأن رحلة عدم اليقين الكبير ستزداد حدة خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في خريف 2024".