أنباء اليوم
الخميس 7 نوفمبر 2024 09:02 مـ 5 جمادى أول 1446 هـ
 أنباء اليوم المصرية
رئيس التحريرعلى الحوفي

”النهي عن الإفساد في الأرض وحماية البيئة” بقلم فضيلة الشيخ/ عبد المنعم الطاهر من علماء الأزهر الشريف

الشيخ عبدالمنعم الطاهر
الشيخ عبدالمنعم الطاهر

الحمد لله نهى عن الفساد في الأرض بعد إصلاحها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرشد الأمة إلى طريق السعادة، ودخول الجنان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقبت الدهور والأزمان.

أما بعد:

فيا عباد: اتقوا الله -تعالى- وتوبوا إليه، يقول الله -تعالى- في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: (أَلَمْ تَرَ) أيها الإنسان: (أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ)[فاطر: 27].

ويقول سبحانه: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ)[فصلت: 9-10].

وكثيرة آيات القرآن في وصف الأرض، وعظيم صنع الله وروعته، وعظمة الصانع سبحانه وتعالى الذي خلق كل شيء جميلا!.

والإسلام يأمر بكل خير، وينهى عن كل شر، ويأمر بسائر الآداب، ومحاسن الأخلاق، ومما أمر به الدين القويم: المحافظة على البيئة التي نعيش بها، وعلى الأرض التي نسكنها، وأن نهتم بهما وهذه المحافظة هي لمصلحة الفرد والمجتمع: فما هي البيئة؟ ولماذا نحافظ عليها؟

أيها الأحبة: الإنسان مستخلف في هذه الأرض: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 30].

وهذه الخلافة في الأرض يترتب عليها مسئولية جسيمة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر ماذا تعملون".

فمفهوم الاستخلاف للإنسان خير رابط بينه وبين بيئته، فخالق الإنسان وصانع البيئة واحد، وهو الله -سبحانه-: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)[السجدة: 7].

والكائن البشري غير منفصل عن بيئته، فهو عنصر مهم من عناصرها، وحماية البيئة الطبيعية والاجتماعية التي بها عمارة الأرض؛ حث عليها الإسلام، وبها سلامة الإنسان، وحماية الطبيعة، والمحافظة على نظام الحياة، وسعادة البشر، واستمرار وجودهم على هذه الأرض، ومن معهم من الكائنات؛ يجب حمايتهم من التلوث، والتخريب والانقراض.

والاسلام يأمر بحماية الصحة والبيئة والتوعية، والتثقيف والتربية على العناية بالصحة والطبيعة، وحماية الأحياء، والحياة على هذه الأرض خلق عظيم؛ لأن ما صنعته يد الخالق -سبحانه- يتصف بالكمال والإتقان والصلاح، ولا شيء خلق عبثا في هذا الوجود: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)[النمل: 88].

وإن تصرف الإنسان الأناني جهل وعدوانية يدفعه إلى تخريب البيئة والفساد: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) عبر الأزمان: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)[الروم: 41].

وخاطب الإنسان مدافعا عن البيئة والحياة بقوله: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) [الأعراف: 56] أي بعد أن أصلحها الله للعيش بها.

فمن حماية البيئة: حث الإسلام على الطهارة، وذلك بتربية الإنسان على الطهارة والنظافة، والدعوة إلى تنظيف الجسد والثياب والأواني والأثاث: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر: 4].

(وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ) [المائدة: 6].

فالطهارة وحماية البيئة من التلوث نعمة يجب الشكر عليها لله -سبحانه-، وبها تتم النعمة.

ومنه نفهم أن نعمة الصحة والسعادة والمال وغيرها من المال ناقصة من غير طهارة البيئة، وحمايتها من التلوث والفساد؛ لأنها تبقى مهددة للخراب والزوال.

ويتسامى الفكر الإسلامي وحضارته الإسلامية عندما يقرر: أن الله خالق الوجود، طيب لا يقبل إلا طيبا، ونظيف يحب النظافة؛ كما ورد ذلك في عدد من الأحاديث.

وكما يحث الإسلام على الطهارة؛ ينهى عن تلويث البيئة وإفسادها؛ من ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن البصاق في الأرض، لما له من مضار صحية ونفسية، تخالف الذوق، وتثير الاشمئزاز، وهو ما يفعله بعض الناس اليوم بتساهل -مع الأسف-.

وكذلك: النهي عن التغوط تحت الأشجار المثمرة، والتبول في المياه الراكدة والجارية، وعلى الطرقات حماية للبيئة، وحفظا للطهارة والصحة، وكلها وصايا في حماية البيئة؛ لخطر فضلات الإنسان على الصحة، وتلوث البيئة، لا سيما المياه التي تساعد على نمو الجراثيم، وانتشارها عن طريق الشرب والغسل، والخضروات التي تسقى بها.

روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أنه نهى صلى الله عليه أن يتغوط الرجل على شفير ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، وتحت شجرة فيها ثمرتها، وأن يبول أحد في الماء الراكد".

ومما يضر بالبيئة: ما يتساهل به بعض المزارعين بلا خوف من الله؛ بوضع المبيدات والكيماويات في غير وقتها على الخضار والفواكه، التي تجلب للأسواق مباشرة، وتسبب الأمراض للناس، وهذا ضرر بيئي وخلقي.

ومن هنا: ندرك اهتمام الإسلام بحماية الإنسان، والحفاظ على صحته، وحياته المدنية، وذلك بجلب المصالح، ودرء المفاسد، وجلب المنفعة، فلا ضرر ولا ضرار.

فما ثبت ضرره عن طريق البحوث الحديثة، والدراسات العلمية، على الأرض والبيئة، فإن الإسلام يحرمه؛ كالتجاوز في الصيد، وإفساد البحار وتلويثها، وآثار المصانع المدمرة، وغير ذلك مما اتفق البشر عن الحد من أخطاره وأضراره، فإن الإسلام يشجع على ذلك.

ومشكلة الإنسان اليوم لا سيما في المدن الكبرى، هي مشكلة بيئية للتخلص من الفضلات، وأخطار التلوث بمخلفات المصانع والمعامل، ومجازر الحيوانات وفضلاتها؛ لأنها من أوسع مصادر التلويث والأمراض الجرثومية المسببة للأمراض، وهذه من جلب الإفساد إلى الأرض، ولا بد من ابتكار الحلول لإعادة تدوير تلك المخلفات.

عباد الله: إن تفاقم المشكلات البيئية في العالم أجمع، وما ترتب عليها من مخاطر تهدد كل الكائنات على السواء، وأصبحت من الأمور التي تستوجب من الجميع المشاركة الفاعلة في مواجهة مشكلات البيئة؛ كتلوث الهواء والماء والضوضاء، وتلوث التربة والغذاء، أو كذلك مشكلات معنوية؛ كالتلوث الخلقي والثقافي والسياسي والاجتماعي والفضائيات، وعبر الانترنت، وسوء التعامل مع الالكترونيات، كل ذلك خطر على الدين والإنسان.

نحن -أيها الأحبة- عالم نعيش على كرة أرضية واحدة، ومن المهم أن نتفق على حمايتها بعد أن أصلحها الله؛ تشير الإحصاءات –إخوتي- إلى أن العالم قد خسر في عام واحد فقط حوالي 36 نوعا من الحيوانات الثديية، وأربعة وتسعين نوع من الطيور، بالإضافة إلى تعرض 311 نوع آخر من الكائنات لخطر الانقراض.

أما الغابات الخضراء، فهي في تنقص دائم في الأرض بمعدل 2% سنويا نتيجة الاستنزاف، وكذلك التربة، فإنها تتناقص باستمرار بمعدل 7% نتيجة الانهاك المستمر للزراعة الكثيفة، أو الري الكثيف مما يؤدي إلى ملوحة التربة، مع فقد كبير للغابات والأشجار.

تعد 10% من أنهار العالم ملوثة وتحتاج البحار في العالم إلى مئات السنين للتخلص من التلوث الذي أصابها.

ومن العجب: أن البلدان الكبرى المتطورة؛ كما يزعمون في العالم، والتي تدعي المحافظة على البيئة، هي أكثر الدول المسببة للتلوث بنسب عالية؛ كأمريكا وأوروبا والصين وغيرها، وهذا لا يعفي بلداننا نحن من الخطأ والمسئولية.

كذلك تسود استخدامات المياه في العالم ممارسات خاطئة، تؤدي إلى ندرة المياه، والإضرار بها، عدا عن الانخفاض الطبيعي الحاصل في منسوب المياه الجوفية في باطن الأرض، خصوصا في بلادنا هنا، في بلادنا هنا الأمر يهددنا بخطر، فنحن نعيش في بيئة صحراوية!.

انظر إلى إسرافنا للمياه في بيوتنا ومزارعنا، ونحن في بيئة صحراوية مهددة بفقد المياه -عياذا بالله- حتى وصل استهلاك المياه للفرد الواحد فقط في بيت واحد، وانظر كل بيت كم فيه من فرد، وصل استهلاك المياه في اليوم الواحد لفرد واحد إلى 350 لتر يوميا! لاحظ الفرق، وهو أمر لا مبالغة به إذا تخيلنا ما تقوم به مثلا العاملة المنزلية من الصباح إلى المساء.

كما أن الاستهلاك الزراعي للمياه يهددنا بمشكلة كبرى؛ لأنه يستهلك أكثر من 90% من مياهنا الجوفية السنوية، وإذا أردت أن تعرف الخطر فلتعرف أن إعداد لتر واحد من اللبن يحتاج معه إلى 25 لتر من الماء من الأعلاف، وغيرها

وهذا من إسرافنا في المياه؛ كأننا نعيش على أنهار، وما هذه الخطورة بفقد المياه، ورغم الترشيد والتوعية التي تبثها مشكورة وزارة المياه، وتوزيع مرشدات المياه إلا أن الإسراف يزداد حسب الإحصاءات مما يجعلنا في خطر داهم لفقد المياه.

وكذلك انظر إلى الإسراف في الكهرباء الذي نمارسه في شوارعنا، وبيوتنا، عدا عن الإسراف في السيارات واستخدامها، لا سيما في البراري، وكذلك التعدي على المزارع.

إن هذه الحقائق والاحصاءات توضح خطورة الوضع الذي وصلت إليه الأرض نتيجة سوء استخدام البيئة من قبل الإنسان؛ بسبب الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، وهي مظاهر تستلزم التدخل السريع للإنقاذ، ولا إنقاذ للبشرية إلا بفهم تعاليم الإسلام.

وجاءت الأديان السماوية كلها تدعو الإنسان إلى المحافظة على البيئة، وتحرم عليه تلوثيها وإفسادها؛ لأن الله خلقها من أجله، وسخرها لخدمته ومنفعته: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)[النحل: 5] إلى أن قال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 14].

إن الكون مسخر بأمر الله للإنسان، فيجب عليه أن يحافظ على نظافته ونظامه الدقيق البديع الذي خلقه الله عليه.

عباد الله: حماية البيئة في الإسلام تعد السبيل الأقوم للحفاظ على الإنسان، ولذلك أمرنا بعدم الإسراف، واستنزاف مواردنا الطبيعية وتبديدها: (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة: 60].

(وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)[الشعراء: 151-152].

وكذلك بقية العناصر الطبيعية من ماء وهواء أولاهم الإسلام عناية كبرى، وسر ذلك كونهما عنصرين أساسيين يتوقف عليهما وجود الإنسان والنبات والحيوان، واستمرار حياتهم: (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)[النحل: 65].

وكذلك حث صلى الله عليه وسلم على حماية البيئة ومكوناتها، كان عليه الصلاة والسلام يوصي الجيوش بأن: "لا تقتلن امرأة، ولا صغيرًا رضيعًا، ولا كبيرًا فانيًا، ولا تحرقن نخلاً، ولا تقلعن شجرًا، لا تهدموا بيوتًا"[رواه مسلم].

هذا في الحرب ومن باب أولى السلم، حيث تفخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة، ومن تعظيم الحرم المحافظة على بيئته بعدم قطع الشجر، وقتل طيره على المحرم، ويقول صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان له صدقة"[رواه مسلم].

تشجيعا على الشجرة لا أن يكون الإنسان سببا في قطع الأشجار والاحتطاب الجائر على الغابات التي تمثل حماية للأرض والهواء والنبات، وما أكثر الاحتطاب الجائر الذي يمارس اليوم، والإنسان لا بد أن يكون بعيد النظر في بيئته تمثلا للمثل القائل: "غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون".

ولا يغيب عن أذهاننا قوله صلى الله عليه وسلم، انظروا -أيها الأحبة- إلى عظمة هذا الدين الحنيف، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها" إنه منتهى الأمل، وتواصل العمل، بدون الكلام.

لك أن تسأل من سيستفيد من هذه الفسيلة إذا قامت الساعة؟!

لكنه تشجيع لمفهوم البيئة والحفاظ عليها.

موضوعات متعلقة