حكاية شارع
كتبت- أميرة عبدالعظيم
شارع المتنبي في بغداد ليس مجرد شارع عادى مثله كمثل باقى الشوارع بل إنه عقودا من الفكر والتنوير
يمتد شارع المتنبي بمحاذاة دجله
وبالرغم من مرور تسعة قرون على إمتداده هذا إلا أنه ما زال المكان الوحيد الذي لم تصبه الشيخوخة فقد اختزن تاريخها وتحوّلاتها بين مكتباته وأزقته ومطابعه رغماً عن تبدّل العهود وتعاقب الحكومات.
هل لنا أن نتعرف عن نبذه تاريخيه عن شارع المتنبي؟
لقد سمّاه العبّاسيون درب زاخا وهي مفردة آرامية الأصل أو سوق الوراقين. وسمّاه السلاجقة شارع الموفقية نسبة الى مدرسة الموفقية الكائنة فيه وقتها بينما أطلق عليه العثمانيون اسم الأكمكخانة أي شارع المخابز العسكرية لوجود تلك المخابز مقابل المعسكر التركي وقتئذ.
أين يقع هذا الشارع من بغداد وفى أى عصر نشأ؟
يعود هذا الشارع الواقع في قلب بغداد بمنطقة يطلق عليها اسم القشلة إلى أواخر العصر العباسي والذى قدإشتهر منذ ذلك الحين بإزدهار مكتباته وقد ضم أعرق المؤسسات الثقافية.
ويبدأ الشارع الذي يمتد لأقل من كيلومتر بتمثال للمتنبي مطل على نهر دجلة، وينتهي بقوس بإرتفاع حوالى 10 أمتار نقش عليه بيت الشعر الأشهر للمتنبي الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
وجدير بالذكر أن أسماء هذا الشارع قد تغيرت أكثر من مرة منذ تأسيسه في زمن الدولة العباسية (132 - 656هـ) فقد بدأ بـدرب القلغ وسوق السراي وشارع حسن باشا
لكن ماهو سبب تسميته حسن باشا
ثم من بعد ذلك المتنبى؟
سبب تسميته حسن باشا لأن القائد العثماني حسن باشا فتحه أول مرة ليكون مسلكًا يذهب من خلاله إلى جامع السراي.
وقد سماه الملك غازي عام 1932 باسمه الحالي شارع المتنبي تيمنًا بشاعر الحكمة والشجاعة ابو الطيب المتنبي.
ومازال هذا المكان اليوم هو خامس أهم شارع للثقافة في العالم حسب تصنيف الأمم المتحدة.
وتحول شارع المتنبي في أوائل التسعينيات إلى ملتقى للمثقفين كل يوم جمعة حيث يتم عرض آلاف الكتب وتنتشر فيه مكتبات الرصيف.
ومن المعروف أن هذا الشارع يختصر ثقافة البلد حيث تزدهر فيه تجارة الكتب بمختلف أنواعها ومجالاتها حيث تعج بالمئات من المكتبات التي تعرض آلاف العناوين ومخطوطات نادرة فضلاً عن باعة الأرصفةحيث يفترش أصحابها آلاف العناوين ومن طبعات نادرة إضافة إلى إقامة المعارض الفنية والمجالس الثقافية ومنابر التعبير عن الرأي والمعارض الفنية والمقاهي والمنتديات الثقافية كما تتواجد فيه مطبعة تعود إلى القرن التاسع عشر.
وتباع في هذا الشارع الذي تحيط بجانبيه أبينة تراثية كانت تشكّل معًا مقر الحكم العباسي، كافة أنواع الكتب، وعلى رأسها السياسية والاجتماعية والتاريخية، وتتراوح أسعارها بين 250 دينارًا ومئات آلاف الدنانير.
ويجتمع في شارع المتنبي كل يوم جمعة عدد كبير من المثقفين والفنانين، والمهتمين قادمين من مختلف محافظات العراق للاطلاع على آخر الإصدارات من الكتب وما يحتاجونه للقراءة.
سمعت عن تعرض شارع المتنبي لحادثة تفجير فهل هذا صحيح؟
نعم لقد تعرض شارع المتنبي في الخامس من آذار/مارس 2007 تعرّض إلى تفجير سيّارة مفخخةتركت فوق بسطات الكتب أكثر من ثلاثين ضحيّة ودمّرت عددًا من المكتبات مع أصحابها منها المكتبة العصريةومقهى الشاهبندر التاريخي وعدد من المباني المجاورة وبقيت حينها ولأكثر من يومين سحب دخان الحرائق التي التهمت المكتبات التاريخية تغطي سماء شارع المتنبي بعد أن تحول إلى ركام وأنقاض قبل أن يعاد افتتاحه رسميًا عام 2008 بحلة جديدة وأضيف إليه رمزه الشاعر المتنبي بنصب جديد من البرونز الذي أقيم قريبًا من نهر دجلة.
وإكتسب شارع المتنبي أهميته من المطابع التي يضمها والمكتبات العريقة إذ توجد فيه أول مطبعة تعود إلى القرن التاسع عشر وتضم مكتباته كتبًا ومخطوطات نادرة ومن أهم مكتباته الأولى مكتبة المثنى والنهضة والمكتبة العصرية، وكذلك كثير من دور النشر، فضلاً عن أقدم المجلدين وأول مزاد للكتب في بغداد الذي أسسه الراحل نعيم الشطري إذ كان يصدح ذلك الرجل منذ أول صباح الجمعة حتى الظهيرة معلنًا عن أمهات الكتب وأسعارها.
ولا تجري عمليات بيع وشراء الكتب في شارع المتنبي بشكل كبير إلا يوم الجمعةإذ قد تختفي بعض الكتب طيلة أيام الأسبوع ولا تظهر إلا يوم الجمعة حيث يجتمع عدد كبير جدًا من المثقفين والطلاب والمهتمين والباحثين وقد كانت هذه السوق يومًا تمثل قِبلة للسياح والأجانب.
أتمنى لى ولكم يوماً ما زيارة هذا الشارع العريق الملئ بالثقافة العربية
والإسلامية.