بقَدْر ما تُيسِّر شريعتنا السَّمحة أمورَ الزَّواج على الشباب، فهي أيضًا تَرعاه وتحميه وتَحرص على نجاحة وديمومته بمِثل ذلك القدر؛ كلُّ ذلك لصالح الأسرة والمجتمع عمومًا، ومن أجْل ثمرة هذا الزَّواج وأسمى أهدافه، وهم الأبناء بشكلٍ خاص، وإن كان الطَّلاق مشروعًا فهو آخِر الحلول وأبغَض الحلال كما يَعلم الجميع.
من المصائب التي حطَّت رِحالَها في ديارنا: انتشارُ زواج مَشبوه تحت أسماء متعدِّدة، اختلطَت فيها الأمورُ على النَّاس ولم يعُد الفرد يعرِف لها - على كثرتها - حلالًا مِن حرامٍ، وعلى رأس قائمتها الطَّويلة ما يُطلق عليه الزَّواج العرفي.
الزَّواج العرفي بمفهومه الجديد كما انتشَر بين طلَبة بعض الجامعات: عقدٌ في الخَفاء، مُقتصر على ورَقة يَكتبها شابٌّ لفتاة، دون وليِّ أمرٍ وشهودٍ، وصَداقٍ وإشهار، فهو على هذه الصُّورة زواجٌ باطِل يترتَّب عليه علاقة محرَّمة عند جمهور علماء الشَّرع.
لا يَخفى على عاقل أنَّ مِثل هذا الزَّواج في مُعظم حالاته لا يَعدو كونه مَصيدة يوقِع فيها شابٌّ مات ضميرُه فتاةً متمنِّية غافلة في شِراكه، لا هدَف له سوى الوصول لعلاقة محرَّمة بالخِداع والوعود الكاذِبة دون وجود أدنى نيَّةٍ للاستمرار، وحتى لو وافَق أهلُ الفتاة لاحِقًا ليُصبح زواجًا صحيحًا للستر على ابنتهم فهو غالبًا سيكون من المتنصِّلين.
كما يقال: فإنَّ القانون لا يَحمي المغفَّلين؛ وعليه فإنَّ أيَّ فتاةٍ هذه الأيام تقَع في مثل هذا الحرام لن يُقبل لها عذْرٌ، ولن يَتسامَح معها المجتمعُ، وسيَعتبرها شريكةً في الجريمة وليست ضحيَّةً لها إنْ هي رضيَت بهذه الطَّريقة لتسلِّم نفسَها طواعيةً لذِئب في رداء إنسان تحت مسمَّى زواج، أمَّا إنْ كانت تَعلم الحقيقةَ وترضى بمِثل هذه الرُّخصة الزَّائفةِ لقبول الحرام، فهذه كارِثةٌ، ومن علامات الانحِدار الأخلاقيِّ في مجتمعاتنا الإسلاميَّة والعربية المحافِظة.