شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل يوم دون انقطاع بكرم وإغداق بإذن ربها... شجرة غُرِسَ برعمها المبارك عام ٣٦١ هجرية... إنها شجرة الأزهر الشريف تلكم المنارة الدينية والفكرية والعلمية التي أشرقت وسطعت على أرض مصر الطيبة الطاهرة... فَأَمَّهَا طلاب العلم وارتموا في كنفها فأظلتهم بوارف أغصانها... احتضن الأزهر كل قاصدي دروبه فعلمهم وحفظهم وفقههم فخرج من تحت عباءته المباركة حفظة القرآن الكريم العالمون بالقراءات والمبدعون بشجى الأصوات والمتقنون للمقامات أرباب الأداء والتنغيم... خرج من حدائقه الغناء المفسرون الأصوليون والمجددون... والفقهاء والدعاة والأئمة الذين يُذَكِّرُون فيهدون للحق والرشاد... خرج من بين ربوعه العلماء الأفذاذ في الطب والهندسة والكيمياء والصيدلة والتربية والعلوم الإنسانية... لقد صَدَّرَ الأزهر الشريف علماء أجلاء لكل بقاع العالم ينشرون الدعوة والدين ويفقهون الناس ويهدونهم. لم يكتفِ بكل ذلك بل فتح أبواب حدائقه الغنَّاء للمبعوثين من كل بلاد العالم فقدم لهم معينا لا ينضب ينهلون من علومه ويعبون من معارفه، وفوق كل ذلك علمهم اللغة العربية بإتقان فأزال عجمتهم وبدلها بلسان عربي مبين؛ ليرجعوا إلى قومهم بطاقات دينية وعلمية فيسكبوها على أبناء جلدتهم. ذلكم هو الأزهر الشريف الذي مر على مهده المبارك ١٠٧٩ عاما عكست فيه تلك الجوهرة أشعة ذهبية مخملية ورياح صبح محملة بعبير العلم فانتشر شذاه في كل بقاع البرية. تحية إجلال وإعزاز للأزهر الشريف تلك القبلة المعنوية الثالثة كما يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: قم في فم الدنيا وحيّ الأزهرا *** وانثر على سمع الزمان الجوهرا واذكره بعد المسجدين معظما *** لمساجد الله الثلاثة مكبرا حفظ الله ذلك الصرح العظيم والدرع الحصين. ورفع مصر القوية الفتية وجعلها دوما منارة تنير دروب السالكين.