أرجوك اسمعني .. بقلم - محمد دهشان
توجهت ثلاثة من الطيور إلى الحمامة الحكيمة ليستفسروا منها عن كيفية بناء عش جميل مثل عشها. فرحت الحمامة باستفسار الطيور الثلاثة، وقالت لهم : “الآن اقتربوا وأصغوا لي جيداً لتعرفوا كيف تبنون عشاً مثل عشي،
ثم تناولت الحمامة غصناً من الشجر، وهنا صاح أحد الطيور: نعم الغصن، عرفت كيف ستبنين العش، هيا بنا سأبني عشاً مثل عش الحمامة، وطار بعيداً ولم يتبعه الطائران الآخران، تناولت الحمامة غصناً آخر، وهنا صاح طائر آخر: عرفت الآن ماذا ستفعلين، وطار بعيداً، وبقي الطائر الثالث، قامت الحمامة بوضع ريش وأوراق بين الغصنين، فصاح الطائر الثالث: لقد رأيت ما يكفي سأذهب الآن لإعداد العش.
ضحكت الحمامة وقالت “هذه الطيور الحمقاء كيف لها أن تتعلم وهي لا تدرك كيف تصغي لغيرها”. إنها قصة خيالية تنطلق من أرض الواقع لتعطيناً درساً وعظة، إنه الإصغاء، تلك المهارة التي نفتقدها بشكل واضح في حياتنا اليومية وبسبب فقدانها تواجهنا الكثير من المشكلات ونفقد الكثير من الفرص لتدعيم تواصلنا وتفاعلنا مع الآخرين.
هل تعلم عزيزي القارئ أننا في تواصلنا مع الآخرين نقضي 13% من أوقاتنا في القراءة، 9% في الكتابة، 23% في التحدث… ونقضي 55% في الاستماع. هذا يعني أننا نقضي أكثر من نصف وقتنا أو يومنا في الاستماع إلى الآخرين، نستمع لنعرف وجهة نظر الآخر، ونستمع لنعرف رد فعل الآخر، نستمع لنعرف معلومات من الآخر، نستمع لنعرف توجيهات الآخر، نستمع لنعرف مشكلات الآخر، وللأسف الشديد في كثير من الأحيان نكتشف أو يكتشف الآخر أننا لم نعرف ولم نفهم، وأننا كنا نسمع ولم نكن نصغي أو ننصت،
وفارق كبير بين السماع وبين الإصغاء أو الإنصات. فالسماع هو عملية آلية تتحقق بأن تتأكد من أن حديث الآخر يصل إلى أذنيك، بينما الإصغاء أو الإنصات يعني أنك تفتح أذنيك وتفتح ذهنك وتفتح قلبك لحديث الآخر لتدرك كلماته ولهجة صوته وحركات جسده وما هو كائن في عقله.
عندما نسمع للآخرين نحن نعطيهم شعور بالأهمية والقيمة، نحن نساعدهم على الشعور بالثقة والسعادة، نحن نقدم لهم ما تقدمه الشمس للورود من مساعدة على التفتح والأشراق. عندما نستمع للآخرين نحن نقوم بنوع أو أكثر من أنواع الاستماع. هناك استماع من أجل التقدير والمجاملة، وهناك استماع من أجل الفهم والاستيعاب، وهناك استماع من أجل النقد والتحليل،
وهناك الاستماع العاطفي للمشاعر والأحاسيس. عزيزي القارئ أنصت لتفهم ولا تنصت لمجرد السماع، توقف عن التفكير فيما ترد به على الآخر فقط أنصت إليه، تأكد دائماً أنك تدرك ما يقصده محدثك ولا تتوانى في توجيه أسئلة تستوضح منه عما خفي عنك، أبدي الاهتمام بما يقوله محدثك، لا تقاطع محدثك وأترك له الفرصة كاملة ليعبر عن مكنون نفسه وعقله، كن منفتحاً وأنصت بموضوعية لكل ما يقوله محدثك دون أن تجبره على قول ما ترغب أنت في سماعه فقط.
تخلص من الافتراضات المسبقة والأحكام المبيتة والغرور الفكري وركز في الإنصات إلى الآخر. واحذر دائماً أن تظهر استجابة تتصف بالتعالي أو بالاستهزاء. عزيزي القارئ مارس فن الإصغاء واستمتع بحديث الآخر إليك حتى لو لم يكن حديثه ممتعاً، وأنصت لذاتك وتفكيرك ومشاعرك قبل تنصت للآخرين، وإياك أن تطير قبل أن تعرف كيف تبني العش.