جمال الروح أهم من جمال الشكل – الجوهر أم المظهر؟
جمال الروح أهم من جمال الشكل
ما سأقوله لكِ اليوم قد يبدو للوهلة الأولى من البديهيات، لكن التجارب علمتني أن معظم تصوراتنا الخاطئة قادمة أساسا من فهمنا الخاطئ للبديهيات.. بل ويزيد الطين بلّة أنّها بديهيات، فنادرا ما نلجأ لتحليلها..
فمثلا.. كلّنا نعرف أنّ الفيل أثقل من الحصان.. هذه حقيقة لا ينكرها عاقل.. لكن، مع اتفاقنا أن الفيل ثقيل جداً مقارنة بالحصان.. فهل هذا يعني أن الحصان بلا وزن؟ هل يمكننا إهمال 500 كغم من اللحم والعظم لمجرد أن الفيل يمتلك وزنا أكبر؟ بمعنى آخر.. هل صيغة التفضيل “أفعل” حين تنصر ما قبلها تلغي ما بعدها؟
وبنفس هذا المنطق.. إذا كان الجوهر أهمّ من المظهر.. والمخ أهم من العضلات.. وجمال الرُّوح مقدم على جمال الجسد.. فهل هذا يعني أنّه لا يجب على الإنسان الموقن تماما بالمسلّمات أعلاه، أن يهتم بملابسه؟ بعضلات جسده؟ بمظهره الذي يوليه منزلة أدنى لأن الجوهر أهم منه؟ قد يكون جوابك الحاضر هو النفي.. لكن واقع الحال يقول أنك والكثير من الناس يفعلون ذلك
الكثير من الناس، وخصوصا أولئك الذي يمتلكون جوهرا جيداً بالفعل، يوجّهون جهودهم كلّها تقريبا نحو تقوية وتعزيز هذا الجوهر.. ويتركون جانب المظهر للتطور الطبيعي.. لرعاية الله.. لأقل قدر من الاهتمام.. وكل هذا بزعم أنّ الجوهر أهمّ منه.. وهو الأساس.. وهذا التفكير خطأ وخطأ قاتل..
فكون الجوهر أهم، لا يعني أبداً أن الاهتمام كلّه يجب أن يتوجه للجوهر دون المظهر.. بل يعني فقط أن الجهود المبذولة من أجل الجوهر تكون أكبر من تلك المبذولة من أجل المظهر.. لكن هنالك جهود ستبذل في الحالتين.. في الاتجاهين.. وحين أقول جهود، فإنني أعني الكلمة تماما.. جهود تستنزف وقتا وتعباً وعرقاً ومالاً وتفكيرا.. من الرائع أن يقضي الإنسان خمس ساعات في اليوم للقراءة والتفكر.. لكن بمقابل ذلك، يجب عليه قضاء ساعة في النادي الرياضي.. أسبوع كامل لإتقان مهارة ما؟ رائع.. لكن يوم كامل أيضاً للاهتمام للبشرة.. نهتم بما نراه مهمّاً، ونهتم أيضا بما نراه أقل أهمية.. بما تراه العقول.. وبما تراه العيون..
2- جمال المظهر مهم كذلك!
ولتدركي أهمية هذا الكلام ، تخيلي مقابلة للعمل بشركة تقنية، تقدّم لشغرها شابّان.. الأول عبارة عن أعجوبة برمجة حيّة.. أسطورة تمشي على قدمين.. لكنّ لحيته غير مهذبة.. ملابسه مهلهلة.. وهنالك نوع واضح من اللامبالاة في مظهره.. المتقدم الثاني الذي ينافسه يتقن البرمجة، ليس بدرجة الأول بالطبع.. لكنّه جيد إلى حدٍّ ما.. مقبول.. لكنّه بالمقابل مهتم جدا بمظهره وأسلوبه ومهاراته في التواصل.. من برأيك منهما يجب أن يحصل على الوظيفة؟
أنا سأجيبك.. في داخلك تعتقدين أن الشاب الأول أعجوبة البرمجة هو من يجب أن يحصل عليها.. لأنّه وعلى عيوبه، فهو أمهر بمراحل من المتأنق الثاني.. وبما أن الوظيفة تقنية، فمهاراته في البرمجة هي التي ستفوز.. لأن الجوهر أهم من المظهر.. أليس كذلك؟
لا.. من سيحصل على تلك الوظيفة هو الشاب الثاني بالطبع.. وما سيحدث في تلك الوظيفة سيحدث في أي موقف آخر في الحياة.. الذين يمتلكون الجوهر وحده لا يفوزون.. لكن هذا ليس لأن الحياة غير عادلة، وليس لأن الناس سطحيون وتهمّهم المظاهر .. الجوهر سيظلّ دائما أهم .. لكن من يفوز بالفرص في هذه الحياة ليس هو ذلك الشخص الذي يهتم بالفوز بالجوهر فقط.. بل الشخص الأكثر تكاملاً.. الذي يحصل على المجموع الأعلى.. في المظهر والجوهر..
وإن آسفك هذا الأمر قليلا، فهذا ليس ذنب الحياة ولا ذنب أحد.. بل ذنبك أنت.. أنت من فهم صيغة التفضيل على أنّها صيغة إقصاء.. أنت من استكان لفكرة أهميّة الجوهر واعتقدت أنّها كافية لوحدها.. أنت من أهملت الحصان تماما.. فقط لأن الفيل أثقل منه..