وزير الأوقاف: الإجتهاد ضرورة العصر
صرح أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بأن الاجتهاد ضرورة العصر ، وأن الوزارة قد حددت موضوع مؤتمرها الدولي القادم عن هذا الموضوع ، وأنها تعد لإصدار العدد الأول من مجلة الاجتهاد الشهر القادم ، فقد عانينا في مجتمعاتنا المسلمة وعانى العالم كله من الفتاوى الشاذة والمؤدلجة على حد سواء ، كما عانينا من افتئات غير المؤهلين وغير المتخصصين وتجرؤهم على الإفتاء والذهاب إلى أقصى الطرف تشددًا وتطرفًا يمينيًّا ، أو انحرافًا وتطرفًا يساريًّا ، فإذا أضيف إلى هؤلاء وأولئك مهاويس الشهرة وحب الظهور من اللاهثين خلف كل شاذ أو غريب من الآراء ، محاولة منهم لجذب الأنظار ولفت الانتباه، تأكد لدينا أننا في حاجة إلى إرساء وترسيخ قواعد الاجتهاد وضوابطه ، وهو ما دفعنا إلى تحديد "الاجتهاد ضرورة العصر" ليكون موضوع مؤتمرنا الدولي القادم للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، بحيث يتناول ضوابط الاجتهاد ، وقواعده ، وأصوله ، وصوره ، وأنماطه ، ومدى الحاجة إليه ، وبخاصة الاجتهاد الجماعي في القضايا التي لا يمكن البناء فيها على الأقوال الفردية ، والتي تتطلب الفتوى فيها خبرات متعددة ومتكاملة ، ولا سيما في القضايا الاقتصادية والطبية والبيطرية وشئون الهندسة الزراعية وغير ذلك من مفردات حياتنا ومستجدات عصرنا .
ومما لا شك فيه أن الإقدام على التجديد في القضايا الفقهية ، والنظر في المستجدات العصرية ، وفي بعض القضايا القابلة للاجتهاد ، يحتاج إلى رؤية ودراية وفهم عميق وشجاعة وجرأة محسوبة ، وحسن تقدير للأمور في آن واحد .
كما أنه يحتاج من صاحبه إلى إخلاص النيّة لله (عز وجل) بما يعينه على حسن الفهم وعلى تحمل النقد والسهام اللاذعة ، ممن أغلقوا باب الاجتهاد ، وأقسموا جهد أيمانهم أن الأمة لم ولن تلد مجتهدًا بعد ، وأنها عقمت عقمًا لا براء منه ، متناسين أو متجاهلين أن الله ( عز وجل ) لم يخص بالعلم ولا بالفقه قومًا دون قوم ، أو زمانًا دون زمان ، وأن الخير في أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة .
وأؤكد أن تسارع وتيرة الحياة العصرية الراهنة في شتى المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية ، وكثرة تشابكاتها وتعقيداتها وتداخل مخرجاتها ، تقتضي وتحتم على العلماء المتخصصين والفقهاء المجتهدين إعادة النظر في مستجدات عصرنا ، والتعامل معها بأدوات هذا العصر ، وليس بأدوات غيره ، مع الحفاظ على ثوابت الشرع الشريف ، وذلك في إطار ما قرره العلماء والفقهاء والأصوليون من أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال ، وأن ما كان راجحًا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر قد يكون مرجوحًا في عصر آخر إذا تغير وجه المصلحة فيه ، وأن المفتى به في عصر معين ، وفي بيئة معينة ، وفي ظل ظروف معينة ، قد يصبح غيره أولى منه في الإفتاء به إذا تغيّر العصر ، أو تغيّرت البيئة ، أو تغيّرت الظروف ، ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة .
كما أننا نؤمن بالرأي والرأي الآخر ، وبإمكانية تعدد الصواب في بعض القضايا الخلافيّة ، في ضوء تعدد ظروف الفتوى وملابساتها ومقدماتها ، وإذا كان بعض سلفنا الصالح قد قال : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ، فإننا نذهب أبعد من ذلك فنقول : إن كلا الرأيين قد يكونان على صواب ، غير أن أحدهما راجح والآخر مرجوح ، فنأخذ بما نراه راجحًا مع عدم تخطئتنا لما نراه مرجوحًا ، ما دام صاحبه أهلا للاجتهاد ، ولرأيه حظ من النظر والدليل الشرعي المعتبر ، فالأقوال الراجحة ليست معصومة ، والأقوال المرجوحة ليست مهدرة ولا مهدومة .