سُحقاً للمتطهرين
بقلم - محمد فاروق
عاشت المدينة الفاضلة في عقول وقلوب الفلاسفة والمفكرين ولم يكن لها يوماً وجود على الأرض فكل المجتمعات يشوبها الفساد وبعض النقص وبعض العيوب التي تختلف من مجتمع إلى آخر ومن بلد إلى أخرى ولكن ما نجزم به أنه لا يخلو مكان على سطح كوكب الأرض من وجود فساد بأي شكل من الأشكال وبأي صورة من الصور، لذا عندما يقوم المصلحون والمجددون والمفكرون بمحاربة فساد مجتمعاتهم سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الدينية نجد من يقف حجر عثرة في سبيل دعوتهم ومن يحاربهم ومن يحاول إسكاتهم بشتى الطرق ومن يشوِّش على كلامهم ومن يتقَّول عليهم فيُثيرون المجتمع ضدهم وكأنهم أعداء لهم فيصبحون منبوذين لا يلتفت إليهم إلا القليل ولا يتبعهم إلا من آمن بأفكارهم وهم أقل القليل وتختلف مراحل وحياة الدعوة باختلاف الداعي فإذا عُدنا إلى الوراء نجد كثيراً من الفلاسفة الرومان وكثيراً من المفكرين الأوروبيين قد تم إعدامهم لتبنيهم أفكار جديدة لم تكن موجودة من قبل ولم تعرفها مجتمعاتهم وبعد قتلهم بسنوات تنتشر هذه الأفكار وتصبح فيما بعد من المسلمات في مجتمعاتهم، وإذا عُدنا إلى الوراء أكثر سنجد أن الدعاة إلى الله من الرسل والأنبياء قد تم محاربتهم والتعدي على دعواهم فهذا نبي الله لوط دعا قومه إلى الفضيلة واتباع الفطرة السليمة في مجتمعه فما كان من قومه إلا أن خاصموه وناصبوه العداء هو ومن معه حتى اتفقوا فيما بينهم على التخلص من لوط ومن معه فقالوا " أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " فأصبح الطُهر والعفاف في آل لوط من كبائر العيوب التي تحط من قدر لوط ومن اتبعه. . .
وعندما دعا نبي الله شعيب قومه الى عبادة الله وحده وترك الغش في الميزان وأكل مال الناس بالباطل استنكر قومه دعوته واستنكروا تلك المبادئ الربانية السليمة فناصبه قومه العداء وأخذوا يتهكمون عليه ويسألونه " ... يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء" ولم يدفع عن شعيب أذى قومه إلا قوة وبأس رهطه - قومه - وهكذا في كل زمان ومكان من يحاول إصلاح الفساد في مجتمعه يتم محاربته وإيذاءه ومحاولة وأد فكرته ودعوته في مهدها ولكن الله غالب على أمره.