لمن أهديت حياتك؟
بقلم - إيمان المرصفى
معالج نفسى وإستشارى أسرى وأخصائى تعديل سلوك
معظم مشاكل الإنسان فى العصر الحالى، ما هى إلا نتاج كيفية تعاملنا مع العالم والأشخاص المحيطة بنا.
فإن الإنسان منذ أن يخلق فى رحم أمه يضع الله سبحانه وتعالى فيه خاصية التعلق. فهو منذ أن يخلق "علقه" . . يبدأ بتعلقه بجدار رحم أمه.
وبعد ولادته فهو يصبح متعلق بأمه ثم أسرته الصغيره ثم البيئه المحيطه به . . وكلما جرى العمر والأيام فهو يزيد تعلقا بأشخاص وأفراد تمر بحياته.
إذا، فالإنسان خلق ليكون كائن إجتماعى ومن الطبيعى أن يتعلق بالأفراد المحيطه به.
ولكن . . هنا علينا أن نسأل: بالرغم من تعلقنا الشديد بكل من حولنا . . هل نحن قادرين على أن نعطى كل فرد من هؤلاء مساحته الطبيعيه فى حياتنا؟
للأسف معظمنا أصبح منشغلا بإرضاء كل من حوله من أفراد دون أن يلتفت إلى السبب الرئيسى لوجوده فى هذه الحياه. أصبحنا نهتم بأن نظهر فى صوره ليست صورتنا الحقيقيه . . نتكلم بأسلوب على غير طبيعتنا. أصبحنا أشخاص غير أنفسنا . . وكل هذا لمجرد إرضاء الآخر. للأسف كثيرا ما ننسى أن نرضى أنفسنا . . والأسوأ أننا ننسى إذا ما كانت أفعالنا ترضى الخالق.
نسعى لنكون شبه أناس آخرين لننال رضاءهم عنا . . أناس بأقنعه لا تشبهنا فى الأساس . . نسعى وراء إبهار الجميع ونيل مباركتهم (عاوز أعجب طول الوقت). كما أن منا من لا يقوى على قول كلمة "لا" . . خوفا من أن يغضب أحد . . وهكذا نقصر فى حق أنفسنا . . وقد يصل بنا الأمر لأن نكتشف فجأه أننا قد تنازلنا عن حقوق الخالق لمجرد إرضائهم.
ومن المؤكد أننا هكذا قد نصاب بالإحتراق النفسى ونكتشف أننا فى الحقيقه لم نعش الحياه التى كان يجب علينا أن نحياها . . بل أننا أهديناها لأشخاص آخرين.
لقد خلقنا الله لنحيا سعداء. ليس هناك ما يمنع أن نتعلق بمن حولنا، ولكن علينا أن نعرف أننا خلقنا على هذه الأرض لا لنرضى بعضنا بعضا وفقط . . ولكن لنرضى الله خالقنا من خلال تعاملاتنا مع بعضنا البعض.
وجب علينا أن نقف لحظه أمام ترتيب أولوياتنا فيما يخص العلاقات: فعلاقتنا بالله تأتى أولا . . ومنها نتعلم كيف نعبده ونعرف ما هو الدور الذى خلقنا من أجله ثم نتوكل عليه.
وفى المرتبه الثانيه تأتى علاقتنا بأنفسنا. فعلينا أن نتعرف على أنفسنا جيدا. ونعرف الجوانب السلبيه والإيجابيه ونعمل عليها لنزكى أنفسنا ونطورها . . ولا ننسى الجانب الترفيهي الذى يساعدنا على الإستمرار فى مواجهة التحديات والإنتقال دائما للهدف التالى.
وهنا تأتى علاقتنا بالمخلوق . . علينا أن نضع كل فرد فى حياتنا فى المساحه المناسبه له. ونحرص على أن لا تؤثر هذه العلاقه على طاعتنا للخالق أو على حقوقنا نحو أنفسنا.
والآن هل تستطيع الإجابه على السؤال الذى بدأت به مقالى: لمن أهديت حياتك بكل محتواها من علاقات وتصرفات حتى الآن . . للخالق أم المخلوق؟