السجن الحقيقي …! بقلم - محمد دهشان
السجن نتائج أفكار لإنسان موهوم مذلول يرضي بالقليل بل الفتات ولا يقنع الا بما يملأ فمه وبطنه
تعد الحرية من أهم حوائج الإنسان على الإطلاق, والحرية حق مكفول في كل دستور بالعالم, ولكن يوجد نوع آخر من السجن غير الزنزانة التي يكون عليها شرطي كحارس وهو سجن الذات, فأحيانا السجن الداخلي يكون موجع ومؤلم لصاحبة مثل الغربة الداخلية التي يشعر فيها الشخص انه غريب عن وطنه ومعارفة لأنه مرغم على البقاء فيه فقضبانه صنعت من أصفاده وأفكاره العقيمة البالية وهو بنفسه كل بها نفسه وظلم بها روحه وعقله, فالسجن الحقيقي اذن سجن النفوس والعقول قبل أن تكون سجن الأجسام والأرواح فان كان كل سجين وراء القضبان محبوس فليس كل من خارج أسوار السجن أحرار.
فما السجن إذن الا نتائج أفكار لإنسان موهوم مذلول مكتوف الايدي يرضي بالقليل بل الفتات ولا يقنع الا بما يملأ فمه وبطنه لكن دون ذلك لا يبالي, ولا يتقدم خطوة يرضي ان يعيش في غبراء الناس حتي يسلم من الأذى, فيعيش مهزوم النفس ضعيف القلب في سجن حرمة الأيام والأحلام معا, ولقد صدق الرافعي عندما قال “أشد سجون الحياة فكرة خائبة يسجن الحي فيها، لا هو مستطيع أن يدعها، ولا هو قادر أن يحققها؛ فهذا يمتد شقاؤه ما يمتد ولا يزال كأنه على أوله لا يتقدم إلى نهاية؛ ويتألم ما يتألم ولا تزال تشعره الحياة أن كل ما فات من العذاب إنما هو بَدْء العذاب.
كثير من الناس يعيشون وهم يختزلون ذكرياتهم بمرها وحلوها وكأنها شريط يمررونه كل يوم, وهناك أناس وقفت حياتها عند طلوع الشمس وغروبها يعدون الايام يوم بيوم على جدران قاتمة يأكلون ويشربون دون أي احساس بحياة طبيعية حتى لو كانت حياة قاسية, وهناك أناس وجدت طريقها وتوازنت في حياتها النفسية ما بين الروح والجسد وعلما أن اسرار السعادة في الحياة ونعمت وانسجمت في الظاهر والباطن كوحدة متناسقة متناغمة, وهناك بشر روحها مسجونه داخل جسد ضيق لا يناسبها ونفسها تتأرجح مع تقلبات الأيام لا تدري ماذا تريد وما هو هدفها والي ماذا تصبو وتحلم, وأرواح بآسه وانهك جسدها من الدنيا فقررت التخلص من الحياة فاكتأبت وانتحرت.
ان السعادة في معناها هي حالة الصلح بين الظاهر و الباطن بين الإنسان و نفسه و الآخرين و بين الإنسان و بين الله, فينسكب كل من ظاهره و باطنه في الآخر كأنهما وحدة متناغمة، و يصبح الفرد منا و كأنه الكل, و كأنما كل الطيور تغني له و تتكلم لغته, أما بالنسبة للناس التي تعتبر ان السعادة في الدنيا هي عبارة عن صور ومشاهد يتداولونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن شلة الأنس وأفواه تتنفس الحشيش والمخدرات والمسكرات فهم خاطئين فهم يعيشون بحالة شقاء وكدر وحزن وقهر, وأناس تعتقد ان السعادة تكمن في التسلق على أكتاف البعض جريا وراء المصالح والمناصب وتكديس الأموال فنجدهم يلتمسون السلطة والقوة بكل السبل وأرخصها سعيا لتحقيق المصلحة الشخصية, وقد تبدأ بالفكر المضطرب وتنتهي بالسلوك المنحرف اي انها تجمع الفكر والسلوك معا وحين تختل موازين العقل تطفح على السطح أمراض كثيرة أقلها خطرا عشوائية القرار وانهيار منظومة الفكر واختلال مقاييس الأشياء, فالاستقامة هي الحل الاسمي لحل تلك المشاكل وهي انسجام الظاهر والباطن في وحدة متناسقة متناغمة وهيا حالة الصلح بين الانسان ونفسه وبينه وبين الناس وبينه وبين الله عز وجل, فالإنسان الذي يترفع عن أهوائه وميوله ويجاهد للثبات على مبادئه وقيمه هو في نظر الإنسانية إنسانا حرا حتى لو كان بالظاهر بين قضبان سجن موحش .
لذا يعد سجن العقل أشد أنواع الاعتقال مرارة في الحياة, واشعار المرء بالمهانة والاحتقار وأنه على الهامش وزائد على الوجود ولا أهميه له ليحيا بل مجرد رقم يموت يغضب يرضي يقترب يبتعد كله واحد, فالعقل البشري إذن هو المسؤول فعليا عن حياة الإنسان، فهو الوعي والذاكرة ومركز الحس والإبداع والتفكير والتخطيط, اذن عندما يسجن العقل تشل وتتوقف معه الحياة بأكملها الفكرية والجسدية, فالأفكار بنات العقل ووليدته حتى لو سجن جسد الشخص فسيظل عقله حرا, في إحدى الدراسات، وجدوا أن الفئران في أمريكا اللاتينية عندما تتعرض للخطر يغمى عليها مباشرة, وظن العلماء في البداية أنها تمثل الموت حتى تنجو، ولكنهم فيما بعد عرفوا أن عقولها تفقد الوعي من الخوف, أما لدى البشر فقد وجدوا أن 80 في المائة من الطلاب الذين استذكروا دروسهم جيدا قد أخفقوا في الامتحان، وذلك بسبب الخوف من الرسوب أو الحصول على معدل أقل.
عند الخوف، لا يعمل العقل بصورة كاملة، بل يتجه بكل قوته نحو فكرة النجاة من الخطر، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأدرينالين في الدم، وزيادة ضربات القلب، وكل هذه الأعراض المباشرة تتسبب في سجن العقل البشري داخل محاولة النجاة, أما بقية أجزاء العقل فتصاب بالشلل, اذا نجد أن أغلبية الناس الذين يعملون في الوظائف الحساسة يتطلب منهم أن يكون لديهم مهارة تحمل الضغوطات “إدارة الضغوط” ليتمكنوا من اتخاذ القرارات الصائبة والمناسبة, لا يمكن لهذه الدنيا أن تخلو تماماً من الضغوطات النفسية والمعنوية والجسدية, الانسان خلق على الفطرة فهو الذي يختار طريقه في الحياة وهو الذي يغيره بإرادته ,واذا وقع اختلال في حياته وهاجمته الهموم يتصور انه في سجن لا يستطيع الفرار منه , نجد مختلف الحالات من المساجين في الدنيا فالإنسان بطبيعته متقلب المزاج، فتارة تجده في قمة السعادة والراحة النفسية، وتارة تجده حزيناً.
وطبيعة الأيام تكسر القوي وتجبر كسور الضعفاء, فالبعض يعيش في سجن الضمير وتأنيبه والبعض يختبر الحياة وهو في سجن الظلم والقهر الحقيقي والبعض يحيي في سجون الضلال واخرون يموتون في سجن الجوع والفقر المدقع وأبرياء يقتلون ويحاصرون, فخيال الإنسان إذن ونظرته للأمور هي ما يحدد مصيره، فالشخص الذي يغذي عقله دائماً بالصور والأفكار الإيجابية والمتفائلة يحقق الكثير من النجاحات بالرغم من مروره بالكثير من المشاكل والإحباطات, لذلك راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعالاً، وراقب أفعالك لأنها ستصبح عادات، وراقب عاداتك لأنها ستصبح طباعاً، وراقب طباعك لأنها ستحدد مصيرك.