أنباء اليوم
الأحد 22 ديسمبر 2024 03:44 صـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

مرفت النبوي تكتب : حامد جمال حامد .. ”شهيدٌ في بيتي”

الشهيد / حامد جمال حامد
الشهيد / حامد جمال حامد

عاش الطفل الصغير في كنف أبويه وإخوته في بيتٍ يسوده الحب والمودة والخير .

كان طفلاً مدللاً من الجميع ، يعيش بعفوية إبن الريف ؛ وأحياناً كان يتعامل معهم كأنه أصبح شاباً يعتمد عليه رغم صغر سنه .

زُرِعَت فيه صفات قلما نجدها في أطفال جيله ، فنجده شغوفاً بأن يصبح رجلاً ؛

يمشي شامخاً لا يقبل الإهانة من أي أحد مهما كان ، لأن بداخله ذلك البطل الذي يتحمل دوماً مسؤولية وطن بأكمله .

إبتسامته لا تفارقه ،، إبتسامة طفولية ، وشأنه عظيم .

بعد أن تكونت اللبنات الأولي لهذا الطفل في مصنع الأسرة ، ولا تدري تلك الأسرة أنها تصنع بطل من أبطال الكلية الحربية ؛ فصنعت هذا البطل : ( ملازم أول حامد جمال حامد ) إبن قرية شها - مركز المنصورة - محافظة الدقهلية ، الذي ولد عام 1994م ، والذي تدرج في مراحل التعليم المختلفة حتي تخرج في المدرسة الثانوية التي أطلق عليها اسمه بعد ذلك ، ثم التحق بالكلية الحربية عام 2012 م .

كان الطالب حامد من المتلهفين علي دراسة كل علوم الدفاع عن وطنه .

كانت التدريبات والدراسة في الحربية رغم مشقتها إلا أن شغفه بأن يدافع عن كل شبر في وطنه وأن يزج بالنيران في وجه كل من يريد بمصر سوءاً كان شغله الشاغل ، وأن يتخرج في مدرسة الدفاع .

كانت علاقته بزملائه يملؤها الحب والود ، حيث كان جذاباً للأصدقاء في كل مكان منذ الطفولة وفي الكلية حتي قادته ، فكل من يتحدث معه صغيراً أو كبيراً كان يتمني أن يصبح صديقاً له ، فعنده قبولٌ ووجهه ضاحكاً مستبشراً .

كان الجميع يعاملونه بكل إحترامٍ وتقديرٍ ، وكذلك أبناء عمومته وأقاربه الصغار رغم أن بينه وبينهم فرق سن صغير كانوا ينادونه بلقب ( عمو حامد ) إحتراماً وتقديراً له .

كان أثناء إلتحاقه بالكلية الحربية وفي كل إجازة يقضيها معنا وسط الأسرة والأهل والأصدقاء يقص علينا مدي حبه لهذا الكيان العظيم ، ومدي استفادته من كم العلوم والتدريبات وبالأخص سلاح الصاعقة الذي ثبَّت أقدام هذا البطل ليصبح بعد تخرجه قائد فصيلة مشاة للكتيبة 536 مشاة ميكانيكا / اللواء 15 مدرعة / الفرقة السادسة.

لأنه كان لا يهاب أعداء الله والوطن .

أطلق عليه أصدقائه في الكلية الحربية لقب ( حامد Fox )

ما أجملك " حامد " بهذا اللقب ، وما أجَلُّ هذه المتشابهات بينك وبين أسد الله " حمزة بن عبد المطلب " الذي دافع عن وطنه ودينه حتي لفظ أنفاسه ف المعركة ضد أعداء الدين والوطن ، وذاك في غزوة أحد حتي الجبل ارتجف لشهداء أحد ، فحينما وقف عليه رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ارتجف الجبل لهول الموقف ، ومن كثرة الشهداء ، فحدثه رسولنا الكريم - صلي الله عليه وسلم - قائلاً : « إثبت أحد فإنما عليك نبي وصِديِق وشهيدان » البخاري

ويشاء الله أن يلقبك أصدقاؤك ( بثعلب الصحراء ) و ( أسد الله) فيا لها من قوتين عظميين .

قبل تخرج البطل بأيام قلائل كتبت شقيقته هاجر علي صفحتها الشخصية علي فيس بوك ، تتباهي به قائلةً : «حين تدق هذا الباب ! أتمني رؤيتك بتلك البدلة الميري ، ذات الشرف العسكري ، لأقول لهذا العالم .... أنا أخي ضابط يزين كتفه تاج العسكرية »

قبل تخرجه بأيام وعلي مدونته الشخصية نشر فيديو أغنية « مفيش في الدنيا أغلي من الوطن ده...... »، وفي يوم 29 يوليو كتب « باقي من الزمن 24 ساعة علي التخرج » .

وقبل أن يترك جدران وذكرياته الجميلة داخل الكلية الحربية كتب رسالة لأصدقائه قال فيها « إشبع من أصحابك علي قد ما تقدر »

مع بورتريه بخط يده ، قال فيه : « ظابط وناوي أموت شهيد » . وكأنه توصيلاً لرسالةٍ لما بعد سبعة أشهر من تخرجه ، ولم يعلم مدي تحقق هذه الأمنية في القريب العاجل .

تخرج حامد في الكلية الحربية دفعة 109 حربية ، في 30/7/2015 ليشهد له هذا التاريخ علي حبه ووفاءه لمصر ولوطنه ولكل الشعوب العربية والإسلامية .

بعد تخرجه عمل في سيناء وبالاخص في منطقة بئر العبد تولي فيها قائد فصيلة مشاة 536

فماذا بينك يا حامد وبين الله أن تكون قائداً منذ الصغر وحتي في مكان عملك وأن تتولي مسؤولية بلد بأكملها في صحراء بلادك ، مكان يكسوه إرهابيون وأعداء لله والوطن ؛

ظل يدافع ويقاوم هو وكل ضابط ومجند ممن كانوا تحت قيادته لإسترداد الأرض والعرض ، ومجابهة الفكر الذي زرعه أعداؤنا في أبنائنا من تلك الأجزاء المسلوبة المنهوبة من أرض بلاده .

استشهد الكثير من ضباط الدفعة 109 ، وكان أول شهبد منهم الشهيد البطل / أحمد زهران ؛ فما كان في هذه الدفعة إلا الشجاعة منذ حلف اليمين لأخذ حق الشهيد :

وتوالت الأحداث ودافع هو وزملائه في كل مكان في مصر لردع بؤرة الإرهاب ، وسقط منهم الشهيد والمصاب ؛

وكان من مصابي هذه الدفعة أيضاً الملازم أول / أحمد عبد اللطيف الذي فقد ساقه ولكنه حاول وحاول للدفاع عن الوطن ، عبد اللطيف فخر الحربية في المصارعة فرغم إصابته البالغة بفقد ساقه إلا أنه فاز علي بطل اليابان في المصارعة ؛

وتستمر إنجازات البطل وذلك بتشجيع القائد الإنسان الرئيس عبد الفتاح السيسي له ولكل من ينتمي إلي الكلية الحربية أو الشرطة ، وكل أبناء هذا الوطن .

كانت آخر مداهمات البطل حامد خلال خدمته في بئر العبد وكانت شبيهة الحرب فقد فيها زملاءً له ، سالت دماؤهم حتي روت الصحراء ،وكان هناك العديد من موتى الإرهابيين كما حكي البطل أنه كان يوم صعيب علي الجميع حتي عليه نفسه لأنه تعرض فيه للموت أكثر من مرة .

لكن الإرهابيون ترصدوا لهذا الكمين ؛ وقد زرعوا في طريقه العبوات الناسفة ، شاهدهم البطل حامد من مكان في الكتيبة ، وعندما هبط ليتفحص الأمر ورصد مكان زرع العبوات الناسفة ؛

فقد أبطل مفعول عدة منها ولكن يشاء الله أن تشتبك إحداها برجله ، وكانت الملعونة التي أودت بحياة البطل .

يحكي زملاؤه لوالده : أنه لم يمت في نفس اللحظة ؛ لكن

أثناء نقل البطل في سيارة الإسعاف كان وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أوصاهم :« قولوا لأمي متزعليش ابنك عاش بطل شريف ومات بطل ، أنا جبت حق اصحابي وبلدي، ثم قال: خافوا علي تراب البلد دي علشان فيها دمي ودم كل الشرفا؟

ومن شدة النزف استشهد الغالي وكان قد نظر مكانته في الجنة ، كان ضاحكاً بنفس ابتسامته وهو في الدنيا ؛

( وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللٍّهِ أَمْوَاتَا بَلْ أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِهِْمُ يًرْزَقُونْ ، فَرِحِينَ بِمَّا ءَاتَاّهُمْ اَلّلهُ مِنْ فَضلِهِ وَيَسّتَبْشِرُونْ بِالْذِينَ لَمْ يَلحَقًوا بهم من خلفهم أَلَّا خَوْفُ عَلَيْهُمْ وَلَّا هُمْ يَحْزَنُونْ ) آل عمران «169،170»

استشهد البطل حامد جمال حامد العفش في يوم الجمعة 11/3/2016 وشُيع جثمانه الطاهر في جنازةٍ عسكريةٍ إلي مسقط رأسه .

حضر لوداعه كل من يعرفه ومن سمع عنه ومن لم يعرفه إلا بالقلب ، وحزنوا حزناً شديداً علي هذا البطل وقابلوه باليافتات والهتافات لنعي جمال حامد ومنها : لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله ، وأيضا : نام يا حامد نام وارتاح حقك راجع مش هنخاف ...

نزل خبر إستشهاد البطل علي الجميع كالصاعقة ، لكن نزول الخبر علي أبويه كان مختلفاً ! توقع الجميع شق الثياب والنياح وقول ما يغضب الله ، لكن ما حدث غير ذلك ، لما يا سادة ؟ لأننا في حضرة شهيد وبيت شهيد .

استقبل الأب الخبر بمكالمة تليفونية بقوله " إنا لله وإنا إليه راجعون " لله ما أعطي وله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل مسمى .

أما أم الشهيد فما كان إلا أن أنزل ربها علي صدرها ثلج وبرد ، وما قالت إلا مايرضي ربها وشهيدها :

« روحت في حفظ الله يا حامد ورجعت في حفظ الله ».

تكريماً لروح طاهرة ضحت بنفسها في سبيل راحة وطن بأكمله ودفاعه عنه ضد الارهاب ، فقد خُلد إسم الشهيد البطل علي مدرستين ، ولا نعلم أيضا ماذا بينه وبين الله أن يحدث هذا ؛

إحداها في مسقط رأسه وهي المدرسة ألتي تخرج فيها

من الثانوية العامة أصبح إسمها : مدرسة الشهيد حامد جمال حامد الثانوية المشتركة بشها مركز المنصورة محافظة الدقهلية ؛

والمدرسة الثانية بمسقط جسده شهيداً وهي مدرسة : الشهيد حامد جمال حامد للتعليم الأساسي بعرب القريني ، وهي حالياً نجمة مدارس وادي سدر بالعريش محافظة شمال سيناء .

في حفل تأبين الشهيد حامد الذي أقيم بالمدرسة التي تشرفت بحمل إسمه في قريته شها، قد شهد هذا الحفل حضور جميع قيادات التربية والتعليم وكذلك القيادات العسكرية بمحافظة الدقهلية ، وأيضاً أهله وأصدقاؤه وطلاب المدرسة .

نعته إبنة عمه عائشة رمضان حامد في حفل التأبين وقد كتبت هي كلماته وقالت :

« كان الشهيد حامد جمال حامد يواجه الإرهاب علي أرض سيناء الحبيبة ، ولم يخف الموت ، ولذلك منَّ الله عليه بالشهادة ، وملأ الكون برائحة المسك العطرة ، ولسوف يظل في قلوبنا وعقولنا إلي أن نلقاه إن شاء الله في الجنة ، تحية وسلام لبطل النضال الشهيد ملازم أول حامد جمال حامد » .

ومن الأقوال التي وجدناها قد كتبها علي صفحته قبل استشهاده:

أروي أرضك بدمي ... أرضي يا حته مني ... وصِي ولادك عليّا ... إوعِي تضييع القضية ..

قولي لابويا حقهُ علي ، كان نفسي أحقق أمله فيا .....

والله ياما غصب عني وربنا شاهد عليّ ....

قوليِ لأخويا مينكسرش وخليك سعيد متتهزمش......

عيشي حياتك وافرحي علشان في قبري تريحيني .....

ولما آصحابي فاتوني روحي معاهم ومش نسيوني ......

حامد جمال حامد ... ضابط ومات شهيد ... هنا تعلمنا البطولة

عاصرت ورصدت وكتبت : مرفت النبوي

موضوعات متعلقة