إيمَان حَجاج تكْتَب ” مُنْتَصَف الْعُمْر ”
يُزعجنا الإحساس بالتغيير فبعد أن كنا ننظر إلى المستقبل و نتعجله أصبحنا ننظر إلى الزمن نظرة استعطاف أن يتوقف قليلًا كي نلتقط أنفاسنا..
الحياة و الزمن يتسارعان و نحن نلهث من ورائهما و ها قد انتصف العمر و أبيض الشعر و تغيرت الملامح ، هذا زميلي و رفيق دربي ما الذي حدث له ؟
أراه و قد أصبح مظهره مظهر الشيخ العجوز رغم أنه في الأربعين و تلك زميلتي قد أصبحت تشبه أمها إلى حد كبير و تلك خالتي أصبحت جدة ضعيفة واهنة و هذا ذهب و هذا مرض و الحال تغير كثيرًا..
عندما تفعل بنا الدنيا الأفاعيل و تحين هذه اللحظة من التفكير و التأمل في هذه الرحلة و يحين الوقت الذي نتيقن فيه أن الحياة رحلة لها بداية و نهاية ، هنا قد يلوم البعض نفسه على أنه لم يحقق ما كان يحلم به من أهداف و أنه تأخر كثيرًا فى تحقيق ما كان يفكر فيه من إنجازات و أنه أخطأ في هذا و لم يحالفه الحظ في ذاك و قد يشعر بالتعب من هموم الدنيا و مشاغلها و مشاكلها و قد يشعر باليأس من إصلاح أولاده أو رضا زوجته أو تحقيق آماله أو يشعر بالملل و الرتابة من عمله و حياته أو أن يقارن حاله بحال بعض أقرانه الذين حالفتهم الحظوظ و حققوا النجاحات و ارتفعوا في الثروة و الجاه أو في الشهرة و العلم وقد ينظر إلى المستقبل و قد أضناه التعب و أرهقته المطالب و بدت له الدنيا على حقيقتها و علم أنه لن يهنأ فيها و أنه خلق ليعمل و يكد ...
و ما يزيد الأمر تعقيداً هو فقدان الأحبة و الأصدقاء أو حتي الخوف الدائم من فقدانهم..
و أسوأ ضلالة في هذا الوقت هو إحساسك بأنك قد تكون أسأت اختيار شريك حياتك أو عدم رضاك عن أبنائك ، هم منك و إليك و هم ماضيك و حاضرك و مستقبلك فلا تثر عليهم و تنقلب على نعمة وجودهم في حياتك ..
و مما يفاقم الإحساس بالعمر و مسيرته ظهور المرض و ضعف اللياقة و ثقل الجسد و الحقيقة أن الشيخوخة و العجز أمر نسبي جسديا و نفسيا فهو لا يرتبط بعمرك معدودا بالاعوام و لكنه يرتبط بقدرتك و قوتك الجسدية و بنفسيتك ، أعرف أُناساً ممن تخطوا الستين و لكنهم يحملون في صدورهم قلوب الشباب و علي الجانب الآخر شباب ثلاثيني يعتنقون أفكار و هموم الشيوخ و العجائز...
و رغم علمنا بهذا كله فنحن نستسلم جسدياً و نفسياً ، نستسلم حين نترك الحركة و السعي و الرياضة و نركن الي الخمول و الراحة ، نستسلم حين نسمح لخيبة الأمل أن تسكن قلوبنا و نفوسنا ، نستسلم حين نسمح للضلالات بالتمكن منا و من عقولنا..
كلنا يحلم بالإستقرار و الراحة و إنتهاء المسئوليات و لكني أصدقك القول أن هذا لن يحدث إلا عند المرض و الوهن و العجز او حين نبلغ من العمر ارذله..
كلنا له أحلام و أهداف و لكن ينبغي أن نعرف أن كل ما علينا هو السعي و المحاولة و هذا هو جوهر الحياة... فالمواطن العادي لا يختلف عن الثري أو الوجيه فكلاهما يستطيع أن يشعر بالراحة و السعادة بطريقته ، كلنا بشر مهما اختلفت الدرجات لنا صفات و عادات مشتركة ، لا يستطيع الثري أن يطيل عمره لحظة أو أن يكون متيقظا دون ان ينام او أن يشتري السعادة دون أن يبذل الجهد في السعي إليها ، إحساسك بالنقص هو الذى ينغص عليك حياتك و شعورك بالحاجة هو الذي يكدر عليك صفوك..
أيها الشباب في منتصف أعماركم و في ذروة قوتكم ، تعالوا لننظر الي منتصف العمر نظرة أخرى .
لقد نجاكم الله طوال هده السنوات من مهالك و مشاكل و تغلبتم بعونه على الكثير من المتاعب و المصاعب و اعطاكم من فضله و لسوف يعطيكم كما أعطاكم من قبل ...
و لكي نتجنب هذه الازمة النفسية التي قد تصاحب انتصاف العمر و نتغاضى عن أية أفكار سلبية و التى ربما ترافقنا لسنوات ، ليس لنا إلا أن نفهم الحياة على أصولها و أن نعرف طبيعتها و ديدنها و أن نجتهد فيها و أن نسعي كى نُسعد الآخرين و نحسن إليهم و هذا سوف يكون حقيقة مصدرًا لسعادتنا و سيبارك الله لنا في أعمارنا .