أماكن لها تاريخ ” دار الأوبرا المصرية
"
كتب -- محمد السيد رمضان
في مثل هذا اليوم عام 1988 تم افتتاح مبنى دار الاوبرا
ونقص لك عزيزي القارئ في السطور التاليه قصة هذا الصرح العظيم
دار الأوبرا المصرية، أو الهيئة العامة للمركز الثقافي القومي افتتحت في عام 1988 وتقع في مبناها الجديد والذي شُيد بمنحة من الحكومة اليابانية لنظيرتها المصرية
ويعتبر هذا الصرح الثقافي الكبير الذي افتتح يوم 10 أكتوبر عام 1988هو البديل عن دار الأوبرا الخديوية التي بناها الخديوي إسماعيل العام 1869 واحترقت في 28 أكتوبر العام 1971 بعد أن ظلت منارة ثقافية لمدة 102 عاما.
ويرجع تاريخ بناء دار الأوبرا القديمة إلى فترة الازدهار التي شهدها عصر الخديوي إسماعيل في كافة المجالات. وقد أمر الخديوي إسماعيل ببناء دار الأوبرا الخديوية بحي الأزبكية بوسط القاهرة بمناسبة افتتاح قناة السويس، حيث اعتزم أن يدعو إليه عدداً كبيراً من ملوك وملكات أوروبا. وتم بناء الأوبرا خلال ستة أشهر فقط بعد أن وضع تصميمها المهندسان الإيطاليان أفوسكانى وروس. وكانت رغبة الخديوي إسماعيل متجهة نحو أوبرا مصرية يفتتح بها دار الأوبرا الخديوية، وهي أوبرا عايدة وقد وضع موسيقاها الموسيقار الإيطالي فيردي لكن الظروف حالت دون تقديمها في وقت افتتاح الحفل، فقدمت أوبرا ريجوليتو في الافتتاح الرسمي الذي حضره الخديوي إسماعيل والإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث وملك النمسا وولى عهد بروسيا.
وكانت دار الأوبرا الخديوية التي احترقت فجر 28 أكتوبر العام 1971 تتسع لـ 850 شخصا، وكان هناك مكان مخصص للشخصيات الهامة واتسمت تلك الدار بالعظمة والفخامة.
افتتحت دار الأوبرا الجديدة رسمياً في عام 1988 تحت اسم «المركز الثقافي والتعليمي»، وسميت بذلك لأن وكالة اليابان للتعاون الدولي (JICA) لا تمنح معونات لمشاريع ترفيهية وتمنحها للمشاريع التنموية والصحية والتعليمية فقط.
و في عام 1989 تم إصدار قرار تكوين المركز بمسماه الحالي «المركز الثقافي القومي» باعتباره هيئة عامة تضم الأوبرا المصرية والبيت الفني للموسيقى « الفرق الأوبرالية والتراثية».
يقع المركز الثقافي القومي «دار الأوبرا الجديدة» في الجزء الجنوبي من جزيرة الزمالك الواقعة بين فرعي النيل وسط القاهرة، وعلى مسافة قريبة من صروح ثقافية واجتماعية، أبرزها متحف النحات محمود مختار وتمثال الزعيم سعد زغلول وحديقة الحرية والنادي الأهلي وشارع أم كلثوم.
وقد أتاح الموقع الفريد للمبنى في الجزء الجنوبى من الجزيرة ووفرة مياه النيل في هذه المنطقة وكثرة الأشجار في الحديقة المحيطة لهذا المكان أن يكون محتوى طبيعيًا ممتازًا لدار الأوبرا الجديدة.
وتطل واجهة المدخل الرئيسي لدار الأوبرا على تمثال سعد زغلول في مدخل كوبري قصر النيل، وتطل الجهة القبلية على شارع التحرير، والواجهة البحرية تطل النادي الأهلي، أما الواجهة الغربية (الخلفية) فهي تطل على شارع الجبلاية
كلفت الحكومة اليابانية شركة «نيكن سيكي» الإستشارية بتصميم المبنى والإشراف على تنفيذه. وقد قامت الشركة بدراسة مستفيضة حول دار الأوبرا القديمة والتي كانت تشتمل على حوالي 800 مقعد كما قامت الشركة ببعض الدراسات التفصيلية عن المسارح المصرية والمسارح العالمية الحديثة وبناء على هذه الدراسات قامت الشركة بتقديم اقتراحاتها عن التصميم وكذلك المساحات والإحتياجات اللازمة لدار الأوبرا الجديدة. وقد شكلت قطعة الأرض المشيد فوقها المشروع عقبة في التصميم نظراً لعدم انتظامها، لذلك قامت الشركة بطرح عدة إقتراحات للتصميم حتى استقر المبنى على هذا الشكل النهائي، وهو من تصميم المهندس المعماري الياباني كويشيرو شيكيدا (Koichiro Shikida)، وقد قام بتصميمه على الطراز الإسلامي الحديث وفقاً لطلبات الجانب المصري الذي كان يضم عدد من المهندسين المتخصصين في الجوانب المعمارية والتشكيلية والفنية. حيث قام الجانب المصري متمثلاً في هذه اللجنة الفنية المشكلة لهذا الغرض من وزراة الثقافة بإبداء بعض الإرشادات والتوجيهات للوصول إلى الشكل الملائم للتصميم العام وبالاخص شكل القبة والعقود حتى تبدو متجانسة مع الشكل العام للمشروع، علاوة على ملائمتها للبيئة المصرية المشيدة فوق اراضيها. وقد وضعت القباب لتعطي المشروع الطابع الإسلامي وكذلك العرائس على حافة المبنى من أعلى ولا يظهر فراغ القبة الكبيرة من الداخل فهي مركبة فوق جمالونات حديدية. وحتى لا يتسبب مبنى الاوبرا الجديد في أي عوائق بصرية للمباني المحيطة تم بناؤه على ارتفاع منخفض قدر الإمكان، حيث حاول المصمم التدرج بالارتفاعات من مبنى متحف الفن الحديث (باعتباره أقل ارتفاع) وحتى القبة السماوية ( باعتبارها أعلى ارتفاع في الموقع)، حيث تمثل القبة التي تغطي المدخل أقل مستوى في الإرتفاع، ثم تدرج بالارتفاع في الصالة الرئيسية حتى وصل إلى أقصي ارتفاع للمبنى في القبة الكبيرة فوق خشبة المسرح (42,5 من مستوى الدور الارضي).
كما راعى المصمم في تصميمه التغيرات المناخية للبيئة المصرية والتي تتصف بأشعة الشمس القوية في الصيف ووجود فروق قوية في درجة الحرارة مابين فترة الظهيرة والليل، لذلك تم تحفيز الخواص الطاردة للحراة للحوائط الخارجية والأسقف، وتصغير حجم النوافذ بقدر الإمكان، وكذلك تم عمل حديقة داخلية وتأمين مساحات نصف مفتوحة لتأمين التهوية بطرق طبيعية، بالإضافة إلى تصميم مسرح خارجي مكشوف بسعة 600 مقعد متحرك يصلح للعروض الصيفية والندوات. اما مواد البناء المستخدمة فقد روعي أن يتم استخدام مواد بناء محلية طويلة الأمد بقدر الإمكان، فعلى سبيل المثال استخدم في الحوائط الخارجية حجر صناعي مصري محلي وذلك للتقليل من الاعباء المالية لعمليات الصيانة في المستقبل.
تميزت المعالجات الداخلية والخارجية بدرجة عالية من الفخامة والبساطة في آن واحد، حيث تم استخدام بياض الحجر الصناعي في معالجة الواجهات الخارجية والتي حاول المصمم إضفاء الطابع المحلي عليها باستخدام العقود والعرائس والزخارف والفتحات الصغيرة الطولية والشبابيك المعقودة على محيط القبة الخراسانية الصغيرة المغطية لسقف بهو المدخل.
أما بالنسبة للمعالجات الداخلية فقد تم استخدام الرخام والزخارف الجصية في معالجة أرضيات وحوائط صالات الإستقبال الرئيسية وكذلك بالنسبة للممرات الخارجية والمغطاة بمجموعة من العقود. كما تم معالجة صالات التدريب على أعلى مستوى فني حيث تم تركيب أرضيات الصالات من الخشب لحماية الراقصين ولقدرته على امتصاص الصوت، بينما زودت الحوائط بعوازل صوتية مركبة على صوف زجاجي. وقد استوردت جميع الخامات والمواد اللازمة من اليابان باستثناء الرخام من ايطالية والخشب والارضيات من السويد.
تم توزيع العناصر الوظيفية للمبنى على سبعة طوابق (مستويات)، بحيث تقع العناصر الرئيسية للمشروع على طول المحور الرئيسي وتتوزع الخدمات على جناحين إلى اليمين واليسار. يشغل الدور الارضي مستويين، ويتكون من بهو المدخل وصالة المدخل وحديقة داخلية ومسرح مكشوف وصالات الإستقبال والصالة الرئيسية بارتفاع أربعة مستويات، والصالة الصغرى ومعرض للأعمال الفنية وغرف الإدارة والموظفين، بالإضافة لخدمات المسرح من غرف للفنانين وغرف تدريب ومخازن ودوارات مياه وخلافه. أما البدروم فيحتوي على غرف الخدمات الميكانيكية والتكميلية.
ويشتمل الدور الأول على المستوى الأول من البلكون وفراغ الصالة الرئيسية وبهو إنتظار وصالتين للعرض المتحفي وصالة عرض الفنون ومكتبة موسيقية وورشة وغرف للتدريب والبروفات والدراسة وغرف للتحكم والصوتيات وإدارة خدمات المسرح الاخرى. بينما يشتمل الدور الثاني على المستوى الثاني من البلكون وفراع الصالة الرئيسية، أما الدور الثالث فيشتمل على المستوى الثالث من البلكون وصالة استقبال وغرفة لكبار الزوار. ويضم المستوى السادس والسابع من المبنى المستوى الرابع للبلكون وبعض الخدمات الفنية.
فور احتراق دار الاوبرا القديمة ، اجتمع مجلس الوزراء بعد ثلاث أيام من أحتراقها وأعتمد مبلغ 200 ألف جنية للشروع في بناء دار الأوبرا الجديدة. وفي مايو 1972م قام محمد عبد القادر حاتم نائب رئيس مجلس الوزراء للثقافة والإعلام بوضع حجر الأساس في أرض الجزيرة أمام مبنى مجلس قيادة الثورة، ومع ذلك لم يتم التنفيذ. كما أبدى الرئيس أنور السادات في أكثر من مناسبة اهتمامه بإعادة بناء الأوبرا وأنه سيتم توفير الأعتمادات المالية اللازمة لإعادة بنائها إلا أن ذلك لم يحدث.
وفي أثناء تلك الفترة تعددت المشروعات المقدمة من بيوت الخبرة الأجنبية لإنشاء دار الأوبرا، حيث تقدم بيت خبرة ألماني لبناء الأوبرا بتكاليف 60 مليون جنية، كما تقدم أحد بيوت الخبرة في النمسا وبعض المستثمرين بمشروع ثقافي تجاري متكامل لا تتحمل مصر فيه أي تكاليف بشرط أن تستغل النمسا أرباح المشروع لمدة 35 عام، يئول بعدها إلى الملكية المصرية. وكان آخر هذه المقترحات مشروع إيطالي قدم إلى عبد الحميد رضوان وزير الثقافة آنذاك، ولكن كل هذه المشروعات لم يكلل لها النجاح لترى النور.
وفي بداية الثمانينات تشاور السيد يوسوكي ناكائي سفير اليابان في مصر مع المسئولين عن قطاع الموسيقى بوزارة الثقافة المصرية حول إمكانية تخصيص إحدى المنح التي تقدمها اليابان لمصر في بناء مركز ثقافي تعليمي، وكانت هذه المشاورات بداية تمهيدية أخذت طريقها إلى التنفيذ أثناء زيارة الرئيس مبارك لليابان في مارس سنة 1983م. حيث قررت الحكومة اليابانية بمناسبة هذه الزيارة ودعماً للعلاقات الثقافية بين البلدين تقديم منحة مالية لاترد قيمتها 6 مليارات و485 مليون ين ياباني (33 مليون دولار أميركي) لبناء دار أوبرا جديدة في القاهرة كمشروع (بناء مركز تعليمي وثقافي).
وفي 31 مارس 1985، قام الرئيس حسني مبارك بوضع حجر الأساس لدار الأوبرا بأرض الجزيرة، وفي مايو من نفس العام بدأت شركة كاجيما اليابانية، في البناء وتنفيذ التصميمات. وقد تم الإنتهاء من أعمال التشييد والبناء تماماً في 31 مارس 1988، أي بعد 34 شهرا من بدء العمل. وقد شارك في تنفيذ المشروع حوالي 30 مهندسًا وإداريًا يابانيًا مع حوالي 500 مصري، جميعهم عمال باستثناء ستة مهندسين.
افتتحت دار الأوبرا الجديدة في العاشر من أكتوبر سنة 1988 بحضور الرئيس حسني مبارك، والأمير الياباني توموهيتو أوف ميكاسا، وهو الشقيق الأصغر لإمبراطور اليابان، والملك سلمان بن عبد العزيز وكان وقتئذ أميرا لمدينة الرياض. وشهدت القاهرة تلك الليلة احتفالاً رسمياً وثقافياً وفنياً كبيراً، فقد انتشرت مجموعات من عازفي الإيقاع وفرق الخيالة الذين حملوا الأعلام الملونة في تشكيلات بدءا من أول كوبري قصر النيل من ناحية ميدان التحرير وحتى نهايته، كما أحاط طلبة الشرطة بقاعة تمثال سعد زغلول المطل على الأوبرا وأضيئت الشموع والشمعدانات داخل الساحة الداخلية للأوبرا. ووسط هذه المواكب تقدم مبارك لقص الشريط وإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية وقد التف حوله كبار الموسيقيين والفنانين والمثقفين والمبدعين المصريين والعالميين إلى جنب ضيوف الاحتفال من وزراء وأمراء وسفراء وشخصيات سياسية.