عماد أبواليزيد يكتب: ” اترك النمطية وعش بحرية ”
كيف نتخلص من سيطرة الأفكار النمطية التي نقع أسرى لها؟
الأفكار النمطية عبارة عن قيد في الأعناق منها ما يصعب علينا الحياة، ومنها ما يجعلنا قساة القلوب ، والمؤسف في الأفكار النمطية هو انتشارها وتغلغلها داخلنا بلا وعي أو دراية ، فكيف نتخلص منها لنحيا؟
الأفكار النمطية هي عبارة سجن نسلم أنفسنا له بشكل طوعي، وحين تسمح لها بالتحكم في حياتك وأفعالك تكون كمن حكم على نفسه بالإعدام، والحق أن الأفكار النمطية صاحبة سطوة قوية وحضور يصعب مقاومته، وبالرغم من قدرتها على إثقال كاهلك وتحملك المزيد من الأعباء، وبالرغم من حجم المزايا التي تحصل عليها بمجرد التحرر من تلك الأفكار، يظل هذا الأمر عصيا على التطبيق، ذلك لأن الأفكار النمطية هي صنيعة القطيع، ويصبح خرقها بمثابة الخروج على الجماعة في كثير من الأحيان، كأنك تصفع وجوه الجميع بالقطيعة مع تلك الأفكار، فتجد في الأفكار النمطية بعض الأمان رغم ثقل الأعباء، و الأفكار النمطية هي طريقة تفكير تميل إلى التكاسل والاستسهال، فلا يفضل أصحابها تدقيق النظر وملاحظة الفروق بين الأشياء، بل يميلون إلى التقريب لأقرب نموذج في أذهانهم، ويحكمون على الأمور بسطحية واضحة، وسنتحدث في هذا المقال عن مفهوم الأفكار النمطية وأسبابها، فلا يمكن التخلص من شيء قبل فهمه، كما سنمنحك الحلول لمواجهتها.
أولاً : مفهوم الأفكار النمطية.
يحدث كثيرا أن نقع أسرى لهذه الأفكار النمطية دون أن ندري فنحيا بها ونتحمل أضرارها دون أن نعلم السبب الحقيقي لتلك المشكلة ، وبالطبع سنتحدث عن أضرار الأفكار النمطية وخسائرها الفادحة، لكن ما يهمنا هو التعريف بهذا المفهوم الذي يحافظ على غموضه بالرغم من شيوعه وكثرة استعماله، وتلك الأفكار النمطية ليست أكثر من منتجات مختلفة لطريقة معينة في التفكير ، وأقصد هنا التفكير النمطي وهو طريقة في التفكير تقوم على التكاسل والتعميم، فتجعلنا نغفل عن تمييز الفروق الكبيرة بين الأمور، ونصبح أكثر استعدادا لوضع كافة الأمور في سلة واحدة، إذ يعتمد التفكير النمطي على الاتكال والتكاسل واستسهال استعمال النماذج الجاهزة، فيقوم التفكير النمطي على التعامل مع الأمور بشكل عام، فلا وقت لدى أصحابه للتعامل مع خصوصية كل حالة على حدة، كما أنهم عادة ما يغفلون السياق والظروف المختلفة، ويظهر هذا في تعاملهم مع الأفكار الجيدة بالنسبة لهم من الماضي أو من ثقافات أخرى، إذ تجدهم حينها أقرب لاستعمال النسخ واللصق.
ويمكننا توضيح مفهوم الأفكار النمطية من خلال التركيز مع طريقة التفكير المنتجة له، والتفكير النمطي هو ما ينتج لنا تلك الأفكار، وهو طريقة التفكير التي تعتمد على التعميم القاصر والتقريب لأقرب معلبات فكرية جاهزة في الأذهان، وهي الطريقة التي تعتمد على المقولات الأكثر انتشارا في المجتمع، فلا يقوم أصحاب تلك الطريقة بالتفكير المطول وفحص الأمور للخروج باستنتاج أو معنى ذو دلالة، بل يسبقون من سواهم في إطلاق الأحكام دون مراعاة للظرف أو السياق، والأمثلة على التفكير النمطي كثيرة ومتنوعة، فمنها على سبيل المثال ما يتعلق بالحكم على المرأة كأن كل النساء واحد، وكذلك الحكم على الرجال بشكل عام للغاية، ويتم استعمال نفس المنطق الساذج في الحكم على فئات المجتمع المختلفة، وأقصد هنا الحكم على المرأة العاملة والأطباء والمهندسين والسائقين والبائعين والممرضات وغيرهم، وهكذا مع نظرتهم للتعليم الجامعي ومع تعاملاتهم مع الفنون المختلفة والتجارب الجديدة، فغالبا ما ستجد لدى أصحاب تلك الطريقة في التفكير آراء جاهزة تخص كل شيء، ويصعب عليهم مراجعتها.
ثانياً : أسباب انتشار الأفكار النمطية.
تحتاج مواجهة الأفكار النمطية إلى بحثها وفهم أسبابها، ويصبح من التعالي التعامل معها كأخطاء ساذجة عديمة الأسباب، والحق أن لشيوع الأفكار النمطية أسبابا قوية، ولانتشارها الكثير من الدوافع لدى أصحابها، فبداية تضمن تلك الأفكار نوعا من التوافق مع السائد في محيطنا، وترديدها يتيح لك الحصول على موافقة من هم حولك، فكأنك تتحدث على الدوام فيما هو متفق عليه في مجتمعك، ومن المعروف كيف يصعب الحديث بشكل مختلف في العموم، ومعروف كيف يصعب الاختلاف في مجتمعاتنا العربية بصفة خاصة، فعادة ما يعقب هذا الخلاف جدالات مطولة، وللأسف الشديد لا تنتهي معظم تلك النقاشات بشكل جيد، فقد تنتهي إلى قطيعة الود وربما الشجار، فالأغلبية تتعامل مع الأفكار بشكل شخصي، فيبدو لهم الاختلاف مع آرائهم كإهانة شخصية لهم، لذا فالتفكير النمطي هو الأكثر أمنا وراحة في حياتنا، ومن ناحية أخرى هو الأكثر سهولة على الإطلاق، إذ لا يحتاج إلى التفكير من الأصل، يكفيك أن تتذكر مقولة شائعة تخص الموضوع.
وايضا لا تقف أسباب انتشار الأفكار النمطية عند الأمان وقلة التكلفة الاجتماعية، بل تمتد لتشمل أمورا أخرى، ويأتي على رأسها كون الأفكار النمطية مناسبة لكل من يفتقرون إلى الشجاعة، فعندما تتأمل فكرة جديدة تحتاج إلى الشجاعة لتقييمها بشكل فردي، إذ تقوم بالتفكير فيها بمعزل عن السائد في مجتمعك، فقد تحب فتاة تعمل ممرضة في مستشفى، وتقترب منها بشكل شخصي وتبصر فيها الاحترام وحسن الخلق، ولكن يحرمك الجبن من إعلان ذلك، فقط لما يشيع في مجتمعك من حكم ساذج وغبي على من يعملن بتلك المهنة الجليلة، ولا أبالغ حين أقول ذلك، فتلك الفكرة الظالمة شائعة في كثير من المجتمعات، وقد تجد الحقيقة بأم رأسك، ولكنك بمنتهى الجبن تميل إلى ما هو سائد في محيطك، فالجبن وعدم القدرة على الاعتماد على أنفسنا من أسباب انتشار الأفكار النمطية وشيوعها، ومن الأسباب أيضا وجود قصور لدى البعض في التفكير، فمن لم يعتد القيام بذلك يشقيه التفكير، وتجده يبحث عن قوالب جامدة قديمة ليصب فيها الأمور.
ثالثاً : أضرار الأفكار النمطية وخسائرها.
على الرغم من الأسباب المنطقية والمريحة خلف الأفكار النمطية تظل أضرارها أكبر، فلها خسائر فادحة لا يغفلها أي إنسان، فمهما يكن من أهمية الاندماج والتوافق مع مجتمعك تظل هناك قيمة راسخة لاحترام الإنسان وأفكاره وقناعاته الشخصية، ومهما تكن منغمسا في القطيع مرددا لمقولاته ستختلف معهم ذات يوم، ولا يهم هنا حجم هذا الاختلاف، فالمهم هو حدوث هذا التعارض الحتمي، فقد يعجبك شيئا ليس مقبولا في مجتمعك، وستقف عندها أمام مفترق طرق، وستقرر إما المضي مع القطيع السائد على حساب نفسك أو الانتصار لعقلك وتقرير ما تراه مناسبا، ذلك أن أغلب الأفكار النمطية لا تسود بخطابها العقلاني بل بسطوة الحضور وكثرة جمهورها، وعند الوقوع أسيرا لها ستشعر بثقل أعبائها، فليس منطقيا أن تثقل كاهلك بأفكار وقناعات لا تعجبك، وتكلفك الكثير من الجهد والقيود فقط لانتشارها، وربما لصعوبة خرقها أيضا، وعلى الرغم مما يظنه البعض ثراءا من حجم ترسانة الأفكار النمطية الجاهزة يظل ثراءا كاذبا وهميا دون إثبات.
وأضرار الأفكار النمطية أكثر من أن تحصى، وأهمها حرمانك من القدرة على التفكير بعقلانية وبشكل مستقل، كما تجعل نظرتك للأمور أحادية وضيقة، فتحرمك القدرة على تأمل السياق والظروف المختلفة، كما تجبرك على إغفال الفروق، وتسجنك أيضا في سجون كل ما هو قديم ومهلهل وغير نافع، فتجد مساحتك في الحركة محدودة للغاية، ولا ينطبق هذا الأمر على الموضوعات الهامة والكبيرة وحسب، بل يمتد لكل ما هو ثانوي في حياتك، فينتهي بك الحال عاجزا عن ارتداء ما تفضله من الملابس وعاجزا عن تناول ما تحب من الطعام، وهكذا مع كل ما يخص الحياة، ستجد قيود الأفكار النمطية على علاقاتك وعلى اختيار شريكة حياتك وحتى اختيار تخصصك الدراسي وعملك فيما بعد، كما تحول تلك الطريقة في التفكير دون المرونة والتجارب الجديدة، إذ يصعب عليك المبادرة تجاه أي شيء جديد، ستجد حينها خوف القطيع من كل ما هو جديد، وستجد معارضة قوية لمجرد رغبتك في التجربة، وفي المقابل ستخسر الكثير من الفرص الجيدة ومكاسبها.
رابعاً : كيف تعرف أنك تفكر بطريقة نمطية.
أول خطوات علاج المشكلة هي الشعور بها وملاحظتها، والاقتناع بأن الأفكار النمطية بمثابة مشكلة كبيرة ، ذلك لما لها من أضرار وخسائر، وتحدثنا فيما سبق عن قيودها الكثيرة وتحجيمها لنا ولمساحات الحركة المتاحة لنا، كما ذكرنا كيف تصادر علينا حقنا الطبيعي في تقييم الأمور والحكم عليها بشكل مستقل، وهنا يأتي دور الحديث عن سمات أصحاب تلك الطريقة في التفكير، فتساعدك معرفتها على التخلص منها ومواجهتها بسهولة، ومن أهم سمات أصحاب الأفكار النمطية التعجل، وأقصد هنا تلك السرعة التي يحكمون بها على الأمور بدون أدنى قدر من المعرفة، ولمعرفة ما إذا كنت متعجلا يجب عليك التوقف وسؤال نفسك عن دور القناعات المسبقة والأفكار الجاهزة في حكمك على الأمور، فبعض الناس لا ينتظرون معرفة الشخص للحكم على سلوكه وشخصيته، ويكفيهم معرفة أنه ضابط شرطة على سبيل المثال ليضعونه في خانة محددة، وهو ما يتكرر مع فئات المجتمع المختلفة من رجال ونساء وأصحاب مهن يدوية ومسميات وظيفية، يحكمون فورا.
ومن سمات أصحاب التفكير النمطي أيضا الكسل، إذ لا تكون لديهم القدرة ولا المرونة للبحث وتقصي الحقائق، كما يصعب عليهم مراجعة أفكارهم الجاهزة أيضا، ويخشون أبسط أنواع الخلاف مع القطيع، فإن شعروا برغبتهم في إرسال إحدى فتياتهم للتعليم بالخارج سيمنعهم الخوف مما قد يقال عنهم، وهذا الالتفات المرضي لآراء الآخرين من ركائز التفكير النمطي، فعادة ما تأتي الأفكار النمطية من هذا الخوف، فالخوف هو أحد أبرز سمات أصحاب التفكير النمطي، ويضاف إليه الرغبة في إرضاء الجميع حتى لو على حساب أنفسنا، فلا يكون المحرك لأفعالنا هو ذواتنا وقناعاتنا وحسابات مكاسبنا إنما يكون تأثير ذلك على صورتنا في محيطنا، ويمكنك معرفة ما إذا كنت تفكر بشكل نمطي من خلال مراقبة نفسك وطريقتك في التعامل مع الأمور، هناك أشياء ثابتة إن تكررت لديك يجب أن تنتبه، فأنت حينها صاحب تفكير نمطي، وتكون من ضحايا الأفكار النمطية الجاهزة، وتلك الأشياء هي الحكم المتعجل وإغفال السياق والظروف والفروق الدقيقة، وهي الخوف من المحيطين وآرائهم.
خامساً : كيف تتخلص من الافكار النمطية.
بالوصول إلى هنا نكون قد قطعنا شوطا كبيرا في رحلة التخلص من الأفكار النمطية الجاهزة، ذلك أننا نكون قد أوضحنا مفهوم التفكير النمطي، وتحدثنا أيضا عن اتساع قاعدة الأمثلة عليه، وأمسكنا بجوهره كطريقة في التفكير تميل إلى التكاسل والتعميم وإرضاء الآخرين، وتحدثنا عن أضرار الأفكار النمطية وخطورة آثارها، ومعرفة أضرارها هو من أهم الدوافع للتخلص منها، ولم يبق غير عدة أمور بسيطة، يأتي على رأسها معرفة حجم المكاسب التي نحصل عليها بالتخلص من الأفكار النمطية الجاهزة، ومن المكاسب الهامة أننا نكسب أنفسنا واحترامنا لذواتنا عندما نتخلص من تلك القيود، كما نصبح حينها أكثر خفة في الحياة والحركة والتصرف بسلاسة، فلا نلجأ لغيرنا ليقرر ما يناسبنا وما لا يفعل، بل تعود لنا السلطة في تقرير مصيرنا، وتصبح حياتنا مريحة وآمنة، ومن المكاسب أيضا هو القدرة على استغلال كافة الفرص التي تحرمنا منها قيود الأفكار النمطية السائدة، فنتصرف حينها بمرونة، ونختار ما يعظم منافعنا ويجعل حياتنا أفضل.
وايضا لا تساعدنا معرفة مزايا التخلص من الأفكار النمطية وحدها في حل تلك المشكلة، إذ يظل علينا بعض الواجبات لتحقيق ذلك، ومن أهمها التدريب على التفكير النقدي بشكل مستقل، ويبدأ التدريب من ممارسة النقد لأنفسنا ولجميع أفكارنا السابقة وقناعاتنا المختلفة، فيصبح علينا مراجعة كافة ما لدينا، ونفحص كل الأفكار بعناية، ونحتاج أيضا إلى مواجهة ما يحول دون التفكير بشكل مستقل، وأقصد هنا القضاء على أسباب التبعية للآخرين، فيصعب التفكير بحرية والتصرف بشكل مستقل بينما نحصل على المال من الآخرين، كذلك تساعدنا الثقة بالنفس على مواجهة الأفكار النمطية الجاهزة، وهي ما تخلصنا من التبعية للآخرين والخوف من آرائهم السلبية، ويسهل زيادة الثقة بالنفس بممارسة الرياضة وتحقيق الإنجازات الدراسية والمهنية، ويجب الحرص على المعرفة أيضا، فيجب علينا التأني والبحث قبل الوصول إلى النتائج، ويمكننا ذلك بالحرص على تأمل السياق ومراعاة الفروق بين الظروف والأشخاص وخلافه، وأخيرا لا يعقل التخلص من التفكير النمطي بدون تقبل الآراء المختلفة والتعامل بمرونة والانفتاح على كل الأفكار المختلفة.
الأفكار النمطية الجاهزة هي الأكثر شيوعا، فأغلب البشر يفضلون ما هو شائع، وليست للجميع تلك القدرة على البحث والتفكير المستقل والوصول إلى النتائج، كما يخشى أغلبهم الخلاف مع كل ما هو راسخ، ولكن في النهاية تظل أضرار الأفكار النمطية أكثر من نفعها، فهي ما تحرمنا من ممارسة حياتنا كما نحب، وهي ما تحد من حركتنا وتحرمنا التجارب الجديدة واكتساب الخبرات، وعادة ما تكون هناك أسباب منطقية لشيوع الأفكار النمطية وانتشارها، وتحدثنا عن تلك الأسباب وعن سطوتها، كما تحدثنا عن مفهوم الأفكار النمطية كمنتجات لطريقة تفكير معينة، وبمعرفة تلك الطريقة وأسبابها يسهل علينا مواجهتها والتخلص منها، ويأتي ذلك بملاحظة سمات أصحاب التفكير النمطي، والتي أهمها التعجل والتعميم والتبعية للآخرين والخوف من آرائهم، إذ يسهل حينها التدريب على التفكير النقدي المستقل، وذلك بالبدء من مراجعة أفكارنا ونقدها، ويساعدنا الاستقلال المادي أيضا على التخلص من الأفكار النمطية الجاهزة، وتساعدنا الثقة بالنفس أيضا، وأخيرا تدفعنا مكاسب الحرية إلى التخلص منها، فلذلك الكثير من الفوائد.