الغيرة في الحب كالماء للوردة قليله ينعش وكثيره يقتل
الغيرة هي مشاعر من الخوف من الفقدان والغضب والإذلال، تحدث نتيجةً للشعور بتهديد حقيقي أو وهمي من دخول شخص ثالث للعلاقة، وهي تُصيب جميع العلاقات؛ مثل: العلاقات الرومانسية، والعلاقات التي تربط الأصدقاء، والعلاقات الأسرية كعلاقة الأخوة بين بعضهم وتنافسهم على الحصول على اهتمام الوالدين. على الرّغم من كون الغيرة تجربة عاطفية مؤلمة إلا أنها مهمة وضرورية ويجب عدم قمعها، ويجدر التنويه هنا لاختلاف الغيرة عن الحسد اختلافاً كلياً حيث تتميز الغيرة بالشعور بالتهديد من دخول طرف ثالث للعلاقة، أما الحسد فيحدث بين طرفين فقط يتمنى فيه أحدهما الحصول على ممتلكات الآخر
انواع الغيرة
الغيرة الرومانسية الغيرة الرومانسية هي أحد أكثر أنواع الغيرة حدوثاً بين الأفراد، وتعتبر السبب الأول لحدوث الخلافات والمشاكل بين الأحباب؛ وذلك نتيجةً للروابط العاطفية القوية التي تعرض أصحابها لتحطّم القلوب. أثبتت بعض الدراسات أن مشاعر الخوف وعدم الأمان والضعف تزول عند دخول الشخص في علاقة ووقوعه في الحب، لذلك عند شعوره بوجود أي تهديد للعلاقة حتى لو كان هذا التهديد ناجماً عن رؤية شخص ثالث أكثر جاذبية تعود لديه مشاعر الشعور بعدم الأمان وتتحوّل لمشاعر انتقام
الغيرة العائلية
يعدّ التنافس الأخوي أحد أكثر الأمثلة شيوعاً على الغيرة العائلية؛ حيث يحصل بين الأشقّاء من جميع الأعمار، وتحدث الغيرة العائلية بين الأشقاء نتيجةً لمقارنتهم وتنافسهم في الحصول على اهتمام وحنان الوالدين، ورغبتهم والمنافسة بينهم لتحقيق المزيد من الإنجازات سواء مدرسياً أو مهنياً
الغيرة غير العادية
تنجم الغيرة غير العادية وغير الطبيعية بالعادة عن انعدام الشعور بالأمان وعدم النضج والوعي الكامل، وفي بعض الحالات تحدث نتيجةً لأحد الامراض العقلية التالية: جنون العظمة، أو الفصام، أو الاختلال الكيميائي في الدماغ
"أنا متأكدة من خيانته لي، فإحساسي لا يخيب"، "نار الغيرة تأكلني كلَّما تأخَّر عن المنزل، وعندما أسأله عن سبب غيابه يخترع لي أسباباً غير منطقية"، "أعلم أنَّني لست جميلة بالقدر الكافي؛ لذلك أبقى في حالة خوف وغيرة شديدة على زوجي"، "لقد مللت حالة الاستجواب التي يتعامل بها معي، أشعر أنَّني أجلس مع محقِّق وليس مع زوجي"، "هل تصدق تلك الحفلة التي يقيمها من أجل ترقيته الوظيفية، إنَّها حملة إعلانية يحاول أن يُثبت من خلالها أحقيته في استلام المنصب، ولكنَّ الجميع يعلم أنَّه لا يستحق الترقية مطلقاً، ولا تتناسب مع كفاءته، فقد حصل عليها من خلال علاقاته مستخدِماً الطرائق الملتوية
تغزو الغيرة المجتمع في كل أركانه، فنجدها بين الزوج والزوجة، أو بين الأخوة أو الأصدقاء أو زملاء العمل، وبدلاً من أن تكون غيرة محمودة وتحفيزية تدفع الإنسان لكي يفعل أفضل ما لديه في الحياة، تظهر الغيرة على نحو غير سوي وغير صحي، فيُطعَن بنجاح الشخص الناجح، ويُشَكُّ بقدرات الشخص المبدع، وتُنسَب جهود الأشخاص المميزين إلى الحظ والمحسوبية والعلاقات، ويُحتَفل ظاهرياً بإنجازات الأشخاص في حين تُزرَع الكثير من النوايا الخبيثة داخلياً، وبالمقابل، تستعر الغيرة المَرَضية بين صفوف المتزوجين، فتتحول العلاقة من علاقة ثقة وأمان وراحة نفسية إلى علاقة عمادها الاستجواب والتشكيك والنكد والغضب والحرائق.
ما هي الغيرة؟
هي شعور طبيعي نُفطَر عليه، ولكن تختلف سلوكات الناس في التعبير عن الغيرة تبعاً للأسباب الكامنة وراء سلوكاتهم.
ما هي أنواع الغيرة؟
1. الغيرة المحمودة والمقبولة:
وهي الغيرة التي تدفع الإنسان إلى الإنجاز والعمل، كأن يكون لدى شخص ما قدوة في حياته، ويغار من نجاحاته وإنجازاته ويتمنى الوصول إلى المستوى الذي وصل إليه الشخص القدوة، ويرافق الغيرة المحمودة مشاعر من الفرح والسرور والنية السليمة، فكلما نظر الإنسان إلى قدوته؛ استشعر مشاعر الغبطة والحماسة والرقة.
2. الغيرة غير المشروعة والمَرَضية:
وهي الغيرة التي يطغى عليها مشاعر الغل والحقد والكره، كأن يغار شخص ما من نجاح آخر ولا يتمنى له الخير، ويعزي نجاحات الآخر إلى الحظ والعلاقات، أو يحقد شخص ما على آخر نظراً لمستوى الحياة المرفهة والجميلة التي يعيشها، أو لحصوله على شريك حياة متفهِّم أو لقدرته على كسب محبة الناس واحترامهم، أو يتمنَّى شخص ما زوال نعمة الآخر بحجة أنَّه الأحق بها.
إضافة إلى الغيرة المَرَضية بين الأزواج القائمة على التضييق وكسر الحرية واختراق الخصوصية، كأن تتجسَّس المرأة على زوجها وتنتهك خصوصيته، أو يحرم الزوج زوجته من رؤية الناس والاختلاط معهم لكيلا تثار لديه مشاعر الغيرة المجنونة.
ما هي أسباب الغيرة؟
1. التربية:
يعزز الأبوان مشاعر الغيرة المَرَضية بين الأولاد؛ عندما يعتمدان منهجية المقارنة في التربية، كأن يقول الأب لابنه الصغير: "انظر إلى أخيك الكبير، لماذا لا تكون مثله، إنَّه مهذب وهادئ وذكي على عكسك أنت".
يعمل هذا الأسلوب على خلق مشاعر الغيرة المؤذية بين الأولاد، فينتقل تركيز الولد من السعي إلى تطوير ذاته والارتقاء بها، إلى التركيز على الآخر وإنجازاته مع تمنِّي فشل الآخر لكي يستطيع الظهور بمظهر المتفوِّق والأكثر نجاحاً في نظر أبويه، ويعلق في هذه الدائرة من مشاعر الحسد والنية السيئة طوال حياته، ومن جهة أخرى، يعيش الطفل الضحية في حالة من ضعف الثقة بالذات، فيأخذ قيمته من إجراء المقارنات بينه وبين الآخرين، فتكون ثقته بنفسه متغيرة بناءً على نتائج عمليات المقارنة المريضة التي يقوم بها.
على الأبوين التعامل مع مشاعر الغيرة التي من الممكن أن تنشأ بين الأولاد بالكثير من الإيجابية، فعلى سبيل المثال في حال غيرة الطفل من أخيه لامتلاكه لعبة أجمل من لعبته، فهنا على الأب أن يقول للطفل: "هل تشعر بالغيرة لأنَّ لعبة أخيك أجمل من لعبتك؟" فيجيب الطفل: "نعم"، فعندها يقول الأب: "ألا تتذكَّر القاعدة التي نطبِّقها في المنزل "يحصل صاحب المجموع العالي على لعبة مميزة"؛ لذلك لا تحزن حبيبي، تستطيع الحصول على لعبة مثلها في المرة القادمة التي سيكون فيها مجموع درجاتك مرتفعاً"، نقل هنا الأب تركيز الابن إلى العمل والسعي بدلاً من تركيزه على أخيه والغيرة منه.
2. ضعف الثقة بالنفس:
تنشأ مشاعر الغيرة من ضعف الثقة بالنفس، فالمرأة التي تغار على زوجها غيرة مَرَضية تعاني من أزمة ثقة بذاتها وتجد أنَّ الأخريات أفضل منها لذلك هنَّ قادرات على الإيقاع بزوجها، ومن جهة أخرى، قد تُعظِّم بعض النساء مكانة الزوج في حياتها إلى الدرجة التي تتخلى فيها عن قيمتها أمامه، فتُعلِّق كامل سعادتها به، وتنسى نفسها تماماً، ومن ثم تتنازل عن دورها كأنثى وأم وامرأة عاملة مبدعة وتركز على دور المحقِّقة والمدقِّقة والجاسوسة على تحرُّكات زوجها وتصرفاته.
يتولَّد ضعف الثقة بالذات لدى الشخص الغيور من مرحلة الطفولة؛ حيث يربي الكثير من الأهل أطفالهم على الاهتمام الزائد بحيث يعتاد الأطفال على الاعتمادية والاتكالية، فذلك الشخص الناضج الذي لا يحتمل رؤية الآخر الناجح ولا يعترف بإنجازات الآخر؛ بل ينسبها إلى الصدفة والقدر ومساعدة الآخرين له، هو نفسه الطفل المدلَّل الذي لم يتعلَّم منهجية السعي خلال حياته والذي اتكل على أبويه في كل شيء، إلى أن تبنَّى المعتقَد الذي يقول "يأتي كل شيء في الحياة دون تعب وبطريقة جاهزة"، وبدلاً من الاعتراف بما لديه من نقاط ضعف وخلل في الشخصية والعمل على تجاوزها؛ يميل هذا الشخص إلى الغيرة من نجاحات الآخرين وتمنِّي فشلهم؛ وذلك لأنَّه لا يملك المهارات اللازمة لمضاهاة نجاحاتهم.
قد يسبب اختلاف المعايير بين الزوجين الكثير من الحروب بينهما، فقد تعتقد المرأة أنَّ الضحك مع الرجال الغرباء في العمل أو في أي مكان آخر هو أمر طبيعي، دون أن تعرف أنَّ زوجها لا يفضِّل ذلك الأمر، فعندها يسبب عدم توحيد المعيار بينهما الكثير من الغيرة والمشكلات.
وقد لا تقبل المرأة مطلقاً ميل زوجها إلى محادثة فتيات غريبات على مواقع التواصل الاجتماعي؛ في حين يجد زوجها أنَّ الأمر طبيعي ويعزز من مهاراته الاجتماعية، فهنا على الزوجين توحيد المعايير فيما بينهما درءاً للمشكلات والمنغِّصات، وذلك بتخلي الزوج عن فكرة محادثة الفتيات الغربيات على مواقع التواصل الاجتماعي.
4. مفهوم الأنوثة المشوَّه:
تلجأ الكثير من الإناث إلى عمليات التجميل من أجل تحسين مستوى جمالهن ظنَّاً منهنَّ أنَّ الاهتمام بالجمال هو الأمر الذي سيُحافِظ على أزواجهن، وبالمقابل، يشعرن بالغيرة من كل امرأة جميلة، وتعدَّنَّها عنصر خطر يؤرِّق صفو حياتهن الزوجية، في حين أنَّ الأنوثة لا علاقة لها بالجمال، فقد تجد امرأة متوسطة الجمال أو عادية الجمال إلَّا أنَّ تصرفاتها غاية في الأنوثة، فهي على سبيل المثال تحافظ على ردات فعل متزنة في أثناء المواقف الصعبة، الأمر الذي يُشعِر زوجها بالخجل من أفعاله، ففي حال تصرَّف تصرُّفاً غير لائق ومثير للغيرة؛ كأن ينظر إلى امرأة أخرى في أثناء حديثه مع زوجته، فهنا تقوم المرأة الحكيمة وذات الأنوثة العالية بالنظر إليه نظرة عتاب خفيفة، ومن ثمَّ تقول له بهدوء وحب: "هل تعتقد أنَّ هذا التصرف يليق بك وبقيمك؟" وتصمت لتجعله يعيد التفكير بفعلته؛ فهي هنا لم تلجأ إلى الغضب والتجريح ولم تثِر الحروب بينهما؛ بل اعتمدت الهدوء والحكمة.
5. التجارب الفاشلة:
يعاني الكثير من الرجال من مشاعر غيرة قاتلة نتيجة ما اختبروه من تجارب غرامية قبل الزواج، الأمر الذي جعل من الصعب عليهم الثقة بأية أنثى، بمن فيهنَّ زوجاتهم؛ فيُظهِرون عدم ثقتهم على هيئة تدقيق جنوني في أصغر تفاصيل الزوجة، ومراقبة دائمة لتصرفاتها، واتهامات مجحفة في حقها على مدار الساعة.
6. الفشل:
يعاني مَن فشِل مرات عدة في تحقيق ما يرغب فيه من أهداف وخُطط في حياته من أزمة غيرة خانقة من كل شخص ناجح، فلا يتمنَّى وجود شخص ناجح على كوكب الأرض، ويُشكِّك دوماً في الطريقة التي وصل فيها الشخص إلى النجاح، ويقلِّل من أهمية الطرف الآخر ومن قيمته، كأن ينتقده على الصور التي يستعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تُظهِر نجاحاته ورحلاته السياحية مع عائلته، متَّهماً إيَّاه بالاستهتار بمشاعر الناس الآخرين، في حين يتصرف الطرف الآخر تلك التصرفات بعفوية وطبيعية ونية سليمة، فغايته هي تحفيز الناس على العمل والسعي من أجل الوصول إلى مستوى حياته المرفَّهة.
7. الشبهات:
تُثار غيرة المرأة وجنونها في حال قيام الرجل بتصرفات غير لائقة، وغير محترمة، كأن يغازل نساء أخريات، أو يدخل بعلاقة حب مع امرأة أخرى، الأمر الذي يُشوِّه العلاقة العاطفية بينهما نتيجة كسر الثقة.
1. فَهْم قطبَي الغيرة:
تقوم مشاعر الغيرة على قطبين اثنين (غيرة من _ غيرة على)، على سبيل المثال: إذا شعرتِ بالغيرة على زوجك من فلانة، فهذا يعني أنَّ القطب الأول للغيرة هو فلانة، والقطب الثاني هو زوجك؛ حيث ستشب الحرائق في قلبك وفي علاقتك مع زوجك في حال تركيزك على القطب الأول للغيرة (فلانة من الناس)، كأن تحوِّلين نفسك إلى جاسوسة على حياة زوجك، وتواظبين على تقديم سيل الاتهامات المؤذية في حقه، وتقضين أيامك بالاهتمام بفلانة وإعطائها القيمة وتخصيص الحديث الكلي عنها، أمَّا في حال تركيزك على القطب الثاني للغيرة (زوجك)؛ كأن تهتمي فيه أكثر، وتقضي معه وقت أكبر، وتهتمي لاهتماماته أكثر، فهنا ستخف الغيرة من قلبك تماماً، وستنعمين بالهدوء والحكمة.
2. الهدوء وتهدئة العقل:
لا تتسرعي في الحكم على زوجك، فإحساسك لا يكفي لاتهامه بالخيانة مثلاً أو لإثارة مشاعر من الغيرة الجنونية عليه، فحينما تساورك الشكوك؛ اهدئي واستغفري الله، وخذي حماماً لطيفاً، وقولي لنفسك: "أنا لا ملك أدلة ملموسة؛ لذلك لا يوجد أي مبرر لشكوكي على الإطلاق".
3. تعزيز الثقة بالنفس:
لا تقضِ حياتكَ في مشاعر غيرة من الأشخاص الناجحين، ولا تعيشي حياتكِ في مشاعر غيرة من النساء الأخريات؛ بل استثمروا الوقت في تطوير ذواتِكم، وتعزيز ثقتكم بأنفسكم، فهذا هو الحل الجذري للغيرة، فعندما تكتشفين شغفك وتسعين إليه، وعندما تعلمين أنَّ الله خلقنا مميزين ومنفردين خارجياً وداخلياً، وأنَّه لمِن الغباء صناعة نماذج مكرَّرة من الجنس البشري؛ كما يفعلون في عيادات التجميل اليوم؛ عندها تصلين إلى الاستقلال النفسي والثقة بالنفس وتتحررين كلياً من مشاعر الغيرة المَرَضية.
4. العمل:
اعمل بجد، واصنع ذاتك وحقِّق أحلامك؛ عوضاً عن إضاعة الوقت في الانتقادات اللاذعة والتعليقات الجارحة والغيرة المجنونة من الناس الناجحين.
5. الثقة:
اجعل نيَّتك سليمة وقلبك صافياً، وقابِل الآخر بالثقة والاحترام؛ فإن عاملك بحب واحترام؛ تأكد أنَّه شخص صادق وحسن الخلق، وإن لم يبادلك المعاملة ذاتها؛ اعلم أنَّه شخص غير أهل ليكون ضمن دائِرتك المقرَّبة؛ لذا اجعل النية الحسنة هي الأصل في حياتك، ولكن لا ترفع سقف توقعاتك بأي شخص؛ كن حيادياً، وتوقَّع كل الاحتمالات؛ بذلك تُحصِّن نفسك من أي أذية نفسي
الغيرة شعور جميل؛ عندما تكون دافعاً لك لكي تعمل وتجتهد، ولكنَّها تتحول إلى كابوس عندما تُمزَج مع مشاعر ضعف الثقة بالذات والحسد والحقد والغضب وسوء الظن والشك والشر؛ لذا اجعل نيتك سليمة وثق بذاتك ونمِّي مهاراتك واستشعر قيمتك ومن ثمَّ امضِ في الحياة بلا شكوك مُعرقِلة وأفكار مُحطِّمة