أنباء اليوم
الأحد 22 ديسمبر 2024 04:31 صـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

محمد دهشان يكتب: مراكب تائهة ومرافئ غائبة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

سآخذكم اليوم في رحلة بحرية .....ولكن أستميحكم عذرا

فالجو عاصف, والريح عاتية صفيرها يصم الآذان, والموج...

كأنه الجبال بعلوها الشاهق يضفى رهبة وخوفا في النفوس

والسماء مغطاة بطبقات الغيوم السوداء التي يشقها برق خاطف

يتبعه رعد مزمجر.....,فمعذرة....

في خضم هذه الأنواء ..وهذا الجو الغير مستحب...؟؟

هل ترون ما أرى..؟؟

وكأنها مراكب صغيرة .ضعيفة..تصارع الموج..

تتقاذفها الأمواج...ترميها يمينا مرة, وشمالا مرة أخرى

تعلو إلى القمة...ثم تهوي بها إلى الأسفل..

مهلا... وكأن بها ركابا ...يا للمساكين..

قلوبهم فزعة..نفوسهم حائرة أبصارهم زائغة

قواهم خائرة...أيديهم وأرجلهم كأنها مكبلة بقيد سميك قوي

استسلموا لقدرهم المحتوم...عل وعسى أن يأتيهم الفرج

الفرج من الله وحده وتنتهي مأساتهم ..بعد أن فقدوا البوصلة.!!!

ألا يحرك المشهد فضولكم...؟؟ أعرف أنكم ترغبون وبشدة

أن تعرفوا من بهذه المراكب البائسة لن أطيل عليكن هيا معي

هذه مركب عليها امرأة ,متوسطة العمر..جلست تسترجع شريط عمرها

بحسرة وندم.... ولكن هيهات لأن ينفع الندم الآن..

زفت إلى ذلك العريس الجاهز (من مجاميعه),بعد أن أكملت تعليمها الجامعي

وتوظفت , فهي في غاية السعادة, وكيف لا وقد تمت الخطبة بسرعة

ولم تحدث مشاكل في التجهيز ,فالعريس لا يفوت

عاهدت الله ثم عاهدت نفسها أن تعيش حياتها لبيتها

ولأسرتها , لن تبخل عليهم بأي شيء

وكيف تبخل وقد ضحت بوظيفتها وعملها ومستقبلها المهني

لكي تتفرغ لهم لزوجها ولأولادها....

فهي تريد أن تربي أولادها تلك التربية الصالحة التي تربتها

ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن...

فلم يكن هذا الزوج ممن يعاشرون بالمعروف

تحملت وتحملت الكثير وعملت كل جهدها لإصلاحه

فقابل إحسانها إليه بالجحود والنكران

وحنانها بالقسوة و الاهانة, وكرمها بالبخل والتقتير

فكانت النتيجة ...الطلاق مع ثلاثة أولاد

وبداية حياة- جديدة صعبة - من الصفر

والآن سنرى من يقبع في المركب الثاني

يا الهي....إنها مجرد طفلة صغيرة...تتمسك بلعبتها

وتضمها إليها بقوة وكأنها الملاذ الآمن!!!!

لنقترب منها ونسألها ما الذي جاء بها إلى هنا

"إني وحيدة" ......يالليتيمة المسكينة هل ماتت أمها ؟؟؟

لا ....إني وحيدة ولا أجد من يسأل عنى أو يهتم لأمري !!

فأمي لا أكاد أراها, جل وقتها خارج البيت في العمل

والصديقات.والندوات , دائما هي مستعجلة وعندها موعد مهم !!

اشتاق لحضنها ...فلا أجده ..فأحتضن لعبتي الصغيرة هذه

فهي صديقتي ومؤنسة وحدتي ....هي وحيدة مثلي

سنجلس هنا ننتظر أحضان أمهاتنا

أنظروا من بهذه المركب...!!

ماذا نرى هنا..؟؟

انه شاب في مقتبل العمر..تاه مركبه وسط هذا البحر

المتلاطم أمواجه....

ترى ما الذي أتى به إلى هنا ؟؟وما قصته ..؟ سنرى معا

هو شاب كله حيوية ونشاط وأمل وطموح

يسعى بكل جهده ليحققه أراد أن يسبق الزمن ويسارع إليه

فكم سهر الليالي وبذل الجهد

ولم يتوانى لحظة واحدة عن السعي ولكن..........!

ما أقسى وما أصعب أن يصطدم هذا الطموح برغبات الأهل

وخاصة أب مسيطر أقل ما نسميه بالأب الدكتاتور

لا رأي إلا رأيه...ولا كلمة مسموعة إلا كلمته

فلا تفاهم..ولا تحاور..ولا نقاش ..ولا جدال

الجميع بما فيهم الأم عليهم فقط السمع والطاعة

لا كلمة فوق كلمة حاضر يا أبي

اصطدم هذا الشاب بصخرة- رغبة أبيه-

وتكسر عالم طموحاته عليها

ضاع تعبه وذهبت آماله أدراج الرياح

فأبوه يريده نسخة منه ..يريد لابنه أن يمشى على نفس دربه

يريد تكرار ذاته عن طريق ابنه...

"ولكن يا أبى إني أريد أن أدرس المجال الذي أرغبه

إني طمحت إليه فساعدني أرجوك لكي أحققه"

اصمت....ولا كلمة زيادة ستدرس ما أرغب أنا

ستكون كما أريد أنا...ستكمل ما توقفت عنده أنا......!!!

سدت الطرق في وجهه وتاهت مركبه في أمواج الرغبات

أعلم أنه قد نال منكم التعب..سامحوني

سنرى من بهذه المركب ونعود أدراجنا

يا لهذا الشيخ العجوز...

لقد تركت السنون آثارها جلية واضحة

فكل ذرة من جسمه عليها أثر الكد والعمل

والسعي في ملكوت الله ليسترزق لأبنائه ويوفر لهم الحياة الكريمة

أخذ يتحسس بيديه الضعيفتين المكان ليلقي بجسده النحيل عليه

انه ينتظر قدومهم.....يحدث نفسه "سيأتون عما قريب إنهم قالوا كذلك"

لقد جاء به أبناؤه إلى هذا المكان الموحش ووعدوه بأنهم سيرجعون لأخذه

هاهو ينتظرهم بفارغ الصبر....ولكن المدة طالت ولم يرجعوا...!!!!

فمن سيعطيه دواءه ؟؟؟من سيبدل له ثيابه ويلبسه غيرها نظيفة؟؟

من سيأتي له بطعامه الصحي الذي وصفه الطبيب له؟؟

من سيأخذ بيده إلى المتوضأ ليتوضأ ويصلي

ويدعو الله لهم ويلح بالدعاء

اللهم احفظهم من كل سوء

مراكب تائهة ...وما أكثرها في بحور الحياة

تصارع الأمواج وتنتظر الأمل

تاهت عن الأعين.... وعن القلوب بعد أن فقدت البوصلة...

لتوجهها .... تبحث عن ضوء المنارة لتدلها إلى شاطئ الأمان

فهل يا ترى بعد هذه الرحلة الشاقة

في ظلمات نفوس تتلمس طريق النور والصلاح

هل تهتدي ..؟؟؟هل تجد ضالتها المنشودة...؟؟

هل تجد مرافئ هادئة..منيرة بالحب والطمأنينة

والسكينة لترسو فيها..؟؟