علاقات مسمومة.. بقلم - محمد عبدالعاطي دهشان
لا تسمم روحك بعلاقات منتهية الصلاحية, فهل فكرت يوماً ماذا يحدث لك بعد تناول وجبة فاسدة منتهية الصلاحية؟ لحظتها يخبرك جسدك بشعور مفاجئ من إعياء وفقدان للشهية واصابه بحمي وقشعريرة وألم وربما قد يصل الحال بك الى التسمم من علاقات تنهك الروح قبل الجسد, والمشكلة هنا تكمن في مرآة الحب العمياء التي تغمض عينيك عن قصد عن هذه الأعراض المميتة فتتمادي في الضغط على روحك المرهقة حتى تصل لنقطة الانفجار, فاذا اختصمك أحد وبغي عليك بغير ذنب فلا تسمم روحك بكراهيته لان عجلة الحياة دوارة فكما تدين تدان ولا تشغل نفسك بلعنه وذمه وانتقاد اخلاقياته وذكر مثالبه وإنما اعتبره ذرة من ذرات الكون الفسيح التي لا تدري سبب وجودها على هذه البسيطة, فلا تقدحة ولا تمدحه ولا تسمع عنه ما يسئ اليه بل تجاهل وجودة الى ان يرجع عن غية ويصلح اخطاءه ويعتذر وادخر لحظات السعادة فيمن يستحق.
البدايات دائما أجمل مع فورة المشاعر والشغف بالمحبوب ورفرفة الفراشات في المعدة كما يقول التعبير الإنجليزي, فتتطور العلاقات مع مرور الوقت، تنضج وتتغير كنتاج لتطور وتغير شخصيات أطرافها، وكنتيجة للتقارب بينهما مع مرور الوقت، فتظهر صفات ربما لم ينتبها لها في البداية، وهو ما قد يؤدي أحيانا إلى تآكل العلاقة، وتسممها، فيأكلها العطن من الداخل بينما تبدو مثالية من الخارج فقط, في مثل هذه العلاقات ينشأ ما أطلق عليه” روبرت فايرستون” أستاذ علم النفس “الرابطة الخيالية” لوصف وهم التواصل الناشئ بين شخصين، والذي يساعد على التخفيف من مخاوفهم الفردية عبر تشكيل إحساس زائف بالارتباط, هذا النوع من الارتباط يتحول إلى حالة مسمّمة بكُليّتها، حيث يستبدل الشعور بالحب والدعم بالرغبة في دمج وصهر الهويات، وفقدان الشعور بالاستقلال، حيث يبحث كل منهما عن الأمان في وهم الاندماج، أو ممارسة أحد الطرفين لدور الأب أو الأم في العلاقة من خلال وهم توفير الحماية والرعاية, إن قدرة الأفراد في مثل هذا النوع من العلاقات على خداع ذواتهم تُمكّنهم من الاحتفاظ بوهم القرب والحميمية، ليغلقوا أعينهم بذلك عن حقيقة افتقاد العلاقة للالتزام العاطفي الحقيقي والرفقة الحقيقية.
يشعر كثير من الناس أن طاقتهم مستنزفة، لكنهم لا يعلمون لماذا ولكن بنظرة فاحصة قد يدرك المرء أن السبب هو بعض العلاقات مع الأشخاص من حولنا الذين يبثون الطاقة السلبية، ما يسلب المرء سعادته, ولأن العلاقات تستنزف الوقت والطاقة لذا يجب على المرء الحرص في اختيار دائرته المحيطة بعناية, لان العلاقات الانسانية الصحية تقوم على أسس واضحة مثل الاحترام والاعجاب المتبادل والشعور بالراحة والثقة والأمان , وتقول ريتشاردسون “أغلب العلاقات يمكن تقويمها إما بالحوار الجاد أو بالاستعانة بمساعدة من مختصين نفسيين من أجل تشكيل علاقة صحية، سليمة قائمة على الاحترام والثقة وتبادل إيجابي للطاقة”.
وإنه من أهم مؤشرات العلاقة المسمومة أنها بمثابة عثرة في طريق تطور الكثير وهي علاقة ينتج عنها الكثير من المعاناة والتبعية والانزعاج النفسي والجسدي مليئة بالرخوة المهتزة مع أبسط خلاف مبنية على الشك والخوف والتخلي والألم , حسب أخصائية علم النفس “ساندرا لوستغارتن” إن “العلاقات العاطفية المسمومة غالبا ما تنتج عن الروابط غير الصحية والاختلالات النفسية والشخصية التي يعاني منها أحد الطرفين. في البداية، يكون الضحية المختارة في هذه العلاقة شخصا يتمتع بصحة جيدة ولديه صفات معينة تجذب إليه الطرف الآخر المتحكم والسلبي؛ حيث أنه يكون ناجحا وموهوبا ويتمتع بالجمال الجسدي والذكاء، في حين يكون الطرف الآخر يعاني من النرجسية والأنانية ولا يشعر بأي تعاطف تجاه الآخرين، كما أنه يتقن التلاعب بالآخرين وفرض سلطته والتحكم وإحداث الضرر”.
تقول جارة القمر فيروز في أحدى أغنياتها من كلمات الأخوين رحباني: بديت القصة تحت الشتي, بأول شتي حبو بعضن ,وخلصت القصة بتاني شتي, تحت الشتي تركوا بعضن, حبو بعضن , تركوا بعضن, هكذا هي العلاقات العاطفية هذه الأيام لا تسير على خط مستقيم فنجدها تارة متأرجحة بين حُبّ وهيام وشوق وولع، ثم بُعد وخصام وحيرة ولوعة، مما جعل موضوع العلاقات العاطفية المؤذية والمسمومة و الفاسدة هو بحقّ موضوع الساعة, كونها حجر عثرة في طريق أي شخص مرّ بتلك التجربة.
فالعلاقات الصحية الحقيقية كحبة القمح لا ينعم بها الا من زرعها, واضحة كشمس الصباح حقيقية كنور الفجر صافية كقطرة ندى بعيدة عن أي زيف أو تغيير أو غاية تزيدها الأيام تماسكا وصلابة وثباتا وهي علاقة مريحة وداعمة تدفع كلا الطرفين لتحقيق أهدافهم دون ضغوط ودون نقد وتنمر هي علاقة قائمة على الثقة والسعادة والثقة والاحترام المتبادل والتعامل الناضج، وتنبني العلاقة بين الطرفين على الحرية والتقدير لكي يخلقوا حالة من الانسجام والتوازن الروحي دون خوف أو تهديد, فالحياة أقصر من أن نقضيها في قلق وتوتر وحروب فنحن في الواقع بحاجة للعلاقات المستمرة المستقرة المتوازنة لننتج ولنعطي ولنبدع وبالتالي فان كسر حلقة العلاقات السلبية المسمومة قد يكون البوابة الحقيقية, لا لحياة أسعد فحسب بل لحياة أكثر إثمارا واستقرارا وسعادة ,فكل شخص يستحق علاقة صحية ويستحق الحب, وعندما تنتهي علاقة أيا كان مسماها فاهجر بدون أذية بلا جرح تعلم الهجر الجميل المؤدب وادع بظهر الغيب واذكر المحاسن واحفظ ما تبقي من الود فأنت أيضا لك عيوبك حتى وان انتهت العلاقة يبقي صون الود والذكر بالخير ذلك من شيم النبلاء !