يقف في منتصف قاعه المحكمة "بيت العدالة" معترفًا بجريمته والفساد الذي اقترفته يداه علي مر عهود، مدافعا عن الحق ولكنه في نفس الوقت فاسد، ولم يكن فساده وليد تلك المرحلة بل أنه سبقها بمراحل عديدة.
مشهد واحد في فيلم "ضد الحكومة" لخص فيه الفنان الراحل أحمد زكي حال مصر بشعبها ومسئوليها، مقرًا في النهاية أننا "كلنا فاسدون" بشكل أو بآخر، فتختلف الطرق والمجالات والفساد يظل واحدًا، لا استثناءً لأحد ولا محاباة لآخر، حتى الساكت عن الحق أو الفساد أقر أحمد زكي في مشهده التاريخي أنه فاسد. كثيرون منا في الحياة يعتقدون أنهم الملائكة البيضاء في عالم يملئ الكثيرون من الشياطين، ولكن الحقيقة المؤلمة التي تظهر جلياً و قد لا تعجب الكثيرين وهي أننا كلنا فاسدون، ولا أستثنى أحدًا من تلك المقولة ، فى الحقيقة لا يوجد مدلول صريح لكلمة فساد فى ذهني سوى أنه الشيء المناقض والمضاد لأي صلاح فى المجتمع، فالفساد من وجهة نظري هو تغيير فى طبيعة الأشياء للأسوأ، وهو انتهاء صلاحية الأشياء مما يجعلها غير صالحة للاستخدام الآدمي ومن هنا يأتي السؤال المنطقي، إذا كان هذا تعريف الفساد، فلماذا لا تنتهي صلاحية الفاسدين.. فيبدو أن فساد البشر عكس فساد الأشياء تماما لأن الفاسدين يترعرعون ويزداد نفوذهم كلما زاد بطش فسادهم، والغريب أن الفساد ينمو وينتشر ويتشعب في كل الاتجاهات، حتى إنه أصبح منظومة تبدو في ظاهرها سوية ولا غنى عنها. إذا دخلت هيئة السكة الحديد فستجد الفساد في انتظارك يطل برأسه من نوافذ ومكاتب المسئولين أو قد يقابلك الموت من أحد شرفات القطار وربما محروقاً ، باختصار لن يقابلك إلا الفساد فهو الذي سيرحب بك في مملكته التي سيطر عليها وعشش فيها، والفساد لم يكن حديث العهد بهذا الكيان العتيق بل يمتد عمره عقوداً طويلة وباتت لديه القدرة علي أن يهزم أي وزير للنقل ، و هنا أقول أن الوزير السابق هشام عرفات أحد أفضل من تولوا منصب وزير النقل، واستقالته خسارة لكفاءة كبيرة، ولكنه يدفع ثمن مسئوليته السياسية وثمن وجودة في مستنقع الفساد في السكة الحديد. حقًا يا عزيزي كلنا فاسدون، وكلنا مهملون، وكلنا يعتقد إنه بشرًا من نوع آخر، ولكن إذا أردنا أن نغير من حال البلاد، فلابد أن نغير من أحوالنا وأنفسنا أولًا، فالدولة تتكون منا، فنحن الشعب، فإذا استطاع كل منا أن يغير سلوكه، فسوف تتغير أحوالنا ونقضى على الفساد والإهمال. في واقع الأمر أن إرهاب الإهمال ربما يكون أخطر وطأه من إرهاب الأخوان لأن الإهمال منتشر بيننا في كافه نواحي الحياة اليومية حاسبوا أنفسكم و تطهروا من الفساد أو الإهمال ، فإذا كنت ترى نفسك لست بفاسد أو مرتش أو مهمل فشجع الجميع على ذلك، واطلب القصاص من الفاسدين، وإن كنت ترى نفسك فاسدًا فعليك بإصلاح نفسك قبل غيرك؛ فالحياة قصيرة، ولا نعلم متى ينتهي العمر، فكن إيجابيًا، وعاهد نفسك على أن تغير عيوبك أولًا قبل مطالبة الآخرين بتغيير أنفسهم. يجب أن يتم الضرب بيد من حديد على كل فاسد أو مهمل ، أن شاهدت حاله من هؤلاء يجب أن تبلغ فوراً الرقابة الأداريه وإلا ستكون مشترك في جريمة حتي بصمتك. . ويختتم أحمد زكي مشهده في ذلك الفيلم بإقرار منه أن الجميع فاسدون لا استثناء لأحد: "أبناء العجز والإهمال والتردي كلنا فاسدون .. كلنا فاسدون، لا أستثنى أحدًا، حتى الصمت العاجز الموافق قليل الحيلة".