قطع شريان حياة عالمي - كيف أن المقاطعة الروسية لـ ”مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب” يمكن أن تهدد الأمن الغذائي لمصر
لقد مر أكثر من عام منذ أن شرعت روسيا في شن حرب عدوانية على أوكرانيا، وعلى الرغم من بُعد آلاف الأميال عن مصر فقد أصبحت التبعات العالمية لهذا الانتهاك غير المبرر للقانون الدولي ملموسة للغاية بالنسبة للمصريين الذين يحاولون تغطية نفقاتهم في ظل ارتفاع معدلات أسعار السلع الغذائية.
إن الهجمات الروسية لا تعيق زراعة وحصاد الحبوب الأوكرانية فحسب، بل إنها تمنع أيضًا التصدير وتدمر بنيته التحتية الحيوية، وهذا يحول بدوره دون وصول الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية ويؤدي إلى نقص الإمدادات وانفجار أسعار الحبوب عالميا. لقد كانت "مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب" التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا بصيص أمل للبلدان التي تعاني أكثر من غيرها من هذه الأزمة لأنها سمحت لأجزاء على الأقل من السلع الغذائية الأوكرانية بالوصول إلى الأسواق العالمية عبر موانئ البحر الأسود. كما أتاحت لصادرات الحبوب الروسية سبلا للوصول إلى الأسواق العالمية. لقد استقبلت مصر وحدها ٥٢ شحنة محملة على مراكب تحمل أكثر من ٤, ١ مليون طنًا من الحبوب والذرة وزيت عباد الشمس وفول الصويا الأوكرانية عبر ممر "مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب" في الفترة من أغسطس ٢٠٢٢ وحتى يونيو ٢٠٢٣، مما يجعل من مصر أحد المستفيدين الرئيسيين من هذه المبادرة الحيوية. (بالإضافة إلى أطنان من المنتجات الزراعية الأوكرانية التي وصلت إلى مصر عبر نظام النقل البري البديل "الممرات التضامنية للاتحاد الأوروبي" الذي أنشأته ألمانيا والدول الشريكة في الاتحاد الأوروبي لتخفيف الانفجار العالمي للأزمة).
الآن بدأ شعاع الأمل هذا يتلاشى حيث هددت روسيا مجددا بعدم تمديد الاتفاقية بشأن "مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب". إن الإغلاق المفاجئ لهذا الممر الاقتصادي الحيوي سيحول دون تصدير شطر كبير من الـ ٥٠ مليون طنا من الحبوب الأوكرانية المتوقع انتاجها لعام ٢٠٢٣/٢٠٢٤، مما يتسبب مرة أخرى في نقص حاد في الإمدادات الغذائية في الأسواق العالمية. ووفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة فإن ما يقرب من ٨٠ ٪ من السلع الزراعية المنقولة عبر ممر "مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب" قد ذهبت حتى الآن إلى البلدان الأقل نموًا والبلدان النامية. وعليه فإن مقاطعة روسيا للاتفاقية سوف يترتب عليها أيضا قطع لشريان حياة عالمي - مع تداعيات مدمرة بالنسبة لمصر ودول أخرى تعاني بالفعل من أزمات اقتصادية ومشاكل في الإمدادات.
ويبدو أن روسيا مستعدة لقبول أو حتى السير بهمة في الطريق نحو حدوث هذا "الضرر الجانبي" الهائل. إن التهديد بمقاطعة "مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب" لا يخدم سوى المصالح الروسية: فعلى الرغم من مزاعم روسيا الكاذبة بأن عقوبات الاتحاد الأوروبي تؤثر سلبا على صادرات الحبوب الروسية، فقد استفادت موسكو حتى من زيادة صادراتها من الحبوب بنسبة ٣٥ ٪ في عام ٢٠٢٢. وعلى هذه الخلفية فإن الهدف المزدوج المتمثل في احتمال توقف روسيا عن العمل بالمبادرة قد أصبح واضحًا: الإمعان في إضعاف الاقتصاد الأوكراني وزيادة الأرباح الخاصة من جراء ارتفاع أسعار صادرات الحبوب بالأسواق العالمية.
بصفتنا مجتمعًا دوليًا لا يمكننا قبول أن روسيا تفرض بالقوة مصالحها الخاصة ليس على حساب الشعب الأوكراني والنظام العالمي القائم على القانون فحسب، بل وكذلك على حساب عدد لا يحصى من الضعفاء في جميع أنحاء العالم. لقد حاولت مصر جاهدة حتى الآن تحمل هذه الآثار الخارجية وأظهر الشعب المصري قدرًا كبيرًا من المرونة والمثابرة، لكن المقاطعة الروسية لـلمبادرة قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية المصرية وزيادة أسعار السلع الغذائية الأساسية بشكل أكبر.
تقف ألمانيا وشركاؤها الدوليون مع مصر وكل الدول والشعوب التي تعاني من العدوان الروسي وتداعياته. نحن نعمل بلا كلل داخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للمساعدة في الوصول بالمفاوضات الروسية الأوكرانية بشأن "مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب" إلى نتيجة إيجابية. على روسيا الآن منع المزيد من المصاعب لمصر والدول الضعيفة الأخرى.