سليلة المدرسة الأمينة
قالت الأستاذة الجامعية (البُرُفِسور) زينب أبو الفضل -وأنا أسمعُ-: سمعت الدكتورة بنت الشاطئ تقول: (لَمَّا مات أشياخي تعلمتُ مع طلابي) أو كما قالت العالمتان الفاضلتان. وقد أبدعت الدكتورة زينب حين لخصت عبارة بنت الشاطئ ووعتها وأضفت عليها من روحها وعلمها.
وقد وقفت على نصِّ كلام بنت الشاطئ فقد قالت لفاروق شوشة في برنامج «شريط الذكريات» (الدقيقة 40، الثانية 42) -وهي تتحدث عن شيوخِها-: (ثم مع أبنائي طلاب الدراسات العليا، ولك أن تحسبهم ممن يعلمونني، ما من كتاب يَقْرَأُ فيه إلا أقرؤه قبلَه).
وسبب سياق الدكتورة زينب للكلمة أن العالم ينبغي أن يعلِّم طلابَه ويقرأ ما يكتبون ولا سيما إذا كان مشرفًا أكاديميًّا، فيَلزمه أن يقرأ ما يكتبه الباحثُ، مصوبا ومقوما ومعلما، وأهل الخشية من العلماء يحرصون على البلاغ الذي وُضع في أعناقهم وعلى تعليم الأجيال الذي عُهد إليهم به، مُوقنين أنهم حين يبلِّغون ويعلِّمون فإنهم يَستفيدون ويَتعلمون.
ومن لوازم كلمة الدكتورة زينب ومقتضيات استشهادها بكلمة بنت الشاطئ: قضيةُ الجزاء ومسألة تقديم واجب الشكر لمن يستحقه بعيدًا عن زلفى زائفة، أو مجاملةٍ لا جمال فيها، فالدكتورة زينب تعلمنا تقديم واجب الشكر لمستحقه بقولها وفعلها مرارا وتكرارًا، ولا ترضى أن يُصرف الشكر لمن ترك البذلَ واتخذ العطاءَ وراءه ظهريًّا.
دفعني كلام أستاذتنا للبحث عن الكلمة في تراث بنت الشاطئ واستحييت أن أسألها عن موضعها فأشغلها، فهي مثقلة برسالةٍ عظيمةٍ وأمانة ٍكبيرةٍ ومسؤولية عظمى لست أبالغ حين أصف رسالتها بهذا الوصف إنها أمانة بلاغ الحق وبيانه بأدبٍ جمٍّ ووعي تامٍّ انطلاقًا من البعد الإنساني الذي اتفق عليه العلماء كلهم، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} فالإنسان من حيث هو مكرَّمٌ، وحين أتأمَّل في نشرها وإذاعتها لهذا التأصيل تحملني محبة البحث والتفتيش على النهل والارتواء منه فأجد ارتواءً ونهرا عذبا فقد جاء في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" لابن نجيم الحنفي: "لو شتم ذميا، فإنه يعزر؛ لأنه ارتكب معصية كذا في فتح القدير وفي القنية من باب الاستحلال ورد المظالم: لو قال ليهودي أو مجوسي: يا كافر يأثم إن شق عليه. اهـ. ومقتضاه أن يعزَّر لارتكابه ما أوجب الإثم". والبعد الإنساني واستحضاره مهم جدا لأبعد ما يتصوره الإنسان لدرجة كونه أحد ركائز استقرار العالم.
وأسأل قومًا بالله ألا يقولوا: إن هذا تنازل! لأن هذا كلام ابن نجيم المتوفى (970ه) وليس هو ببدع من أهل العلم بل هو امتداد لأبي حنيفة وهو امتداد للصحابة الذين هم امتداد للمرسلين فالعلماء ورثة الأنبياء.
وأنتقل إلى كون أستاذتنا امتدادًا للمدرسة الأمينة وسليلتها، وذلك أن بنت الشاطئ ذكرت أن زوجها د. أمين الخولي كان من أنصار مدرسة لَأَنْ أخرِّجَ طالبًا واحدًا قويًّا أحب إلى من ألف طالب من الضعفاء. ومن يعرف الدكتورة زينب وجادتها مع الباحثين يعرف أنها سليلة المدرسة الأمينة بل رائدة من روادها.
وجدير بالذكر وحري بالتأمل الجوانب المشتركة بين العالمتين الجليلتين فطالع أيها الحريص سيرتهما تجد ما يسرك وينعش فؤادك.