أنباء اليوم
الجمعة 8 نوفمبر 2024 02:46 صـ 6 جمادى أول 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

حوار مع جلاله الملك أحمد فؤاد الثاني وأسرار تعرفها لأول مره

اعداد بحثي ...سماح الصاوي
نقلآ عن إحدي المجلات المصريه في هذا العصر نود ان ننقل لقراء جريده أنباء اليوم المصريه الحوار الذي دار مع الملك أحمد فواد في هذا الوقت حيث بدأ المحاور كتابه حواره بهذه الكلمات :
استقبلني الملك السابق أحمد فؤاد بابتسامته اللطيفة، ووجدته طويل القامة والهيبة رجلا شديد الأناقة والذوق؛ سرعان ما تلمس في معاملته أدب الملوك وتواضع الكبار، في نظرة عينيه ذكاء حاد وحزن يحاول أن يخفيه بتبسمه ومرحه، لكنه لا يستطيع. وهو متدين ويصلي بانتظام ويصوم ويقرأ القرآن وتجد عشق مصر يجري في دمه.
وجدتني في شقة تجمع بعض تحف مصر؛ قطع أثرية، بقايا صولجان القوة والملك، فانتابني شعور بأني في أحد أجنحة الملك فاروق في قصر عابدين؛ ولاحظت لوحات راقية لرموز مصر التاريخيين وهم أجداده، أبرزهم محمد علي، الملك فؤاد الأول (الذي سمي على اسمه)، الملك فاروق، وكلها عليها تواقيع رسامين عظام، أبرزهم الفنان الفرنسي الشهير كودلير الذي رسم بعض اللوحات بأمر من ملك فرنسا لويس فيليب ردا على هدية جده والي مصر، كما لاحظت أنه يحتفظ بصوره والأسرة مع ملوك العرب (الملك فهد والملك حسين والملك الحسن الثاني رحمهم الله).
جلست معه في منزله؛ لأتعرف على جوانب من تفكيره، وكنت معدا للبقاء معه ساعة فإذا بالحوار يطول أكثر من ذلك، لم نشعر بالوقت فقد غصنا في حياة الملك فاروق حتى اختفى فينا واختفينا فيه.
_ ما هي ذكرياتك مع والدك الملك فاروق، ماذا تعرف عنه؟
عندما مات أبي كنت في الرابعة عشرة من عمري، كان يعيش في إيطاليا، بينما أرسلني وشقيقاتي: فريال، فوزية، وفادية للإقامة والتعليم في سويسرا؛ لأنه كان يخشى علينا من الاغتيال، وكان يرى في سويسرا مكانا أمينا لنا ولتعليمنا، كان دائما يحدثني عن مصر وعظمة تاريخها وعراقة حضارتها، وكانت مصر دائما على لسانه في كل وقت ومناسبة، كان يهتم بأن أتعلم التاريخ وحضارة بلدنا، وكان يهتم بأن أحفظ القرآن الكريم، وكان بنفسه يعلمني المبادئ الرئيسة للإسلام، وهو أيضا الذي علمني الصلاة، وكان كل مساء يسألني إذا كنت ما أديت الصلاة في وقتها أم لا؛ لكونها أفضل الأعمال عند الله وهو ما جعلني حتى اليوم أعشق تأدية الصلاة في وقتها، ولله الحمد فقد نشأت على ذلك منذ الصغر، ونما في قلبي حب الصلاة، ولهذا أحس الحديث الشريف لرسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم- «...وجعلت قرة عيني في الصلاة».
_ هل كان أبوك متدينا؟ معذرة لهذا السؤال فالصورة التي أعرفها عن والدك غير ذلك، ومع هذا هي حياته الخاصة وما يعنينا أسلوبه ودوره في حكم مصر.
- على عكس كثير مما يظن الناس فإن والدي –رحمه الله- كان مؤمنا شديد الإيمان بالله وكان يؤدي فروض ربه، ويتصدق كثيرا، ولم يؤذ إنسانا قط في حياته رغم شدة المعارك، ووضاعة الأساليب للنيل من سمعته وتاريخه، لكن الحق ظاهر فلا يجب اتباع الظن، فقد قال تعالى «إن بعض الظن إثم» لكنه لم يكن نبيا ولا ملاكا، بل كان بشرا.
_هل كنت تعرف أشخاصا من مصر أو من البلدان العربية في منفاك؟
- لقد حرص والدي إبان تلك الفترة على ألا أقيم وشقيقاتي أية علاقات مع أشخاص من مصر أو من المنطقة العربية، حيث كانت الأوضاع السياسية متوترة وقلقة، فكان يخشى على حياتنا؛ فلم تكن لنا أية صداقات مع مصريين أو عرب طيلة فترة صباي ومطلع شبابي، وكان أبي يعوضنا بصداقته لنا، وكانت بالفعل أسعد أيام حياتي حينما كنا نقضي معه أوقات العطلة المدرسية، كان شديد الحنان والكرم والحب، ولم يحمل أية ضغائن لأي شخص مهما بلغت درجة عداوته لوالدي.
_قلت: إن والدك كان يحثك على دراسة تاريخ بلدك، فهل درسته أم دراستك الجامعية حالت دون ذلك؟
- بعد الانتهاء من دراستي الجامعية؛ عكفت على دراسة تاريخ بلدنا العريق، وتوسعت في دراسة الفترة التي حكمت فيها عائلتي مصر، وهي 165 سنة، وعرفت ماذا قدمت أسرتي وعائلتي لمصر، وإني فخور جدا بأنني مصري، وأحمد الله على كون عائلتي صنعت مجد وتاريخ مصر الحديث.
_ هذا هو والدك الأب، فماذا تعرف عن والدك الملك؟ هل عرفت عنه شيئا من والدتك أم من الكتب أم من المخلصين له؟
- عرفت والدي الملك أولا منه شخصيا، ومن والدتي الملكة ناريمان، ثم من بعض خاصته ومستشاريه، وأحب أن أوضح لكم أن والدي –والحق يقال- حينما كان ملكا كان محبوبا لدى الشعب المصري، وكان المصريون يهرعون إلى لقائه والهتاف بحياته، تلك حقيقة تاريخية ويعرفها جميع المواطنين الذين عاصروه، وقد لمسوا منه صدق حبه إلى بلاده، فهو أحب مصر بقوة، وكان ملكا وطنيا ضد الاحتلال البريطاني، وكسر أنيابه واحتقر عملاءه، وكاد بسبب ذلك يفقد عرشه عندما حاصرت دبابات جيش الاحتلال قصر عابدين في حادثة 4 فبراير 1942 الشهيرة.
_ بكل صراحة ماذا كانت مأساة الملك فاروق؟
- مأساة الملك فاروق أنه أصبح ملكا في السادسة عشرة من عمره، وعندما بلغ الثامنة عشرة كانت الحرب العالمية الثانية قد شبت، واضطربت الأحوال الإنجليزية فيها؛ لانتصار القائد الألماني روميل على حدود مصر الغربية، فكان تخبطهم واضطرابهم ونزقهم في التعامل مع السيادة الوطنية المصرية؛
ويسكت آخر ملوك مصر، ويرحل بخاطره بعيدا ينهل من ذاكرته عبق التاريخ الخاص بوالده، وبنفس الحرارة والحماس، والنبرة الهادئة التي بدأ بها حواره معنا يقول:
والدي هو الذي أدرك توحيد البلدان العربية، فدعا ملوك ورؤساء العرب في أول قمة عربية في أنشاص؛ لإقامة جامعة الدول العربية، والرحلة الرسمية الوحيدة التي قام بها والدي إلى الخارج كانت إلى المملكة العربية السعودية؛ حيث كانت الصداقة بين مصر والسعودية متينة، وهي التي كانت وراء قيام جامعة الدول العربية.
هناك أمر آخر أود تسجيله ألا وهو أن والدي الملك فاروق هو الذي أمر الجيش المصري بالزحف إلى فلسطين في مايو 1948؛ للحيلولة دون قيام إسرائيل على أنقاض الوطن العربي في فلسطين، وأعلن الحرب بالرغم من أن رئيس الوزراء في ذلك الوقت محمود فهمي النقراشي باشا عارض بشدة؛ لكونه ود تأجيل القرار.
ويا ليته سمع حتى يستعد أفضل، فقد ذهبنا إلى الحرب دون استعداد وتدريب، وكانت قضية الأسلحة الفاسدة.
لم يكن يتخيل أن دولة عربية يمكن ابتلاعها في مسرحية دولية، فلم ينتظر، وكان صادقا في وطنيته، وواثقا في جيشه لكن لسوء الحظ لم ينجح الجيش المصري في إنقاذ فلسطين المهم هنا أن إرادة والدي كانت واضحة ضد قيام دولة إسرائيل، ودخل وجازف بالحرب دفاعا عن العروبة والقومية واستمرار الوطن فلسطين، والحفاظ على حقوق شعبه المظلوم.
يتوقف ثانية يعيد ترتيب أفكاره، ثم يقول وهو يقدم لي الحلوى والشاي بكل تواضع: شيء آخر هام؛ النظام الملكي ظل قائما بعد حركة الجيش في 23 يوليو، وكنت أنا ملكا لمدة 11 شهرا بمجلس وصاية شكله مجلس القيادة الثورة برئاسة الأمير محمد عبد المنعم، تلك حقيقة تاريخية، وقد رفض والدي بشكل قاطع أن يكون سببا في إراقة دماء مصرية فمنع وحدات الجيش التي كانت تدين بالولاء له من الاشتباك مع من قاموا بالانقلاب العسكري؛ كانت وحدات من البحرية والحرس الملكي وكثير من الضباط طلبوا منه أن يأذن لهم بالتدخل، وطلبوا خطة طوارئ عاجلة إلا أنه منعهم من الرد، وآثر الخروج من البلاد وتنازل عن العرش كي يحقن دماء المواطنين، ولا يكون سبباً في إراقة نقطة دم واحدة يسأل عنها يوم القيامة، لقد كان يدرك والدي أن الأوضاع في حاجة إلى إصلاحات وتغيير، وقد حاول تغيير كثير من الوزارات والحكومات من أجل النهوض بمصر، فمن الظلم أن يعتبر المسؤول الأول والأخير عن السلبيات والأخطاء والنقائص، فمصر كانت دولة ديمقراطية برلمانية ووالدي كان ملكاً دستورياً؛ بمعنى أنه كان يملك ولا يحكم، وكانت الصحافة حرة واعتادت على توجيه الانتقادات الحادة له؛ بل كثيراً ما رفضت الحكومة وكذلك البرلمان طلبات الملك.
_ هل من مثال؟
- في عام 1951 عندما طلب الملك تزويد القصور الملكية بأجهزة تكييف ورفض طلبه، فقد كان ملكاً عادلاً ورمزاً للوطن وراعياً للدستور؛ وقائداً للجيش، وحرص على تحقيق توازن بين القوى السياسية لكنه كان يمارس ذلك عبر الحكومة والتي تتحمل المسؤولية أمام البرلمان.
يبتسم ويعلق ضاحكا: الطريف أنه حينما آلت هذه القصور إلى الثورة زودتها الحكومة بأجهزة تكييف أغلى بكثير من التي كان قد طلبها الوالد.
_ ثمة أقوال تتردد أن الملك بعد قيام الثورة قد أخذ ثروة طائلة أثناء خروجه من مصر وأنه تركها لك.
يضحك مستغربا ثم يقول؛ حينما قامت حركة الجيش؛ كان الملك فاروق في مقرة الصيفي بالإسكندرية، ومن المعروف أن كنوز العائلة المالكة والتي هي ثروة قومية كانت في قصر عابدين والقبة بالقاهرة، وقد غادر والدي البلاد في عجلة من أمره، فقد كانت المهلة التي أعطيت له 24ساعة لمغادرة البلاد، ولذلك لم يأخذ معه سوى ما كان لديه من ممتلكات في الإسكندرية فقط؛ وهي أشياء صغيرة جدا، وقد عاش والدي في روما كملك في المنفي محاطا بحاشية من خاصته وموظفيه؛ كان مسئولا عنهم ويعولهم وذلك أدى حين وفاته إلى تركي وشقيقاتي في حالة جد صعبة ودقيقة كنت في الثالثة عشرة من عمري، وكان عليَّ أن أواصل دراستي، وبالطبع عشت وإخوتي البنات سنوات قاسية ولله الحمد تمكنت من إنهاء دراستي بالحصول علي ليسانس في العلوم الاقتصادية؛ أتاح لي فرصة الالتحاق بعمل كريم كمستشار في مؤسسة اقتصادية عالمية.
_هل صحيح أن الرئيس السادات أول من أعترف بك كمواطن مصري؟
(يصمت قليلاً ويرحل بخاطره بعيداً ثم يقول:)
- كثيرون من الأمراء والنبلاء حينما يكلموني يظنون أن الرئيس أنور السادات هو أول من أعترف بي كمواطن مصري بسبب إعلانه ذلك وقتها أمام الشعب؛ وهذا صحيح لكن جمال عبد الناصر فعل ذلك قبله؛ فلم تكن لدي أوراق تثبت جنسيتي؛ فبعثت أطلب شهادة ميلادي؛ فأمر شخصياً باستصدار الشهادة وتم التوقيع عليها قبل وفاته بشهر.
_لكن لك قصة مع الرئيس السادات؟ أعتقد أنه كان يحترمك ومعجب بك.
- قصتي مع الرئيس السادات تعود حينما انتصرا الجيش المصري في حرب أكتوبر, وكانت مصر في حاجة إلى مساعدة كل أبناءها, فأسرعت بإرسال مبلغاً من المال مساهمة مني للمجهود الحربي, كان وعلم بما تبرعت به وتأثر كثيراً وقرر أن ترد لي الجنسية المصرية وتسليمي جواز سفر مصري”. وكانت هذه نقلة كبيرة فتشجعت بطلب منه أن يسمح بنقل رفات أبي إلى مسجد الرفاعي حيث يرقد والده وأجداده؛ وفوجئت بسرعة استجابة الرئيس السادات لطلبي. وهي مبادرة إنسانية لا أنساها له, كما أتذكر له لفته طيبة حينما تزوجت أرسل لي تهنئة رقيقة ومعها هدية قيمة جداً سيف والدي بل وسمح لمولودي الأول محمد علي بأن يولد في مصر والمفارقة أن الطبيب كان الدكتور مجدي باشا, الطبيب الذي قام بعملية ولادتي من أمي الملكة ناريمان.ولكني لم أذهب مع زوجتي وأرسلت شقيقتي الأميرة فوزية معها وكم كانت فرحتنا كبيرة حيما زارت السيدة جيهان السادات زوجتي في المستشفى لتهنئتها بسلامة الولادة
_ بصراحة وبكل ديمقراطية ألا تحلم بالعودة إلى ملك مصر؟
- هذا مستحيل, فليست لي أية أطماع سياسية وقد كبرت وتجاوزت الخمسين؛ ثم أنه بكل موضوعية أؤكد بأن الملكية كانت مرحلة من مراحل تاريخ مصر وانتهت إلى الأبد وتعيش مصر عصر الجمهورية.
_ ماذا لفت نظرك في مصر خلال زياراتك إليها؟
- بصراحة أول مرة زرتها فوجئت بالزيادة السكانية العظيمة , فمصر عام 50 كانت تقريبا 30 مليون اليوم تتجاوز ال90 مليون وهذا يؤثر على الاقتصاد غير إن المصريين يسكنون ثلث البلاد ويتركون ثلثين كبيرين لكن الجميل إن الحكومة متواصلة في عمليات البناء والإصلاحات.
_هل تعلم أن كثير من المصريين المقيمين في فرنسا يعشقون الملك فاروق ويذكرون محاسنه؟
- أنهم بذلك يذكرون شبابهم ويتذكرون أيام مصر الجميلة.
_وفي الختام سألته ماهي أمنيتك؟
- أن يوفقني الله في تربية أبنائي وبناتي كما يليق بعائلتنا العريقة وأن يحفظ الله مصر وشعبها ويوفق رئيسها للخروج بالبلاد بسلام من وسط أمواج وعواصف العولمة والمعطيات السياسية والدولية والرهانات الإقليمية؛ كما أتمنى أن أعيش في مصر وأسرتي الكريمة حيث أتمنى أن يتربى أبنائي في بلدهم وليس في الغربة فمصر أعظم وأعرق دوله في التاريخ
رحم الله الملك فاروق وأطال في عمر جلاله الملك أحمد فؤاد الثاني