الحياة الهانئة بقلم _ الأستاذ الدكتور/ محمد مختار جمعة
قال ا.د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الحياة الهادئة الهانئة أمنية كل مخلوق على ظهر البسيطة، ولا شك أن كل ما يؤدي إلى استقرار الأسرة وتماسكها وبث المودة والرحمة والتسامح بين أفرادها هو مطلب ديني ووطني وإنساني، وأن كل ما يؤدي إلى الشقاق أو التوتر بين أفرادها ينبغي تجنبه والبعد عنه، فالحياة الأسرية قائمة ومبنية على المودة والرحمة بين أفرادها وجميع لبناتها، ومتى تحققت المودة والرحمة وصارت منهج حياة داخل الأسرة سرت هذه الروح في المجتمع كله، وما لم تتحقق هذه الروح داخل الأسرة كان من الصعوبة البالغة تحققها في المجتمع، فمن لا خير فيه لأهله وأقرب الناس إليه فلا خير فيه أصلًا "خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه"، و من ثمة فإن تضافر جهودنا التوعوية في بناء وعي رشيد يحفظ للأسرة كيانها وتماسكها، ويعمل على نشر المودة والرحمة بين أبنائها جميعا، ويحول دون حدوث الشقاق أو التوتر سواء داخل الأسرة أم بين أفراد المجتمع إنما هو مطلب ديني ووطني وإنساني.
على أن الرحمة والمودة عملية لا يمكن أن تتم من طرف واحد، فالحياة أخذ وعطاء، أو قل: عطاء متبادل، وليست أخذًا فقط.
وإذا كانت الرحمة والمودة مطلوبتين في حياتنا كلها وعلاقاتنا كلها، فإنهما بين الزوجين أوجب، حيث يقول الحق سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"، ويقول سبحانه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ"، ويقول سبحانه: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ"، ويقول سبحانه" وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، ويقول سبحانه: "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) في خطبته الجامعة في حجة الوداع: "ألا وإن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا".
فالأمر قائم على السكن والمودة والرحمة والسكينة والحقوق والواجبات المتبادلة، بعيدًا عن كل ألوان الغلبة والاستعلاء، فالحياة الزوجية لا يمكن أن تستقر في أجواء الغلبة والاستعلاء والقهر، إنما تستقر في أجواء التقدير والاحترام المتبادل، وإذا كان ديننا الحنيف قد احترم آدمية الإنسان وكرامته الإنسانية فقال سبحانه: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ"، حاثًا بذلك على إكرام الإنسان لآدميته كونه إنسانًا، فكيف لا يكرم كل زوج من ذكر أو أنثى زوجه الذي اختاره الله له معينًا في مسيرة حياته.
وقد بين لنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) أن خير الناس خيرهم لأهله، فلماذا لا تكون الكلمة الأفضل والأحسن والأرحم والأجمل هي المفردة السائدة في حياة الناس الزوجية، بل الأسرية، بل المجتمعية، بل الإنسانية؟ وقد بين الحق سبحانه الفارق الكبير بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، فقال سبحانه: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ".
ما أحوجنا إلى الدفء الأسري والتراحم الأسري والكلمة الطيبة داخل الأسرة, ومراعاة كل من الزوجين شعور الآخر في كل كلماته وحركاته وسكناته، بما ينعكس إيجابًا على الجو الأسري بصفة عامة وسلوك وحياة وتنشئة أبنائنا بصفة خاصة، فصحة الأبناء النفسية وسلوكهم المجتمعي مرتبطان إلى حد كبير بجو الأسرة وحالها من المودة والوئام، أو الفرقة والشقاق، وهم أمانة في أيدي الأبوين، وكل منا مسئول عن رعيته حفظ أم ضيع يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
وإذا كنا نبحث عن الحياة الهادئة الهانئة المستقرة فلابد أن نأخذ بأسبابها من التسامح الإنساني، والتحلي بمكارم الأخلاق، وغض الطرف عن الهنات، والبعد عن تتبع العثرات.