النسبية واختفاء معايير انضباط المجتمع.. للكاتبة د. شيماء الأشقر
من أراد التحكم في شيء لابد أن يفككه، فلا يمكن التحكم إلا فيما هو بسيط، وإن تبسيط الواقع يجعل من السهل الهيمنة عليه والتحكم فيه.
وإن من يقف على أرضٍ صلبة من المعتقدات ليس كمن يجعل كل المُثُل مفككة وهشة، وهنا تلعب النسبية دوراً محوريًا في تبسيط كل شيء لتجعنا نتقبل كل شيء .
فأبسط معنى للنسبية في رأيي هو أن كل الأمور لا يمكن الحكم عليها بالصحة أو الخطأ إلا بِنسبٍ متفاوتة تختلف باختلاف العوامل المحيطة بالشيء سواء الدافع أو الغرض أو طبيعة الأشخاص وبيئتهم؛ فكل هذه الأمور وغيرها تجعل الفعل مَحط خلاف ودراسة فتتوه حقيقة الفعل في كونه صحيح أو خطأ.
والنسبية تنظر للأمور سواء أفعال أو معتقدات من عدة جوانب فتفكك الشيء وتبسطه وتضع له شرعية، فعند الاعتراض مع أحد الأفعال التي تبدو مخالفة لمعتقداتنا تستطيع النسبية أن تبررها من خلال النظر إلى الدوافع واختلاف طبقات المجتمع والفكر ومن ثم نتقبلها أو تخف حدة نظرتنا.
فالحكم من خلال النسبية يجعلنا نري الأمور أبسط لأنها تجعل معايير الاستدلال لا هي صحيحةً ولا خاطئةً بل تراها حسب علاقتها بالوضع العام وتطبيقها على مجموعة واسعة من وجهات النظر.
وهنا تخف حدة الاتباع دون النظر لتوابع هذا الفعل على المدى البعيد وأثره في تغير السلوك العام للمجتمع .
ومن المفترض أن النسبية تحرر الإنسان من التحجر الفكري ولكن أدت إلى نزع القداسة عن العالم وجعلت أغلب الأمور متساوية، ومن هنا فالظلم مثل العدل، والعدل مثل الظلم، والثورة ضد الظلم لا تختلف عن الاستسلام له. فيصبح من الصعب للغاية، بل من المستحيل، على الإنسان الفرد أن يتخذ أي قرارات بشأن أي شيء،
فالنسبية جعلت من الإنسان شخصية هشة غير قادرة على اتخاذ أي قرار، وأيضاً قادرة على تسويغ أي شيء، وكل شيء .
ومن ثم فحين تم تطبيقها على المعايير سواء الأخلاقية أو الدينية أو الإنسانية وغيرها ؛ تسبب ذلك بتآكل المعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع ، فأصبح المجتمع بلا معايير محددة وصار الإنسان دائم البحث عن مركز ثابت وعلى قدر من اليقين.
وقد أدى الغلو في النسبية إلى أن مفاهيم إنسانية فطرية وأساسية مثل الإحساس بالسعادة أو البؤس تصبح هي الأخرى محل تساؤل ؛ بسبب اختفاء المعايير وفقدان المقدرة على الحكم رغم وجود آليات السعادة المتعارف عليها بين الناس، وأتثبت هذا استطلاع رأي أكد أن الأكثر ثراءً وتقدماً هم الأكثر بؤساً، وأن الأكثر فقراً هم الأكثر رضا.
فما يجب على النسبية أن تفعله لتؤدي دورها الصحيح ؛ هي أن تجعل عقولنا أكثر مرونة وتفتُّح ، وتجعنا نخفف من حدة حكمنا على بعض ، ومراعاة العوامل المحيطة بنا كي ننظر لبعض بعين الرحمة ، وليس معنى ذلك ان نتهاون في القيم ونستخف بها أو نصوغ لها شرعية بهذه العوامل .
فعلينا أن يكون حكمنا حاسم على الأفعال التي تمس قيمنا سواء الدينية أو الاجتماعية أو الإنسانية ولا نقبل التهاون فيها .
والتهاون يكون في حكمنا على الأشخاص ، بأن لا نصنف أحد بأنه سيئ لكونه فعل فعلا سيئاً ،
فالكل يخطئ وربما اضطر احد لهذا الخطأ ، فعلينا أن نرحم بعضنا ونتقبل بعضنا البعض بأخطائنا ولا نتقبل الخطأ نفسه مهما كان الدافع أو العوامل المحيطة به.