”بيكيا” بقلم - ولاء مقدام
كلمة بيكيا هي اختصار لكلمة روبابيكيا، وهي كلمة مشهورة جداً في شوارعنا والأحياء المختلفة.
نستيقظ من النوم على صوت جهوري يقول بيكيا أو روبابيكيا، شخص يجر عربة عليها سلع وأشياء مختلفة لا تمت لبعضها بصلة، لكن ما معنى كلمة روبابيكيا؟
«بيكيا» أو «روبابيكيا» هي كلمة معربة من أصل إيطالي وتعني الملابس القديمة، فـ«روبا» معناها ملابس و«بيكيا» تعنى القديم.
وفي أوروبا تقام مزادات لمثل هذة التجارة ولكن في مصر معنى كلمة روبابيكيا هي: تجارة الأشياء المستعملة والمستغنى عنها بصفة عامة أو ما نسميه فى مصر (كراكيب)، والتسمية (روبابيكيا) محرفة قليلًا عن التسمية الإيطالية لهذه التجارة، وتعني (أشياء أو ملابس قديمة).
وقد تحول هذه التجارة صاحبها من الفقر إلى الغناء الفاحش، ولكن ماذا يستفيد الأشخاص الآخرين عندما يستغنوا عن الأشياء القديمة التى لا يحتاجون إليها؟ هي نوع من التنظيم والترتيب، نوع من إيجاد مساحة لاستقبال والإحتفاظ بأشياء جديدة ومفيدة.
هل نحتاج نحن البشر ثقافة البيكيا في حياتنا بصفة عامة؟كيف ستكون الحياة إذا تخلينا عن كل الأمور القديمة المزعجة التي لانحتاج إليها؟ هل يجب أن نظل نحتفظ بكل ما يحمله الماضي من مواقف ومشاعر سلبية تعيق تقدمنا؟ سوف نناقش في هذا المقال فكرة التخلي عن المواقف السلبية والموجودة في العقل البشري وتفعيل فكرة البيكيا داخل العقل البشري.
أولاً: لماذا يتذكر الإنسان المواقف السيئة ويحتفظ بها أكثر من المواقف المفرحة؟
ثانياً: هل يستطيع الإنسان أن يمحو من ذاكرة الأحداث السلبية التي تعرض لها في الماضي؟
ثالثاً: ماذا يحدث إذا لم يستطيع الإنسان الخروج من دائرة أحزانه وموافقه المؤلمة؟
السؤال الأول .. لماذا يتذكر الإنسان المواقف السيئة ويحتفظ بها أكثر من المواقف المفرحة؟
لابد أن نحدد في البداية أن هذا التذكر يختلف من فرد لفرد ويختلف من موقف لوقف، نجد أن الأشخاص الحساسة تجد صعوبة في النسيان أو تخطي المواقف، وأيضاً يتوقف على حجم الموقف، مدى ألمه ومدى تأثيره على حياة الشخص في المستقبل لذلك قد نجد أنه يمكن أن يكون الموقف واحد ولكن قدرة الأشخاص على التخطي والنسيان مختلفة.
على سبيل المثال بعض الأشخاص يكون لديها حب جلد الذات، نجدهم يعيشون المواقف التي حدثت في الماضى كما لو أنها حدثت أمس بكل ألمها وكل تفاصيلها، أيضاً من أسباب تذكر المواقف السلبية فكرة الخوف من تكرار الموقف، نجد الشخص يعيد ويكرر الموقف في عقلة تأكيداً منه أن لا يتكرر كأنه يؤكد على عقله الواعي أن لا ينسى ويتعلم الدرس جيداً.
.. الذكريات السيئة عدو يطارد الإنسان، يدمره ويقضي على سلامه النفسي وطمأنينته.
هو جدار عالي يمنع الإنسان أن يحيا بصورة طبيعية ويستمتع بحياته.
السؤال الثاني .. هل نستطيع أن نمحو ذكريات الماضي المؤلمة؟ نعم يستطيع الإنسان الخروج من هذه الدائرة ولكنها تحتاج إلى عزيمة وإصرار وكذلك صبر وتحدي.
تحتاج إلى خطة محددة الخطوات والأهداف حتى تستطيع ترك الماضي.
نجد كثير من الأشخاص يستغرب من نفسه لأنه حقيقي يريد أن ينسى وأن يتقدم إلى الأمام ولكنه مازال مسجون فى سجن أمس بكل ما ألَمَّ به من مشاعر سلبية وذكريات موجعة.
أول خطوات الشفاء هي التذكر التام والتعبير عن المشاعر إما بالبكاء أو الكتابة أو حتى الحديث عنها مع أشخاص مقربين وأهل للثقة حتى يستطيع تفريغ شحنة الغضب والحزن والوجع الذي يحتل روحه.
أي يتذكرها بكل تفاصيلها لا يحاول أن يهرب منها، أن يسجل كل لحظة وكل موقف وكل شعور، يعبر عن نفسه ويترك العنان لمشاعره للخروج والتنفيس.
ثانى خطوة أن يستبدل هذه المواقف بأمور إيجابية إذا كان مثلاً: تاريخ معين يذكره بموقف صعب أو حزين، يربط هذا التاريخ أو المكان بموقف إيجابي وموقف محبب للنفس ويحاول أن يمحو الذكرى السيئة بواحدة أخرى إيجابية ويظل يركز على الإيجابية حتى تتراجع الذكرى السلبية من عقله.
ثالثاً.. التحرر من الماضي، يدرك أنه كله بأمر الله و كان لابد له أن يمر بمثل هذه التجارب حتى يتعلم، لابد له أن يؤمن بحقيقة العدل الإلهي فهو لديه ٢٤قيراط متساوي مع الآخرين، وقد يكون لدية إخفاق فى جانب ولكنه لديه تميز في جانب آخر.
هذا قانون كوني لابد الإيمان به والتعامل معه بقلب مؤمن، يدرك دائماً أن الله لا يأتي منه غير الخير وأن داخل كل محنة منحة ، أن يبحث عن الجوانب الإيجابية من كل موضوع ، أن يتحرر ، أن يحاول أن يسامح نفسه ويسامح الآخرين على ما فات وبذلك يستطيع التقدم ، الماضي يجب أن يكون مجرد درس وعبرة وليس سجن يحيا بداخلة الإنسان طوال عمره.
وأخيراً .. ماذا يحدث إذا لم نستطيع محو الذكريات السيئة؟
سوف نحيا بدون روح سوف يكون المستقبل مرير والحاضر غير موجود والماضي مريض ومسيطر على كل الخطوات. سوف نعيش فى خوف وقلق وفزع من تكرار نفس الأحداث ، سوف نخسر الأشخاص ،ونخسر الفرص التي تمر أمامنا للتقدم والرقي ، سوف يتحول الإنسان من كائن حي إلى كائن دفن فى مقابر الماضي يتنفس أتربة الماضي ويحيا بدون شمس مستقبل ينير له الطريق.
حقيقة إن هناك لحظات فارقة فى حياة كل الأشخاص، لكن الله كما خلق بداخلنا الضعف خلق أيضاً القوة، كما خلق الداء خلق الدواء وكما خلق الألم خلق السكينة والطمانينة، هي فقط تحتاج إلى وقفة مع النفس .. أن تقرر أين تريد أن تكون ، هل تريد أن تكون في مأتم الماضي أم فى حدائق الحاضر وجمال المستقبل تستطيع أن تستغني عن كل ما هو قديم من ألم ومواقف، تستطيع أن تمحو كل الذكريات، أن تضعها على عربة البيكيا وتودعها للأبد، ولكن يتوقف عليك أنت من يقرر وأنت من ينفذ وأنت من يستغنى ويمحو .. أنت من يبحث عن عربية الروبابيكيا ويستغنى عن القديم المؤلم للأبد.