إنها ليلة مباركة فأكثروا فيها الدعاء
كتبت -اميرةعبدالعظيم
قال تعالى
`سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"
صدق الله العظيم.
الليلة هى ليلة مباركة من الله ليلة الإسراء والمعراج
فأكثروا فيها الدعاء
والإسراء هو السير بالليل خاصة فذِكرُ الليل إذًا بعده تأكيد وتعظيم وفي إيثار عبده على نبيه أو رسوله أو أحمد أو محمد مثلًا تشريفٌ للعبودية وتكريم لها وإشارة كريمة إلى أن لكل عبد حظًّا من هذا الإسراء الكريم يختلفُ باختلاف الأسوة بذي الخلق العظيم لقوله سبحانه وتعالى
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
وكان الإسراء يقظةً بالروح والجسد كما كان المعراج أيضًا ومَن شك في ذلك فليُجدِّد إيمانه بمن بيده ملكوت السماوات والأرض ليكون من الموقنين.
والمسجد الأقصى: هو بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذٍ وراءه مسجد، وقد أفاض الله عليه مِن بركاته في الدين والدنيا، فجعله متعبَّدًا للأنبياء، ومهبطًا للوحي، وحفَّه بالأنهار الجارية، والأشجار المثمرة.
والإسراء، والمعراج آيتانِ من أعظمِ آيات النبوة
وكلتا الآيتينِ حُلَّة عظيمة قدسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة
أما أولاهمافأرضية مبدؤها المسجد الحرام بمكة ومنتهاها المسجد الأقصى بالشام وكلا المسجدين مهبطٌ من مهابط الوحي ومعهد من معاهد النبوات التي كانت ولا تزال مثابةً للقاصدين وأمنًا للخائفين، وهداية للحائرين.
والإسراء ثابتٌ ثبوتًا قاطعًا لا ريب فيه بهذا النص القطعيِّ المبين.
وأما أخراهما فسماوية علويةتبدأ بالمسجد الأقصى، وتنتهي إلى السماوات السبع العلا، إلى سدرة المنتهى إلى المستوى الأعلى حيث يُسمَع صريف الأقلام تجري في ألواح الملائكةإلى المقام الذي لا ينبغي لأحدٍ سواه.
والمعراج ثابت ثبوتًا قطعيًّا بالأحاديث الصحيحةِ الصريح وثبوتًا إشاريًّا بالقرآن الكريم.
وليس في المقام متَّسعٌ لبيان درجات مَن علَّمه الله ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيمًا.
وليس من قصدنا أن نفصل أنباء هاتين الرحلتين، في تفسير هذه الآية الكريمة فأَولى بذلك وأحقُّ هو مفسِّرنا الأصيل وإنما المقصد إلى لمحات ولطائف، وإشارات وطرائف؛ من عجائب الكون، ومما منَّ الله به على خاتم النبيين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم قومَه بمكة سرًّا وجهرًا، واحتمل في سبيل الدعوة من ألوانِ الأذى وضروب الألم، في النفس والجسد - ما تشيب له الأطفال، وتنفطر لهوله الجبال!
ولقد اشتدَّ إيذاء قريش له ولأصحابه، عقب وفاة زوجه خديجة وعمه أبي طالب، قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان لهما في تسليته والتخفيف عنه أثرٌ عظيم.
فكان من رحمته تعالى به وفضلِه عليه أن يُسرِي به ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وأن يعرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا ليريَه من آيات ربِّه الكبرى ما يُنسِيه كلَّ همٍّ وغم، وما يُعينه على احتمال الأذى، بالغًا ما بلغ في سبيل الله والهجرة إليه، فقد علم الحكيم العليم سبحانه أنه مفارقٌ دارَه وموطنه، مؤثر رضا مولاه على النفس والنفيس، والأهل والولد، وقد نبَّأه بذلك ورقةُ بن نوفل ابن عمِّ خديجةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها - في بَدْء الوحي.
وحِكم أخرى ولطائف في تشريفه صلوات الله وسلامه عليه وتكريمه؛ إذ رأى في الملأ الأعلى ما لا عين رأت، وسمع ما لا أذن سمعت؛ واستمتع بما لم يخطر على قلب بشر، وحسبكم أن احتفلت بمقدمِه ملائكة السماء، وأوحى إليه ما أوحى، ففرض عليه الصلوات المكتوبة، خمسين في الأجر، وخمسًا في الأداء.
وحكمة إلهية بالغة، تلك التي نطق بها القرآن الكريم، وهي محنة الناس واختبارهم ليميزَ الله الخبيث من الطيب، والكاذب من الصادق، والمؤمن من المنافق، وليزداد المؤمنون إيمانًا، والكافرون خسرانًا وكفرانًا، وذلك قوله تعالى
وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ.
ولقد تجلَّت هذه الفتنة حينما غدا صلى الله عليه وسلم في صبيحةِ مسراه إلى المسجد الحرام، فأخبر قريشًا بما رأى، فكذَّبوه وسخروا منه؛ فمنهم مَن صفق، ومنهم مَن وضع يده على رأسه تعجبًا وإنكارًا، وارتد ناسٌ من ضعَفة الإيمان!
وسعى رجالٌ إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: لئن قال ذلك لقد صدق، فقالوا: تصدِّقه على ذلك؟! قال: إني أصدِّقه على أبعد من ذلك؛ أصدِّقه بخبر السماء غدوة أو روحة، فسُمِّي الصديق من يومئذٍ.
وكان في القوم مَن يعرف بيت المقدس، فاستعنتوه إياه، فكرب كربةً لم يكرب مثلها قط - كما في صحيح مسلم - لكن الله تعالى تدارَكَه برحمته، فجلَّى له بيت المقدس، ورفع عنه الحجب، فطفِق ينظر إليه وينعته لهم بابًا بابًا، وموضعًا موضعًا، حتى قالوا: أما النعت، فقد أصاب فيه
ثم أخذوا يسألونه عن أشياء كثيرة، وهو يجيبهم جوابَ مَن شاهدها عيانًا، فما كان جوابهم وقد أخذ منهم العجبُ، إلا أن قالوا: هذا سحرٌ مبين!
هذا موقف المشركين قديمًا إزاء الإسراء والمعراج، بل إزاء معجزات الرسل جميعًا، وهو موقف أشياعهم المعاندين من قبلُ، في كل عصر وجيل لا يؤمنون بآية، ولا يصدِّقون بحجة، وأفضلهم من يستبعد أو يؤول تأويلًا سخيفًا تتبرأ منه اللغة والحق، وينفر منه الذوق والأدب.
وصدق الله إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.
ولا ندري واللهِ ما هو عذر الجاهلين في عصرنا الحاضر عصر المدنية والنور كما يصفون وها هي ذي القوى المادية والروحية الكمينة في الكون لا تزال تتكشف لعلمنا كلَّ يوم عن جديد.
أإذا منَّ الله على صفوة عباده بمعجزة، لا يسوونها بمخترع من هذه المخترعات أو صناعة من هذه الصناعات؟!
تالله ما قدَروا الله حقَّ قدره والأرض جميعًا في قبضته، والكون كله طوع إرادته إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
نقلا عن الشيخ محمد طه الساكت